ألمانيا.. الإسلام تحت الشبهة العامة حتى وإن ثبت العكس!
١٤ أبريل ٢٠١٨مصطفى ساجليم يعرف جارته منذ طفولته المبكرة. كانت السيدة الألمانية تتردد على بيت عائلته، وغيرت له ملابسه الداخلية عندما كان رضيعاً. وحتى وقت قريب كان التواصل بينهما مستمراً. واليوم تقاطع الجارة الألمانية مصطفى ولم تعد تتحدث معه. "بعد خلاف صغير حول مكان لركن السيارات قالت لي بأننا نحن المسلمين لا نحترم غير المؤمنين. منذ تلك اللحظة لم نعد نتواصل مع بعضنا البعض". مصطفى ساجليم ترعرع في بون وهو متزوج من ألمانية-سويدية. ولكن هذا لا يكفي ليكون الشخص ألمانياً؛ فالكثير ينظرون إليه على أنه ذلك المسلم، وبالتالي هو غريب.
ويحتل الجدل حول الإسلام حالياً عناوين الصحافة أكثر من أي موضوع آخر. والمثال الأخير عن ذلك وقع قبل أسبوع عندما دهس رجل بمدينة مونستر جمع من الناس بحافلة صغيرة، ما أسفر عن مقتل شخصين وجرح عشرين آخرين. وبعد ذلك قتل السائق نفسه. وبدون معرفة الخلفيات، فجر اليمين الشعبوي في مواقع التواصل الاجتماعي جدلاً صاخباً. والتهمة هي أنه لن يتعلق الأمر إلا باعتداء إسلاموي. وادعت البرلمانية من حزب البديل من أجل ألمانيا بياتريكس فون شتورش في تغريدة أن لاجئاً هو المسؤول عن الجريمة. وعندما تبين أن المجرم هو رجل ألماني مضطرب نفسياً، قيل بأن المهاجم يقلد إرهابيين إسلامويين.
وفي أيامنا هذا بات مثل هذا الخطاب نموذجياً ومكرساً في ألمانيا. فكيف هو تأثير هذا الجدل على المسلمين الذين يبلغ عددهم 4.5 مليون شخص في ألمانيا؟ ماذا يفكرون في الوهلة الأولى عندما تحصل جريمة نكراء مثل ما حصل في مونستر؟
الاشتباه العام يقود إلى "الانفصال" عن المجتمع
هناك ثلاثة ردود فعل تقليدية للمسلمين، يقول السياسي هالوك يلديز: "نتمنى أن لا يكون مسلماً. سيتم توظيف ذلك سياسياً وإعلامياً، يقول البعض. والمجموعة الثانية لا تعبأ بالاتهامات وتتجاهلها. ثم هناك أشخاص يتنصلون كلياً من ذلك ويقولون إن الأمر لا علاقة لي به من قريب ولا من بعيد".
يلديز يعرف المجموعات الثلاث جيداً، فالألماني من أصل تركي هو رئيس الحزب الصغير، "التحالف من أجل الابتكار والعدالة" BIG Partei الذي يدافع عن مصالح المسلمين واندماجهم الاجتماعي. ويلديز تقلقه لاسيما المجموعة الأخيرة: "هذه المجموعة انفصلت عن المجتمع أو تشعر أنه تم فصلها عن المجتمع". فبسبب الشبهة العامة لم يعد يشعر هؤلاء الناس ببساطة بالارتياح. والنتيجة هي أنهم "أقاموا حاجزاً كبيراً بينهم وبين المجتمع، وبالتالي انفصلوا كلياً عنه".
القصة بدأت منذ أحداث أيلول/سبتمبر
متى كانت تلك اللحظة التاريخية التي بدأت فيها العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في ألمانيا بالتدهور؟ الاعتداء الإرهابي في وسط برلين في كانون الأول/ديسمبر 2016؟ حوادث التحرش الجنسي في ليلة رأس السنة 2015/16؟ بالنسبة لهالوك يلديز بدأ الوصم قبلها بكثير: "حتى الاعتداءات على مركز التجارة العالمي في 11 أيلول/ سبتمبر 2001، كنت أنا ذلك التركي اللطيف. ومنذ 12 أيلول/ سبتمبر 2001 لم أعد حتى مسلماً، بل مباشرة إسلاموياً".
وهناك شبهة عامة ثانية ضد الأتراك المسلمين الذين يعيشون في ألمانيا؛ إذ يتم اعتبار الكثير منهم أنصاراً متحمسين للرئيس التركي اردوغان، ويتمتعون منذ سنوات بمزايا ألمانيا الديمقراطية، ويدعمون بالرغم من ذلك رجلاً استبدادياً.
"بعد أيام من الاستفتاء على الدستور في تركيا كنت عند طبيبي الذي أعرفه منذ زمن طويل. لم يبادرني بالتحية، بل سألني فقط: نعم أم لا؟، يتذكر يلديز. والسياسي لم يفهم شيئا في الوهلة الأولى بأن طبيبه يقصد الاستفتاء على النظام الرئاسي الذي يرغب اردوغان إقامته. "وقلت له بأنه لم يكن مسموحاً ليّ بالاستفتاء، لأنني أحمل الجنسية الألمانية وإنه يجب عليه المرة القادمة أن يحييني أولاً".
علاقة مضطربة جزئياً مع وسائل الإعلام
مصطفى أوتشاك رئيس الجالية الإسلامية التركية في بون لا يتوانَ عن انتقاد المسلمين أيضاً: "يجب علينا التحدث أكثر إلى وسائل الإعلام والتوجه إليها. نحن هنا نتحمل المسؤولية". ويبدو أن الكثيرين يتقوقعون، لأنهم يشعرون بمعاملة غير عادلة من قبل وسائل الإعلام. وهذا تبين خلال إعداد هذا التقرير؛ إذ أن الكثير من المساجد في بون وكولونيا، على سبيل المثال، لم تتعاون ولم ترد على طلبات إجراء مقابلات مع DW.
ويقول يلديز إن الحل قد يكون مثلاً في تقوية الحوار أكثر بين الأديان، إذ أنه ينشط منذ سنوات ضمن مبادرة في بون تحاول الجمع بين مسلمين ومسيحيين من أجل الحوار. "في الآونة الأخيرة حضر لقاءاتنا فقط 20 أو 30 شخصاً، وهذا ببساطة قليل". ويقول يلديز بأن هذا ينطبق على الساحة السياسية الكبيرة، حيث يعمل فقط قليل من الناس لتعزيز وتقوية أواصر العيش المشترك"، مردفاً أن الكثيرين أطلقوا بعد الاعتداءات الاتهامات ضد المسلمين. وأوضح أنه يجب احتقار تلك الاتهامات والعمل ضدها وإبداء التضامن بين جميع الأديان.
أوليفر بيبر/ م.أ.م