أكراد كوباني يروون معاناتهم في الحرب ضد "داعش"
١٠ أكتوبر ٢٠١٤على وقع أصوات المعارك الدائرة في كوباني، وعلى بعد عدة كيلومترات، جلس عدد من أبناء المدينة المحاصرة ومضيفيهم من قرية بيتعي التركية على دكة عالية، يغنون أغاني قومية وفلكلورية. ومع اشتداد دوي الانفجارات على الجانب الغربي من كوباني والتي يمكن رؤية سحب دخان سوداء فوقها، كانت أصوات المغنين والمصفقين تتعالى، هاتفة باستمرار المقاومة الكردية ضد تنظيم "داعش".
وبعد ثلاثة أسابيع من معارك شرسة خاضها مقاتلو "وحدات حماية الشعب" الكردية والتي يرمز لها YPG ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، تمكن الأخير من دخول كوباني يوم الاثنين الماضي. وهاهو اليوم يسيطر على جزء من شرق المدينة، بعد أن تمركز في بعض الأطراف الجنوبية والجنوبية الغربية منها ورفع رايته لأول مرة على أحدى المباني.
"إنهم ليسوا بشرا"
دفعت المعارك، التي شهدتها كوباني خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة والتي وصفت بالأعنف منذ بدئها الصيف الماضي، أكثر من 200 ألف لاجئ إلى النزوح إلى الحدود. وقد لجأ الكثيرون منهم إلى أقربائهم في الجانب التركي، ذلك أن العديد من القرى المحاذية للحدود من الجانبين السوري والتركي تربطها علاقات قرابة في ما بينها.
ومن بين هؤلاء النازحين حسو، الذي هرب من مدينته رفقة عائلته، مصطحبا معه بقرته وماشيته. ركن سيارته بالقرب من الأسلاك الشائكة الفاصلة بين الحدود السورية التركية، كما فعل كل الذين يمتلكون سيارات أو ماشية من بقر وغنم، وظلوا هناك لحراستها. وكانوا قبل يومين تعرضوا لهجوم من قبل جهاديي "الدولة الإسلامية" أمام أعين الدرك التركي الذي لم يحرك ساكناً. وكان حسو وقتها متواجدا في المنطقة الحدودية من الجانب السوري.
ويروي حسو الحادثة قائلا لـDW عربية: "لقد تحدثوا معنا في البداية وقالوا لنا إنهم يريدون أخذ سياراتنا لأنهم يحتاجونها في القتال". ويضيف: "قلت لهم: ولماذا تريدون أخذ سياراتنا؟ هل الشرع يسمح لكم بذلك؟ فردوا عليّ: لقتال الكفار". ويوضح قائلا: "الكفار هو أبنائي وأبناء عمومتي، فأي دين يسمح بالسطو على أملاك الناس بحجة قتال الكفار؟".
ويصف حسو مظهرهم قائلاً: "كان شعرهم طويل ومخيف ولحاهم طويلة. يلبسون أزياء عسكرية غير نظيفة أو ملابس أفغانية. ويربطون على رؤوسهم أوشحة سوداء رسم عليه علمهم الخاص". ويضيف قائلا: "هؤلاء لا يشبهون البشر في شيء".
من جهته، أكد حجي مامو أن الكثيرين من أقربائه من كبار في السن والعجز بقوا في قراهم بعد اجتياح مقاتلي "الدولة الإسلامية" لها، لافتا إلى أنهم اختبؤوا تحت الأرض إلى حين انتهاء المعارك الطاحنة. ويضيف حج مامو قائلا: "نتصل معهم يومياً للاطمئنان عليهم. وينقلون لنا ما يحدث هناك. لقد أخبرونا بأن أغلب البيوت تعرضت للسرقة والنهب، وأخرى أُحرقت." وينحدر حجي مامو من قرية تاشلوك. ويضيف قائلا: "لقد اختطفوا خمسة رجال وامرأتين من قريتنا"، معربا في الوقت نفسه عن قلقه الشديد حول ما يمكن أن يلحق بهم. ويقول: "لقد سمعنا بأنهم ينحرون الرجال، فيما يحتفظون بالأطفال ويرغمون النساء على التزوج بهم"، موضحاً "لا نعلم إن كانوا أحياء أو أموات، فليكن الله معهم!"
طبيب يروي قصة "الشاب الشجاع"
الدكتور محمد عارف عاد للتو من مدينة كوباني المحاصرة، التي شهد فيها حادثة كسرت لديها حاجز من من فزاعة تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي نشر مقاطع مصورة عديدة على الانترنت، يظهر فيها كيف يقطع رؤوس من يقع لديه في الأسر. ويروي الطبيب محمد عارف لDW عربية قصة كان لها وقع كبير عليه، قائلا: "عشية ليلة العيد وصل إلى المشفى الميداني الذي أعمل فيه مقاتل من وحدات حماية الشعب وكانت يده اليسرى تنزف بعد أن تعرض شريانه الرئيسي لجرح. وكان يتعين إجراء عملية جراحية سريعة على يده أو بترها."
ويضيف الطبيب المتخصص في الأشعة التشخيصية قائلا: "وقتها كنا نحاول تخديره، ولكنه كان يرفض ويقول لنا اقطعوا يدي لكي أعود بسرعة إلى القتال". ويوضح أن الطاقم الطبي وقف للوهلة الأولى عاجزاً أمام حالته، ولكنه سرعان ما قرر إجراء العملية بدون تخدير. "بقينا حتى ساعة متأخرة من الليل، والعملية نجحت ولكن كان يجب متابعة الجريح." المفاجئة كانت في اليوم التالي عندما ذهب الطبيب للاطمئنان على صحة المريض. ويتابع الدكتور محمد عارف كلامه: "عندما وصلت إلى غرفته لم أجده، وقالت لي الممرضة المرافقة له بأنه عندما أفاق من النوم لبس زيه ورفض البقاء في المشفى، مصراً على الذهاب إلى القتال". بعدها لم يعد الشاب إلى المشفى لإكمال العلاج أو فك ضماد جرحه، عل ما يروي محمد عارف. وبعد تلك الحادثة بعدة أيام عاد الشاب ذاته مرة ثانية إلى المشفى، ولكن ليس لإكمال العلاج. وبحسب الطبيب "كان مصاباً في قدمه وعندما وصل إلى باب المشفى قال لي ضاحكاً: جرحي أجبرني على العودة إليكم".
الأكراد يستميتون في الدفاع عن كوباني
الغارات التي تشنها طائرات التحالف الدولي على مواقع تنظيم "الدولة الإسلامية" لم تثنه على التقدم، لكن المعارك بين المقاتلين الأكراد وعناصر هذا التنظيم الإرهابي مستمرة داخل أحياء كوباني، التي تشهد حرب شوارع بعد تقدم "الدولة الإسلامية" في الجانب الشرقي والجنوبي من المدينة.
شرفان مقاتل كردي من وحدات "حماية الشعب" الكردية ترك ساحة المعركة بعد إصابة ساقه اليسرى قبل أن ينتقل إلى مدينة سروج التركية للعلاج. ويقول مع حديث مع DW عربية "أجبرنا تنظيم داعش على خوض حرب شوارع داخل كوباني." ويضيف قائلا: "حققنا تقدماً في مواجهة مسلحي داعش في هذه الحرب داخل كوباني، حيث استعصى عليهم إدخال آلياتهم العسكرية وأسلحتهم الثقيلة إليها".
وعن استماتة الأكراد في الدفاع عن بلدتهم، يروي شرفان قائلا: "ليلة هجوم داعش على المدينة كنا أربعة مقاتلين نحمي أحد النقاط العسكرية في الجهة الغربية من كوباني، عندما تقدمت دبابة باتجاهنا قام أحد رفاقي بتلغيم نفسه واتجه إليها وفجر نفسه، إلا ان الدبابة واصلت تقدمها. فذهب صديقي الآخر وفجر نفسه هو أيضاً، ولكنها واصلت تقدمها. وقبل أن تصل إلى نقطتنا، فجر صديقي الثالث نفسه وانفجرت معه الدبابة." وإذا به يتوقف فجأة عن الكلام، وعيناه قد انغمرتا بالدموع قبل أن يقول "لأجل هؤلاء سأرجع وأدافع عن كوباني". أما مهاباد، والتي كانت تجلس في مشفى سروج إلى جانب شقيقها المصاب، فقد شددت على أن تنظيم "الدولة الإسلامية" لا علاقة له بالإسلام. وتقول لـ DW عربية "يخشون مواجهة المقاتلات الكرديات بدعوى أنهم في حال قتلوا على أيدينا وبرصاصنا، فلن يدخلوا الجنة."
كمال شيخو