ألمانيا: إنكار جرائم الحرب والإبادة يعاقب عليه القانون
٢٥ نوفمبر ٢٠٢٢جرائم حرب مزعومة في بوتشا بأوكرانيا، وإبادة جماعية للايزيديين في العراق وانتهاكات لحقوق الإنسان ارتكبت ضد الأويغور في الصين. قائمة الفظائع في النزاعات حول العالم طويلة. ومع ذلك، فإن هناك من يقللون من شأن هذه الجرائم أو ينكرون حدوثها مراراً وتكراراً. المشروعون في ألمانيا يريدون في المستقبل معاقبة من ينكرها في حال تم استخدام أقواله لإثارة الكراهية ضد مجموعات سكانية معينة أو تعكير صفو السلم الاجتماعي".
البرلمان الألماني/ البوندستاغ صوت نهاية أكتوبر/تشرين الأول على تعديل قانوني بشكل يؤدي إلى تشديد القانون الجنائي. ومن المقرر أن يتم تمرير القانون الجديد يوم الجمعة في المجلس الاتحادي/ البوندسرات وعندها فقط سيدخل حيز التنفيذ. وعليه سيكون إنكار جرائم الحرب وحالات الإبادة الجماعية و "التقليل من شأنها" ضمن جريمة "التحريض على كراهية الناس" حسب الفقرة 5 المنشأة حديثًا من المادة 130. إن إنكار الهولوكوست أمر يعاقب عليه القانون -على أي حال- دون تقييد بهدف منع الإخلال بالسلم الاجتماعي. في هذا الخصوص قال مايكل كوبيتسيل، الباحث القانوني في جامعة أوغسبورغ، لـ DW: "يتعلق الأمر بمنح سلطات تطبيق القانون إرشادات أقوى - إذا جاز التعبير - حول كيفية التحقيق في هذه الوقائع". لكن قبل كل شيء، كان الأمر يتعلق بتلبية مطالب المفوضية الأوروبية".
أمر مهم في حرب أوكرانيا
بدأ نفاذ القرار الإطاري الذي أصدره الاتحاد الأوروبي لمكافحة العنصرية في عام 2008، ووقد اضطرت الحكومة الألمانية الآن للقيام بالتعديل القانوني أعلاه كي لا تواجه إجراءات عقابية من قبل الاتحاد. بالنسبة لجوزفين بالون ، كبيرة محامي منظمة مكافحة الكراهية / HateAid، التي تدعم ضحايا الكراهية والتحريض عبر الإنترنت، فإن التغيير جاء في الوقت المناسب.وقالت بالون لـ DW: "أنا متحمسة لرؤية كيف سيتم التعديل"، وأضافت: "أرى بالتأكيد نطاقًا عمليًا لذلك في الوقت الحالي، في سياق حرب أوكرانياىنرى بعض الأشياء التي يمكن أن تندرج تحت هذا الأمر. أود أن أقول إن التعديل يأتي في وقت يمكن أن يكون وثيق الصلة بالموضوع".
في سياق متصل يرى عزيز إيبيك، الأستاذ المساعد في القانون الجنائي بجامعة هامبورغ أن "المناقشة الموضوعية للجرائم المحتملة بموجب القانون الدولي لن تتأثر بالتعديل القانوني". ويضيف إيبيك: "إذا كان هناك تجمع - على سبيل المثال - يقوم بالتحريض ضد الأوكرانيين، أو يتحدث عن" النظام الفاشي "في كييف أو يقوم بالتلويح بأعلام Z وأشياء من هذا القبيل.. أو كان هناك استهانة بما حدث في بوتشا، فقد ينتهي بنا المطاف إلى حالة يمكن تطبيق الفقرة الجديدة عليها".
تعديل يواجه الكثير من الانتقادات
على الجانب الآخر، كانت هناك أيضاً انتقادات لتعديل الفقرة في القانون، جاء بعضها من علماء في القانون ومؤرخين. اشتكى البعض من الافتقار إلى الشفافية، لأن التعديل أقر في البرلمان في وقت متأخر من المساء ودون مناقشة مسبقة. ويعتقد البعض الآخر أن الفقرة تقيد حرية التعبير بدون مبررات.
غير أن مايكل كوبيتسيل لا يتفق مع ذلك، إذ قال: "أعتقد أن المناقشة برمتها ينطبق عليها المثل القديم: "الكثير من اللغط حول لا شيء". وأضاف: "أعتقد أن أمرا ما قد تم تصويره على أنه فضيحة، غير أنه لا يمثل ذلك سواء في الإجراء أو ما يتعلق بالتعديل نفسه." ويعود السبب حسب كوبيتسيل إلى أنه "حتى قبل التعديل الجديد، فإن التأييد العلني للإبادة الجماعية كان يُعاقب عليه أيضاً في ألمانيا بموجب قانون مكافحة "التحريض على كراهية الناس".
ولا يرى كوبيتسيل أي انتهاك كبير لحرية التعبير في التعديل الجديد: "يتعلق الأمر بما إذا يمكن للأشخاص العاديين قول أمر ما. لا يزال يُسمح لهم بذلك، كما يُسمح لهم بالإنكار طالما أنهم لا يحرضون على الكراهية. أما إذا كان في الأمر تحريض، فيمكن على ضوء ذلك فقط مقاضاة من يقوم بذلك إذا استطاعت المحكمة أن تثبت بشكل قانوني أن الإنكار يقوم على الكذب ورفض الحقيقة".
العقاب وضباب الحرب
لكن مايكل كوبيتسيل يستطيع أن يتفهم نقدا يتعلق بجانب واحد من التعديل القانوني، وهو الإشارة إلى الصراعات المستمرة، إذ يسمح التعديل الألماني صراحةً بمعاقبة الشخص على إنكاره جرائم الحرب في النزاعات الحالية - على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي ترك خياراً مفتوحاً لقصر الأمر على جرائم الحرب السابقة التي تم التحقيق فيها وإثباتها في المحكمة. قد يمثل هذا الأمر مشكلة، لأن الحقيقة نادرًا ما تكون واضحة أثناء الحرب، وغالباً ما اتضح أن المزاعم التي تظهر ويصرح بها البعض أثناء الحرب غير صحيحة.
ويرى كوبيتشيل هذه المعضلة، لكنه لا يتوقع في مثل هذه الحالات توجيه تهم بموجب الفقرة الجديدة. وقال: "أعتقد أن المحاكم لن تنشط إلا في الوقت الذي يزول فيه ضباب الحرب بعض الشيء".. "وعندها تصبح الحقائق واضحة لدرجة أن المدعين يعتقدون بالفعل أن لديهم أدلة كافية أيضاً".
ولمنع المشكلة من الظهور في المقام الأول، يوفر القرار الإطاري للاتحاد الأوروبي - الذي امتثلت له الحكومة الألمانية من خلال تعديل القانون - مخرجًا، حيث يعرض على دول الاتحاد الأوروبي حصر العقاب على الإنكار والاستخفاف بجرائم الحرب بتلك التي وقعت في الماضي والتي تم التحقيق فيها وإثباتها من قبل المحاكم. بعبارة أخرى، جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي تم إثبات وقوعها من جهة المحاكم.
ورداً على استفسار من DW، قالت وزارة العدل الفيدرالية الألمانية (BMJ) إن لديها "أسباباً وجيهة" لعدم حصر التعديل في جرائم الحرب الماضية والمثبتة. وقالت الوزارة: "بعد كل شيء، فإن القرار الإطاري للاتحاد الأوروبي يسمح فقط بمثل هذا التقييد لأعمال الإنكار والتقليل الجسيم، لكنه لا يسمح بالتغاضي عن هذه الأعمال، مشيرة إلى أن هذا قد يؤدي إلى الكثير من التناقض.
توترات ممكنة على صعيد السياسة الخارجية
أظهر غزو أوكرانيا وردود الفعل سواء داخل أو خارج الإنترنت أن توسيع نطاق التحريض ليشمل الإنكار والتهوين من جرائم الحرب لن يظل مجرد نمر من ورق، ويخمن عزيز إبييك من جامعة هامبورغ بأن التغيير سيتم تطبيقه دون تقييد حرية التعبير بشكل غير متناسب.
في الوقت نفسه، لا يستبعد إيبيك أن يكون لتطبيق الفقرة الجديدة تداعيات "سياسية حساسة". ويشير إلى أن "التعديل - في حالة إقراره - يمكن أن يضع الحكومة الألمانية في "مواقف حرجة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية؟ سيحدث ذلك على سبيل المثال - إذا كان إنكار جريمة صينية بموجب القانون الدولي أمر يُعاقب عليه، وهو ما يجعل المحاكم الألمانية أيضاً تصدر أحكاماً بشكل غير مباشر تتعلق بالظروف على الأرض في الصين. هنا قد تجد الحكومة الألمانية نفسها بعد ذلك في موقف تضطر فيه إلى اخاذ موقف أكثر وضوحًا مما فعلت حتى الآن.
وإذا ما وافق المجلس الاتحادي على التعديل، فستتمكن المحاكم الألمانية من التأثير في كيفية معالجة وتقييم جرائم الحرب والإبادة الجماعية الحالية. وبالنسبة إلى جوزفين بالون من المهم أن يحدث هذا "بشكل فيه نوع من التناسب". وتفترض الخبيرة أن ذلك سيحدث لأن "التحريض على الكراهية" جريمة معقدة للغاية. فالعديد من المصطلحات فيها تترك مجالًا كبيرًا للتفسير، وهذا هو السبب في أن المدعين العامين والمحاكم تتوخى الحذر للغاية في هذا الأمر ولا تسمح بالتهم والمحاكمات سوى في قضايا مثبتة وهي قليلة. أما إذا كان هذا النوع من المحاكمات سيزداد الآن، وما إذا كانت منظمات المجتمع المدني والأفراد سيستفيدون أيضاً من الفقرة الخامسة الجديدة في القانون، فأمر سيتضح خلال الأشهر والسنوات القادمة.
ليزا هينيل/ ع.ح