ألمانيا تتخوف من العزلة وتبحث عن دور جديد في ليبيا
٢٩ أغسطس ٢٠١١تشهد ألمانيا جدلا واسعا بشأن السياسة التي انتهجتها حكومة المستشارة الألمانية انغيلا ميركل تجاه الأحداث في ليبيا. وانتُقد وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيله على نطاق واسع بسبب امتناع بلده عن التصويت على قرار مجلس الأمن رقم 1973 الخاص بليبيا الذي أجاز استخدام القوة من اجل حماية المدنيين الليبيين، كما رفضت برلين المشاركة في عمليات الحلف الأطلسي التي كان لها الفضل في إضعاف قوة كتائب ألقذافي وتجنيب ليبيا مجازر كان نظام طرابلس قد توعد بها خصومه. وبالتالي فإن ألمانيا الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي والعضو في الحلف الاطلسي التي اتخذت مثل هذا الموقف.
واتهم منتقدون فسترفيله والمستشارة ميركل بالانفصال عن الشركاء في حلف الأطلسي لأسباب سياسية محلية لاسيما الانتخابات المحلية المزمع إقامتها في مارس آذار. وكان المستشار الألماني الأسبق هلموت كول (1982-1998) انتقد خلال مقابلة مع مجلة "انترناتسيوناله بوليتيك" حكومة المستشارة ميركل واتهمها بعدم امتلاكها "بوصلة سياسية". محذرا من خطر فقدان ألمانيا لأهميتها على مستوى العالم بسبب هذه السياسة.
حكومة ميركل تنحني أمام العاصفة
وفي محاولة منه لتخفيف الانتقادات الموجهة إليه، جدد فيسترفيله إشادته بمشاركة حلف شمال الأطلسي "الناتو" في العملية العسكرية في ليبيا. وقال وزير الخارجية الألماني خلال مؤتمر عقد اليوم الاثنين(29 اغسطس /آب) في برلين للسفراء الألمان في الخارج: "نحن سعداء بانتهاء حكم نظام القذافي. ولأن تقييمنا للمخاطر والفرص كان مختلفا فإننا نحترم مساهمة فرنسا وشركائنا في تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1973". وأكد فيسترفيله أمام أكثر من 200 سفير وفي حضور وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه أن "ألمانيا ستكون مستعدة مستقبلا أيضا للقيام بمسؤولية دولية، بما في ذلك استخدام القوة العسكرية كخيار أخير".
وبرأي المحلل السياسي الألماني مشائيل لودرز، فإن هذه التصريحات "لا يمكن أن تغير من الأمر شيئ، إلا ان فسترفيله يحاول من خلال ذلك القول أن ألمانيا فهمت تماما أن العمليات العسكرية لحلف الناتو، والتي كانت فرنسا فيها رأس الحربة، كانت مفيدة". واعتبر لودرز في في حوار لدويتشه فيله، انه "هذه محاولة من برلين لتخفيف امتعاض باريس من عدم مشاركة ألمانيا في هذه المهمة، ولكن هذا ليس كافيا، ففرنسا تطلب أكثر من ذلك".
وقد أكد وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه في برلين اليوم الاثنين، أن تغيير النظام الليبي لم يكن ممكنا بدون العمليات العسكرية التي استهدفته وقال:"تدخل المجتمع الدولي عسكريا هو فقط الذي جعل من الممكن تجنب وقوع مذبحة حقيقية". وكان فيسترفيله قد أكد في تصريحات الأسبوع الماضي أن العقوبات وليس قوات المعارضة والدعم الجوي من حلف شمال الأطلسي هي من أسقط القذافي. وقوبلت التصريحات بانتقادات في ألمانيا وحتى من البعض داخل الحزب الديمقراطي الحر الذي ينتمي إليه.
مخاوف من العزلة
ويتخوف المراقبون في ألمانيا من عزلة الأخيرة داخل حلف الناتو بعد موقفها من قرار مجلس الأمن 1973 والعمليات الجوية التي نفذها الأطلسي في ليبيا، ويؤكد الخبير الألماني مشائيل لودرز أن بلاده باتت "تعيش عزلة بسبب ذلك، وهو الأمر الذي سبب انتقادات بل غضبا في صفوف الطبقة السياسية في البلاد تجاه دبلوماسية الحكومة الحالية" ويضيف: "أن عدم مشاركة برلين في مهمة حلف الناتو في ليبيا أثَّرعلى مكانتها فيه، ففرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الفاعلة في الأطلسي أصبح لديها انطباع بأن ألمانيا بلد يتغني بالتصريحات فقط، دون إبداء الاستعداد للمشاركة الحقيقية في تنفيذ القرارات، خاصة ونحن نعلم ان الظروف في ليبيا تختلف تماما عن ما حدث في حرب العراق التي لم تشارك فيها ألمانيا، إذا أن حلف الناتو لم يقم بمهاجمة الشعب الليبي، بل سعى لحمايته".
ولم تستبعد المستشارة الألمانية أخيرا مشاركة جنود ألمان في بعثة محتملة من الأمم المتحدة لإرساء الاستقرار في ليبيا. وأكدت في حديث نشر الأحد "إن طلب منا ذلك، نحن الألمان، فإننا سندرس بالتأكيد ما نستطيع فعله".
تطلعات لدور أكبر
وستشارك ميركل الخميس في باريس في المؤتمر الدولي لدعم ليبيا بعد سقوط نظام القذافي حسب ما أعلن المتحدث باسمها الاثنين. وقال المتحدث ستيفن سيبرت خلال المؤتمر الصحافي المنتظم للحكومة "سنقوم بكل ما في وسعنا" لتقديم مساعدة إنسانية للشعب الليبي". وأضاف "تشيد الحكومة الألمانية بانتصار الثوار".
ويذكر أن حوالي خمسين دولة دعيت الخميس لحضور هذا الاجتماع الذي يضم أصدقاء ليبيا واقترحته فرنسا للاستماع إلى مطالب المسؤولين في المجلس الوطني الانتقالي ومساعدتهم لبناء ليبيا جديدة بعد نظام القذافي الاستبدادي الذي استمر 42 عاما.
ويرى الخبير الألماني مشائيل لودرز أن "ألمانيا بإمكانها المساعدة في بناء أركان الدولة الليبية المستقبلية، وذلك انطلاقا من التجربة التي تتمتع بها، فألمانيا لديها خبراء يتمتعون بخبرة طويلة بنيت على أساس التعامل مع الوضع بعد توحيد ألمانيا، وليبيا تحتاج إلى هذه الخبرة من اجل إعادة بناء هذه الدولة وتوحيد كل أطراف المجتمع الليبي".
وإلى جانب الدعم الألماني المرتقب لإرساء دولة القانون في ليبيا، تتطلع ألمانيا إلى الحفاظ على استثماراتها في هذا البلد الغني بالنفط، إلا ان لودرز يؤكد أن الحفاظ على تلك المصالح يجب ان ينطلق من "ضرورة أن تفهم الحكومة الألمانية أولا أن ما حدث في ليبيا وما يحدث في دول عربية أخرى ليس مجرد أحداث عابرة وإنما ثورات شعبية ستغير وجه المنطقة".
يوسف بوفيجلين
مراجعة: منصف السليمي