معاناة العائدين إلى الحرب بعد ترحيلهم من ألمانيا
٩ يونيو ٢٠١٧على وجهه يبدو التوتر.. يقول بطريقة مستعجلة "أنا خائف.. لا أشعر بالأمان هنا.. ليس لديكم أدنى فكرة.. لا أستطيع العيش هنا". من الصعب إجراء محادثة مع "رحمات"، ليس اسمه الحقيقي. عندما عاد لأول مرة إلى أفغانستان أجرى الكثير من المقابلات، لكنه الآن لا يريد أن يظهر في وسائل الإعلام. كان يأمل يساعد عرض قصته في الإعلام على العودة إلى ألمانيا، لكنه لا يزال في كابول. يزداد خوفه على حياته، ولذلك وافق الشاب البالغ من العمر 23 عاماً، على إجراء مقابلة مع دويتشه فيليه، كمحاولة يائسة للتشبث بكل ما يبقي له صلة مع ألمانيا.
رحلة العودة..
"رحمات" كان على متن أول طائرة نقلت 34 أفغانياً رفض طلب لجوئهم من فرانكفورت إلى كابول، في 14 كانون الأول/ ديسمبر 2016.
ومنذ ذلك الحين، استأجرت الحكومة الألمانية طائرة واحدة شهرياً لترحيل الشبان إلى أفغانستان، حيث تم نقل حوالي 107 شخص حتى نيسان/ إبريل 2017، إذ تكلف الرحلة الواحدة أكثر من 000 300 يورو (000 335 دولار). وتغطي هذه التكاليف الوكالة الأوروبية لحرس الحدود وخفر السواحل "فرونتكس". وبما أن أفغانستان قد وقعت اتفاقيات لإعادة مواطنيها مع الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الأوروبية كألمانيا، لذلك فهي ملزمة باستعادة المواطنين الذين رفضت طلبات لجوئهم، وفي المقابل، تعهد الشركاء الأوروبيون بتقديم الدعم المالي، حيث تمول المساعدات الخارجية ما يقرب من ثلثي ميزانية أفغانستان.
يدخن "رحمات" بعصبية سيجارة تلو الأخرى، ويبدو منفعلاً، بينما حباتٌ من العرق تغطي جبينه، يلف وشاحاً من القماش الملون لتغطية رقبته ووجهه عندما تصبح الأسئلة صعبة بالنسبة له. يتحدث عن والده الذي قال إنه كان قائداً عسكرياً مهماً قبل أن يغتال على يد طالبان قبل ثمانية أعوام. ويتابع "إذا وجدوني سيقتلونني أيضا"، لكن ذلك لم يكن سبباً كافياً للوكالة الاتحادية الألمانية للهجرة واللاجئين لمنحه حق اللجوء هو وعائلته.
ولد "رحمات" في وادي "بانجشير" ونشأ في مقاطعة "غزني" المحاصرة. من هناك هرب إلى إيران في ربيع عام 2011، ثم إلى تركيا واليونان وإيطاليا وفرنسا وأخيرا إلى ألمانيا. كلفته الرحلة أكثر من 10 آلاف دولار أي حوالي 9500 يورو، حيث حصل على المال من عائلته، التي غابت نهائياً من حياته اليوم، فلم يتحدث معهم منذ مغادرته أفغانستان، اختفت والدته وشقيقته، لذا يصر على أنه "لا يريد العودة إلى غزني"، فقبل أيام هاجمت طالبان عاصمة المقاطعة وبات تحت الخطر.
سكن رحمات في بلدة "آلين"، وهي بلدة صغيرة قرب مدينة "شتوتغارت" في مقاطعة "بادن فورتمبرغ" لمدة ست سنوات، حتى تم ترحيله. وقد تم ترحيله بشكل مفاجئ ويقول "هذا غير عادل، لقد أمضيت الكثير من الوقت في ألمانيا، أكثر من ست سنوات، لم أفعل أي شيء خاطئ، ذهبت إلى المدرسة، تعلمت اللغة الألمانية وكنت حسن السلوك".
الهاتف الذكي: "شريان الحياة"
يعيش "رحمات" مع عائلة صديق أفغاني في كابول، لكنه غير مرتاح كثيراً فهو لا يحب العيش مع غرباء، لذلك يعود إلى المنزل للنوم فقط، فلا يريد أن يكون عبئاً عليهم، كما أنه يحاول أن يمضي أياماً خارج المنزل.
يمضي يومه يتجول في كابول للبحث عن عمل، لكن كابول تضم آلاف الباحثين عن عمل مثله، فلقد حولتها الحرب ملاذاً للنازحين من باقي المناطق الأفغانية، إذ نزح إليها حوالي 600 ألف العام الماضي وحده، عدا عن 90 ألف منذ بداية 2017، وفي الوقت نفسه، قامت باكستان وإيران أيضا بترحيل أعداد هائلة من طالبي اللجوء الأفغان، ما يقرب من 700 ألف في العام الماضي. وأغلبهم يتوجهون إلى كابول ما جعل المدينة ممتلئة من تدفق الناس إليها.
"رحمات" متعلق بهاتفه المحمول بشكل كبير، إذ يقضي ساعات من الدردشة عبره، كما يستخدم كثيراً برامج التواصل الاجتماعي كالواتس أب والفيسبوك والفايبر، فبنظره هذه التطبيقات هي "جسوره مع ألمانيا"، أحد الألمان من المؤيدين لسياسة استقبال اللاجئين يرسل له مبلغاً شهرياً قدره 150 يورو، قادرة على إبقائه على قيد الحياة. ويمكنه أيضا تقديم طلب للحصول على منحة لإعادة الإدماج لمرة واحدة تصل إلى 700 يورو من بعثة المنظمة الدولية للهجرة في ألمانيا. وذلك يحتاج إلى تقديم فكرة تجارية عملية أو شهادة تدريب مهني، لكن رحمات لا يملك حتى جواز سفر أفغاني سليم.
الخوف من العار والفضيحة
فاريشتا قديز من المنظمة الدولية للطب النفسي (إيبسو) تعتقد أن حالة رحمة نموذجية تماما، "فإذا اضطر الشاب إلى العودة إلى دياره بعد أن أقام علاقة قوية مع مجتمع آخر، فإنه غالبا ما يكون من الصعب جدا عليه إعادة الاندماج في مجتمع محافظ تقليدي ذو حدود مقيدة". وتهتم منظمة (إيبسو) بالأشخاص المتضررين نفسيا في أفغانستان التي مزقتها الحرب، وتقدم لهم المشورة والعلاج. ويحصل المكتب على دعم من وزارة الخارجية الألمانية، وقد اعتبر منذ فترة طويلة كنقطة اتصال مع الأشخاص الذين رفضت طلبات لجوئهم.
يتواجد موظفو (إيبسو) دائما في مطار كابول عندما تصل الطائرات التي تقل المرحلين من ألمانيا. وتقول فاريشتا قديز إن حوالي نصف الذين تم ترحيلهم حتى الآن استفادوا من خدمات (إيبسو). لكنها تقول إن العديد لا يشعر بجدوى من طلب المساعدة: "فالعيب والعار مفاهيم مسيطرة بالمجتمع الأفغاني، ونحن نبذل كل ما في وسعنا للحفاظ على كرامة الناس، والفشل هو أمر مشين بشكل خاص في المجتمع الأفغاني، ويرى المرحلون في أنفسهم أنهم حققوا إخفاقات مشينة".
مضيعة للمال؟
عبد الغفور الذي يدير منظمة في أفغانستان لتقديم المشورة والدعم للمهاجرين (أماسو)، يعتبر أن عمليات الترحيل هي "إهدار تام للمال". وتقدم (أماسو) المساعدة القانونية للاجئين والمهاجرين في كابول. ويقول عبد الغفور إن "أكثر من نصف المرحلين من أوروبا غادروا أفغانستان مرة أخرى خلال ثلاثة أشهر على وصولهم". ويقول غفور إنه يفهم سبب فرار هؤلاء "فما الذي تفعله السلطات هنا لمساعدة الشباب الأفغان على البقاء بدلا من الفرار؟ وما الذي تفعله حكومتنا لتوفير المزيد من الأمان؟ إن طالبان أقوى الآن من أي وقت مضى منذ عام 2001. و"الدولة الإسلامية" لم تكن هنا من قبل أما الآن فبدأت تظهر في أفغانستان، لماذا يجب أن يبقى الشباب هنا؟".
لكن كل هذا لم يؤثر على سياسة الترحيل الألمانية، وفي الفترة بين كانون الثاني/ يناير ونيسان/ أبريل من هذا العام وحده، رفضت الوكالة الاتحادية للهجرة واللاجئين نحو 000 32 طلب لجوء من الأفغان، وهي نسبة تفوق بكثير ما كانت عليه في عام 2016.
ساندرا بيترسمان (ر.ج)