أقمار ألمانية للكشف عن خبايا المجال المغناطيسي للأرض
٢٨ نوفمبر ٢٠١٣المجال المغناطيسي للأرض لا يمكن رؤيته أو سماعه أو الشعور به، غير أنه في غاية الأهمية: "فلولا المجال المغناطيسي للأرض لما كان لنا وجود، ولتعرضنا بشكل كامل إلى الإشعاع الكوني"، كما ما يوضح ألبرت تساغلاور مدير أحد المشاريع لدى شركة استريوم في مدينة فريدريشهافن الألمانية. المجال المغناطيسي هو درع حماية غير مرئي يصد الجسيمات المشحونة بالطاقة، القادمة إلينا من أعماق الكون والشمس. ولو لم يكن المجال المغناطيسي لكانت الأرض قد فقدت منذ فترة طويلة غلافها الجوي ولأصبحت الحياة على سطحها مستحيلة. ومن ثم تريد الآن وكالة الفضاء الأوروبية (آي إس أيه) بحث المجال المغناطيسي للأرض بدقة من خلال برنامج "سوارب ميشن" أي بعثة أو مهمة السرب، حيث انطلقت ظهر الجمعة 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، أقمار اصطناعية للفضاء من محطة الفضاء الروسية بليستسك التي تبعد عن شمال موسكو بـ 600 كيلومتر
وستقوم الأقمار الاصطناعية الثلاثة في وقت واحد بمراقبة المجال المغناطيسي في مدارات مختلفة. وتزودنا "القياسات المغناطيسية في الفضاء بمعلومات حول ما يجري في النواة المنصهرة للأرض والوشاح والقشرة"، كما يقول نيلس أولسن، الذي يشارك في كوبنهاغن في التخطيط لمهمة السرب بمركز الفضاء الدنماركي. ورغم أن الأقمار الثلاثة ستسير في مدارات تبعد عن الأرض بحوالي 460 وحتى 530 كيلومتر إلا أنها ستراقب الأرض عن كثب، بكل معنى الكلمة.
كشف خبايا الأرض من الفضاء
ينشأ المجال المغناطيسي للأرض من خلال حركة المواد السائلة في باطن الأرض. وتظهر القياسات انخفاض قوة المجال المغناطيسي بشكل مطرد على مدى السنوات الـ 150 الماضية. بالإضافة إلى ذلك، يعرف الباحثون أن الأقطاب المغناطيسية للأرض غير قارة وأن المجال المغناطيسي للأرض يتحول تماما كل 500 ألف سنة بالمتوسط. وقد تكون الأرض اقتربت الآن من تغيير مجالها المغناطيسي مرة أخرى. الآن تقوم الأقمار الاصطناعية بدراسة حالة الحقل المغناطيسي للأرض وتطوره، بشكل غير مسبوق. وستقوم أيضا الأقمار شديدة الحساسة باستكشاف الاختلافات الإقليمية في الخواص المغناطيسية لقشرة الأرض. كما ستقوم أيضا بقياسات لمعرفة كيفية حدوث التيارات الكبيرة في المحيطات وما يحدث من تغيرات بسيطة في المجال المغناطيسي.
التأثير على الظواهر المحيرة في باطن الأرض يأتي من الخارج: بلا انقطاع ترسل الشمس نحو الأرض تيارا من الجسيمات المشحونة، التي تكون أحيانا ضعيفة وأحيانا قوية. وأحيانا تخلط عواصف الجسيمات الشمسية المجال المغناطيسي للأرض تماما. لكن الجسيمات الشمسية الخطيرة لا تصل إلا إلى منطقة قريبة من القطبين في طبقات عميقة للغلاف الجوي، مسببة شفقا قطبيا من الألوان الخلابة.
غيتار من نوع خاص
ولمتابعة التغيرات السريعة جدا في المجال المغناطيسي عند هبوب العواصف الشمسية، لا بد من إجراء قياسات من أماكن مختلفة. لذلك فإن استخدام ثلاثة أقمار اصطناعية ليس إسرافا، حيث لا يمكن كل البيانات في وقت واحد. ويعبر أولسن عن سعادته حيث يقول " إلى حد ما إنه لأمر مدهش حقا ما سنعرفه عن الأرض والشمس من خلال هذه الأقمار الصغيرة."
الأقمار الثلاثة صنعت في ألمانيا بنفس الشكل، ويبلغ طول كل واحد منها تسعة أمتار ويبلغ وزنه نصف طن، و يشبه الغيتار في شكله. وتوجد أجهزة القياس الحساسة في نهاية جناحه التي تبلغ أربعة أمتار، حيث لا يتم فتحه إلا في الفضاء. وقد كلفت صناعة تلك الأجهزة ذات التقنية العالية 90 مليون يورو واعتبرت مهمة كبيرة بالنسبة للمهندسين والتقنيين.
ولن تستمر الأقمار الأصطناعية الثلاثة في مداراتها بشكل دائم. فالاحتكاك بالقشرة الهوائية الرقيقة جدا سيجعلها تنخفض تدريجيا. وهذا قائم، لأن علماء الفيزياء يريدون عند نهاية مهمة السرب بعد حوالي أربع سنوات إجراء قياساتهم على ارتفاع لا يزيد عن 300 كيلومتر. فعلى هذا المستوى من الارتفاع تكون الإشارة المرجوة من المجال المغناطيسي أكثر وضوحا مقارنة بالارتفاع في المسار الأولي للأقمار. وبعد فترة وجيزة من نهاية تشغيل الأقمار ستدخل الأقمار الغلاف الجوي وستحترق تماما.
على المدى الطويل، يرغب الباحثون في استخدام البيانات التي تنقلها هذه الأقمار وأقمار كثيرة أخرى في الفضاء لإعداد تقارير دقيقة جدا عن أحوال الطقس على الأرض. ورغم أن العواصف الشمسية لا تسبب مخاطر على الوجود الإنساني على الأرض فقد يمكن للإشعاع أن يدمر الأقمار الاصطناعية ويضعف إشارات أجهزة تحدي المواقع (GPS) كما قد يسبب ماسا كهربائيا في التيارات الكهربائية.