ألبرشت دورر: رسام جمع بين الواقعية الألمانية والمثالية الإيطالية
٨ ديسمبر ٢٠٠٨ولد الفنان البرشت دورر في 21 أيار/ ماريو عام 1471 لعائلة من أصول مجرية. وفي عام 1455، انتقل مع والده الذي كان يعمل صائغا إلى مدينة نورينبرغ الألمانية بحثاً عن عمل أفضل. كانت عائلة دورر على صلة كبيرة بالعلم والثقافة، فقد كانت والدته مغنية أوبرا كنسية نشيطة. ورغم أن دورر اشتهر كرسام، إلا أن المؤرخين يتحدثون كذلك عن اهتمامات أخرى خارج نطاق الفن. فقد اهتم بعلوم الرياضيات ونشر كتبا في هذا المجال مثل: "مشاكل الهندسة الخطية" و"أشكل ثنائية الأبعاد" و"الهندسة المعمارية والديكور".
مسيرة طويلة من التعلم والتتلمذ
وفي وقت مبكر من شبابه اصطحبه والده إلى مشغله كي يتعلم أسرار مهنة سباكة الذهب. وما أن بلغ السابعة عشر من عمره حتى أبدى اهتماماً كبيراً بالرسم، وخلال تلك الفترة قام الفتى ألبرشت برسم أول صورة له على ورقة من الرق، كانت عبارة عن صورة شخصية لنفسه، تمكن من رسمها من خلال المرآة. وتعرض تلك الصورة التي رسمها عام 1484 في أحد متاحف العاصمة النمساوية فينا اليوم.
ووجدت مواهب هذا الشباب المبكرة اهتماما كبيرا من قبل عائلته، حيث رغب والده بأن يصبح ابنه رساماً على شأن كبير من الأهمية، فدفعه للتعلم على يد الرسام الألماني ميشائيل فولغموت. إذ نهل الكثير من المعرفة من أستاذه هذا وعمل معه بين عامي 1486 و1490. وتذكر كتب تاريخ الفن أن ألبرشت دورر ساهم بشكل كبير في رسم بعض اللوحات لأهم أعمال أستاذه فولغموت وهو "تاريخ العالم"، الذي صدر عام 1493.
تجوال لا يهدأ
بعد سنوات تتلمذه تلك انتقل دورر إلى مدن أخرى بهدف جمع المزيد من الخبرات والتعرف إلى أعلام فن الرسم في عصره. فبعيد عيد الفصح عام 1490 انطلق في جولة أوصلته إلى اوبرهاين. ولم تذكر كتب التاريخ الطريق الذي سلكه دورر في تلك الرحلة، التي تعد أولى أطول ثلاث رحلات في حياته. ولكن يرى بعض المتابعين لمسيرة دورر بأنه قد يكون طريقه قد مر بهولندا ومنطقة الراين الوسطى، قبل أن يصل إلى منطقة الألزاس، حيث أراد التتلمذ على يدي الرسام مارتين شونغاور، الذي تأثر به دورر كثيراً. غير أن الموت قد غيب أنفاس شونغاور في الثاني من شباط/ فبراير عام 1491.
وبعد فترة قصيرة من إقامته هناك اتجه دورر إلى مدينة بازل، حيث اكتسب شهرة عالمية من خلال تقديم الكثير من الأعمال. كان من أهمها الرسوم المصاحبة لرواية الكاتب الألماني سيباستيان برانت "سفينة المجانيين"، التي صدرت عام 1494. وبعد عودته إلى مدينة نورينبرغ في العام نفسه وزواجه من انغيس فراي، حزم دورر حقائبه في جولة جديدة بعد أربعة أشهر على زواجه فقط. وفي عام 1495 قفل دورر عائداً إلى مدينته، حيث قدم سلسلة من الأعمال الفنية التي جسدت طبيعة مدينته.
لوحة "الآلام المريمية السبعة"
في الفترة الأولى من حياته الفنية قدم دورر أعمالا مهمة ما زالت تعرض حتى اليوم في المتاحف الأوروبية. ومن هذه الأعمال صورة لأبيه رسمها في لندن عام 1497 وأخرى شخصية له رسمها في باردو في مدينة مدريد عام 1498. ومن أهم أعمال تلك الفترة صورة المسيح الصغير على الصليب في صالون "دريسدن"، التي تتسم بدرجة عالية من الدقة. وفي نفس الفترة قدم صورة "الآلام المريمية السبعة".
التأثر بمدارس الفن الإيطالية
في عام 1505 قام دورر برحلته الثانية إلى البندقية التي كانت مركزا لأبرز ممثلي المدرسة الفينسية أثناء حركة النهضة كتيسيان وجبورجينو وبالما ايل فيتشيو، ولكن جينتليه بيليني كان أكثر من تأثر بهم دورر في تلك الفترة. وقد أثرت هذه الرحلات تجربته الفنية وقدرته على تقدير دقة الرسومات واستلاهم جماليات الطبيعة بطريقة فنية رائعة. وخلال فترة إقامته هذه طلب بعض التجار الألمان من دورر رسم لوحة كبيرة لتزيين كنيسة بارتهولومويس. وبناء على هذا الطلب رسم لوحة "عيد التتويج"، التي اشتراها فيما بعد الإمبراطور رودولف الثاني وحملها أربعة رجال إلى مدينة براغ.
الجدير بالذكر أن اللوحة ما زالت تعرض اليوم في المتحف الوطني لمدينة براغ، وتمثل اللوحة تتويج السيدة العذراء من قبل اثنين من الملائكة. كما تظهر هذه اللوحة السيدة العذراء وهي تضع على رأس القيصر إكليلا من الورد، والمسيح وهو يتوج البابا بإكليل آخر. وعلى الرغم من أن دورر حظي بالكثير من الاعتراف والتقدير كأحد أكبر رسامي عصره في البندقية، إلا انه قفل عائداً إلى ألمانيا أواخر خريف 1506. يذكر أن الفنان دورر قد توفي في السادس من نيسان/ أبريل عام 1528، ودفن في مقبرة يوهانس في المدينة التي ولد فيها. وكتب صديقه فيليباد بيركهايمر على قبره: "هذا المرتفع يخفي الجزء الميت من دورر".