ألمانيا- بأي حال عاد العيد على اللاجئين؟
٢٣ يونيو ٢٠١٧بالقرب من محطة القطارات الرئيسية في مدينة بون الألمانية، التقينا بشابة تستظل تحت شجرة مع زميلة لها. كان الغبار يعلو حذاءها ونظراتها تراقب المارة الذين تلفح وجوههم أشعة الشمس الحارقة"اسمي جوليانا قادمة من سوريا مع زوجي و أولادي ونعيش في ألمانيا منذ حوالي سنتين". هكذا أجابت الشابة السورية عن سؤالنا ثم أردفت:"السنة الماضية قضينا العيد هنا ولم نشعر به، لكن هذه السنة تطورت العديد من الأمور وأتوقع أننا سنحس بالعيد أحسن من تلك السنة".
"فرحة الأولاد بالعيد لا تقدر بثمن"
تنتظر جوليانا العيد بفارغ الصبر، حيث تعتبره مناسبة فريدة تستوجب الاستعداد بشكل مميز خصوصاً مع أقاربها وأسرتها، التي استطاعت الفرار من الحرب الدائرة في بلدها الأم سوريا. وفي حديثها ل DW عربية عن الاستعدادات للعيد قالت جوليانا" سنحضّر حلويات العيد المشهورة ب "معمول"بالعجوة (حلوى التمر)، برازق، غريبة" ثم توقفت هنيهة عن الكلام وواصلت تقول"طبعا سنحضّر كل هذا قبل يوم العيد أنا وأقاربي وأولادي سنتعاون على ذلك".
ولا يقتصر العيد عند جوليانا على إعداد الحلويات، بل يتعداه أيضاً إلى إدخال الفرح على أطفالها. وفي هذا الصدد تقول الشابة السورية التي بدا فجأة على ملامحها التأثّر"سأشتري لأولادي ثياباً جديدة وحلوة، ففرحة الأولاد بالعيد لا تقدر بثمن" ثم تضيف" يجب أن أحسس أولادي بجو العيد حتى ولو لم نكن ببلدنا". وستنظم الأسرة والأقارب حفلة صغيرة و مشتركة من أجل مشاركة فرحة العيد والحفاظ على أجوائه.وعن ذلك تقول جوليانا"نحاول قدر الإمكان عمل جو من العائلة، سنزور أقاربنا هنا في أول أيام العيد وسنحافظ على هذه الأجواء التي يحب ألا تتغير بيننا".
" سأشتري الحلويات"
"يقولون يوم العيد بجوه وناسه وهنا ليس هناك لاجو ولا ناس وثقافة الاحتفال بالعيد غير موجودة هنا". بهذه الكلمات المتقطعة استهل وائل(اسم مستعار) حديثه معنا والتعاسة تبدو واضحة على محياه. يعيش الشاب السوري 26 عاما وحيداً بمدينة بون، التي قدم إليها قبل سنتين فاراً من بلده الممزق بحرب أهلية. وعلى غرار باقي اللاجئين يتحتم عليه قضاء عيد الفطر في هذا البلد. ويقول وائل بعد أن مسح حبات العرق على جبينه" للمرة الثانية على التوالي سأقضي العيد هنا بعيداً عن الأجواء التي تعودت عليها في سوريا".
أجواء لازالت منقوشة في ذاكرة وائل" كنا من زمان نشتري ثياباً جديدة و نعد طبخة خاصة للعيد" يقول وهو ينظر مرة إلى اليمين و مرة أخرى إلى اليسار، محدقا في عصفور أبيض صغير كسر كثرة تحركه صمت المكان المطبق.
ورغم "الفرق الكبير" بين العيد في سوريا وألمانيا، يستعد وائل للاحتفال بالعيد بمعية صديقه و أخته القادمة معه من سوريا ،والتي تقطن في كولونيا. حيث سيشترون الحلويات ويطبخون سوياً الأطباق السورية في محاولة لمحاكاة أجواء العيد في بلدهم الأم. ويقول وائل الذي تغيرت ملامح وجهه وارتسمت عليه ابتسامة في خضم الحديث عن الاستعداد للعيد"رغم برودة الأجواء هنا، سأشتري الحلويات وأساعد أختي في إعداد ألذ الأكلات السورية من أجل الاحتفال بعيد الفطر".
"لن أحتفل بالعيد"
منذ الوهلة الأولى، يُدرك الزائر لحي بادغودسبيرغ ذي الغالبية المسلمة من أتراك وعرب أنه ليس في ألمانيا. بل في حي من الأحياء العربية: مقاهٍ، دكاكين، محلات كلها تحمل أسماء عربية مثل: بغداد، المغرب، أبو حكم... في محل لبيع الحلويات السورية، يستقبل فراس زبائنه بابتسامة عريضة لا تفارقه، ويُسرع في تلبية طلباتهم. جاء الشاب السوري إلى ألمانيا منذ سنة ونيف وهاهو اليوم يقضي لأول مرة عيد الفطر، بعيداً عن الأهل والأحباب"رغم تواجد بعض من أقاربي هنا كعمي وعمتي، لكن معظم عائلتي في سوريا" بهذه الكلمات أجاب فراس عن سؤالنا وواصل يقول"العيد يعني العائلة والوطن وهذه الأجواء الجميلة غير موجودة هنا فلماذا سأحتفل؟".
أجواء جميلة لازالت مُخزنة بدقة في ذاكرة فراس رغم ويلات الحرب، حيث كان يشتري الشاب السوري ملابس جديدة و يأكل من طبخ أمه و يجتمع مع أسرته في يوم العيد ثم يزور الأهل والأصدقاء.
لقد أصبح العيد بالنسبة لفراس يوم كباقي أيام السنة. إذ سيقضي نصفه الأول في الشغل والنصف الثاني في الدراسة. يقول فراس بصوت خفيض"لن أحتفل بالعيد، سأشتغل في هذا اليوم ثم أدرس فقد أصبح عيد الفطر يوماً عادياً بالنسبة لي".
أجواء غائبة
يعيش محمد 18 عاماً منذ سنة ونصف في مدينة بون الألمانية، ترك وراءه أسرته في سوريا وأتى وحيداً يبحث عن السلم والأمن الغائب عن وطنه. التقيناه في أحد شوارع المدينة الرئيسية يجلس القرفصاء، ويتمعن في بعض وجوه المارة التي تتصب عرقا بسبب موجة الحر التي تجتاح المدينة. بدا على ملامحه الخجل وهو يستمع إلى سؤلنا عن العيد قبل أن يجيب"عن أي عيد نتحدث؟ نحن في ألمانيا ولا توجد أجواء العيد هنا بالمرة" ثم يسمح بيده على شعره الناعم ويضيف:" لن أستعد للعيد كما كنت أفعل في سوريا، فقد كنا نشتري الثياب ونطبخ ونشترك مع العائلة في أجواء من البهجة وهو ما أفتقده هنا".
وبالنظر إلى الغربة عن الوطن والأهل سيضطر الشاب السوري إلى عدم الاحتفال بالعيد لأول مرة في حياته، إذ سيقضي اليوم بشكل عادي. وعن هذا الشعور يقول محمد عابسا" بالتأكيد لن أحتفل بالعيد، لأنه ليس هناك بهجة للعيد هنا وسأقضيه كغيره من الأيام الأخرى".
مورد رزق إضافي للبعض!
ولمعرفة استعدادات اللاجئين للعيد انتقلنا إلى بعض المحلات العربية، التي يترددون عليها بكثرة من أجل اقتناء بعض لوازم العيد. استقبلنا صاحب المحل المغربي علي، الذي دخل في حديث مطول مع زبونة تونسية. يعرض المحل أشكالا مختلفة من الحلويات التي وُضعت بعناية قبالة المدخل الرئيسي للمحل، حيث يصعب على الزبون تجاهلها" قبل العيد يكثر الإقبال على شراء اللحوم، الدجاج والحلويات ومستلزماتها خصوصاً السميدة" يخبرنا علي ثم يُردف"ألاحظ ارتفاع استهلاك التمر والفستق أيضا".
غير بعيد عن محل علي، زرنا محلاً مُتخصصا آخراً فقط في بيع الحلويات العربية، يمتلكه مهاجر من أصل سوري "نبيع بقلاوة، محلبية الطبخ السوري والقهوة العربية" يخبرنا المُكلف بالمحل ماركوس. ويضيف قائلا"على العموم، هناك إقبال كبير هذه الأيام على الحلويات وخصوصاً البقلاوة".
ويقول لنا ماركوس إن زبنائه من اللاجئين ينحدرون من جنسيات مختلفة" الأغلبية من سوريا، لكن هناك زبائن أيضا من ليبيا والعراق والدول المغاربية كتونس والمغرب والجزائر".
رضوان المهدوي