ألمانيا بحاجة ماسة إلى ترميم منشآتها العامة
١٦ مارس ٢٠١٣إذا أراد أحد سكان مدينة دورين، الواقعة في ولاية شمال الراين ويستفاليا بغرب ألمانيا، أن يقدم طلبا لتجديد بطاقته الشخصية أو للحصول على رخصة بناء منزل، فعليه أن يتوجه إلى منطقة صناعية في المدينة. فقد انتقل موظفو البلدية إلى مبنى قديم تابع لشركة تيليكوم وذلك بسبب أعمال الترميم التي تجري على مبنى دار البلدية. وبذلك تحول موقع عملهم إلى ورشة.
ويفترض أن يكون المبنى الفخم وسط المدينة جاهزا للانتقال إليه بحلول أواسط عام 2014. إنها خطة طموحة. فواجهة المبنى المبنية من الطوب المحروق مازالت قائمة بشكلها القديم، لكن جدران المبنى من الداخل لم تعد قائمة.
في زيارتنا لموقع العمل يرافقنا هانزـ فيلي شرودر الذي يعرف الأرقام السرية لدخول المبنى. شرودر هو المسؤول عن البناء وترافقه في هذه الجولة التفقدية المسؤولة الإدارية عن عمليات البناء في البلدية ماريا فيلتر إلى جانب مدير إدارة المباني هلموت هاربيرشايدت. هؤلاء الثلاثة يشكلون مجموعة إدارة مشروع إعادة ترميم مبنى البلدية.
في الطريق إلى داخل المبنى القديم نلتقي الكثير من العمال الذين يعملون في محاور مختلفة من المبنى. بعضهم يقلع أنابيب التدفئة القديمة ويرميها في النفايات، حيث سيتم استبدالها بأنابيب تدفئة جديدة في كل سقف من سقوف المبنى الجديد. بعض العمال ينقل أكياسا مليئة بنفايات الأرضيات القديمة وأوراق الجدران إلى مكان تجميع النفايات الخاصة. وبين الحين والأخر يجد المرء بعض الغرف الصغيرة التي تحمل شارة إنذار بلون أزرق تشير إلى ضرورة استخدام الكمامات الواقية من الغازات السامة.
ويتم في هذه الغرف، المغلفة بجدران مؤقتة من مادة البلاستيك، إزالة النفايات السامة من بعض مواد البناء القديمة من قبل عمال متخصصين. وعن ذلك يقول هانز ـ فيلي شرودر " لدينا الكثير من هذه المواقع الملوثة التي تحتوي على مادة الأسبست ومواد سامة أخرى".
كانت مادة الأسبست من المواد الأساسية للبناء في الستينات وحتى الثمانينات من القرن الماضي. فقد كانت تستخدم بشكل مكثف في بناء الواجهات وفي أرضيات المباني بسبب متانة أليافها وعدم قابليتها للاحتراق وفاعليتها كمادة عازلة. لكن تم منع استخدام هذه المادة منذ عام 1993 في عموم ألمانيا وذلك بعد أن ثبت وجود مواد مُسَرطنة فيها. بيد أن المادة السامة هذه موجودة في العديد من المباني القديمة. وتستغرق أعمال إزالتها من جدران وأرضية تلك المباني عشرات السنيين وتكلف مبالغ طائلة.
والمادة السامة الأخرى هي من مركبات غاز الكلور وتسمى اختصارا بي.سي.بي، وهي مادة تسبب مرض السرطان أيضا. وكانت تستخدم حتى الثمانينات من القرن الماضي في الأصباغ والمواد العازلة والمواد البلاستيكية وفرش الأرضية. واحتواءُ مباني بعض المؤسسات على كمية كبيرة من هذه المادة السامة، يستوجب ترميمها بشكل جذري، كما هو الحال في بعض المدارس وقاعات الرياضة والمباني الإدارية. وتشهد مدينة دورين حاليا أعمال ترميم من هذا النوع في العديد من مبانيها القديمة الرسمية.
القانون يضمن حق إصلاح المباني من المواد السامة
ويتم اعتماد مبادئ السلامة العامة أثناء عملية إزالة المواد السامة من مبنى البلدية: فالعمال يمرون في ممرات خاصة لتبديل ملابسهم، كما تكون بيوت المراحيض من مادة الفولاذ أو ما شابه ذلك لمنع انتشار المواد السامة في كل مكان. وتحتوي بعض الممرات على حمامات. كما يتم تجميع النفايات السامة في حاويات خاصة.
ويتم الاهتمام بقضية الوقاية من الحرائق بشكل صارم ووفقا للتعليمات القانونية، كما يقول هيلموت هاربيرشايدت: "شعارنا هو إمكانية إنقاذ كل إنسان في حالة اندلاع حريق". ويشير المسؤولون الثلاثة إلى سلم ضيق يقود إلى أسفل المبنى.
ففي حالة اندلاع حريق في المبنى ينبغي أن يتمكن الموظفون والمراجعون من سلوك هذا السلم الضيق بشكل سليم ليصلوا إلى بر الأمان. كما تنوي إدارة المدينة توفير جهاز تهوية يمنع تواجد دخان كثيف في الممر الضيق والذي يعمل آليا عند اندلاع حريق. كما يتواجد في سقف المبنى مروحة تعمل آليا أيضا لتبديل الهواء داخل المبنى ومنع حدوث حالات الاختناق عند اندلاع حريق ما.
ومن الأسباب التي دفعت إلى ترميم مبنى البلدية هو تقادم المنشآت التقنية: فوحدة معالجة المعلومات في المبنى لم تعد تلبي متطلبات العصر الحديث، حيث باتت لا تتحمل الكم الهائل من المعلومات التي يتعامل معها عبر برنامج ويندوز 7، كما تقول ماريا فيلتر، المسؤولة الإدارية عن المبنى.
قاعة استقبال مضيئة بقليل من الجدران
ومن مميزات المبنى الجديد أنه رفيق بذوي الاحتياجات الخاصة. في الماضي كان على المواطنين الراغبين في دخول المبنى أن يسلكوا سلما فخما إلى شرفة أمام البوابة الرئيسية ليدخلوا منها إلى داخل المبنى. وكان ذلك أمرا صعبا بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة. في المبنى الجديد يتحول قبو المبنى إلى طابق ارضي يشمل على بوابة رئيسية يمكن الولوج من خلالها إلى داخل المبنى دون الاضطرار إلى صعود سلم. وهناك أعمال أخرى مستمرة كتغيير شبكة الإضاءة.
ويقول مسؤول المشروع، هاربيرشايدت: "إن فن الترميم والإصلاح يكمن في ربط التقنيات العصرية ووفق المتطلبات القانونية مع فن المعمار القديم". فالمبنى القديم خاضع للحماية بصفته من آثار الفن المعماري القديم، رغم أن بناءه تم في خمسينات القرن الماضي. ويضيف الخبير المعماري: "إن نوعية الجدران الأسمنتية لم تعد تتفق مع متطلبات البناء الحديث وباتت قديمة، كما أن تقنيات منع نقل صدى الأصوات إلى الغرف الأخرى باتت هي الأخرى قديمة". ورغم أن مساحة القاعة الكبيرة بقيت كما كانت عليه سابقا، إلا أنها ارتفعت قليلا لأن الناس اليوم باتوا أطول مما كان عليه الناس قبل ستين سنة.
شارك الجميع، بما في ذلك ممثلو الموظفين والمستخدمين في إقرار خطط الترميم والإصلاح، إلى جانب هيئات رسمية أخرى. ومن المفترض أن ينتهي العمل في المبنى في أواسط عام 2014. وقدرت الجهات المختصة تكاليف الترميم في عام 2011 بتسعة ملايين يورو. ولكن بعد سنتين قدر الخبراء التكاليف بخمسة عشر مليون يورو. فإيجار المكان البديل للعمل خلال فترة الترميم يكلف مليون يورو إضافي. ويتحمل سكان المدينة هذه التكاليف التي يدفعونها من خلال الضرائب. ولكن بعد الانتهاء من ترميم المبنى لن يحتاجوا إلى السير لمسافة طويلة للوصول إلى مبنى بلديتهم. كما ستبدو بناية البلدية جميلة وزاهية أكثر من ذي قبل، وفوق كل شيء سيكون المبنى مجهزا بأحدث التقنيات العصرية.