أعمال العراقية زها حديد في صور: انسيابية تتحدى التنميط
٢٧ أكتوبر ٢٠١١مبنى غريب التصميم يلفت بانسيابيته نظر السائر أمام ساحة معهد العالم العربي في باريس. وعند اقتراب السائر منه يكتشف أنه معرض يضم نماذج من أعمال المعمارية البريطانية الجنسية، العراقية الأصل، زها حديد التي طبقت شهرتها الآفاق والتي تتوزع مبانيها وتصميماتها على كافة قارات العالم.
هذا المعرض، أو "جناح الفن المتنقل" (موبيل آرت)، صممته زها حديد أيضاً في عام 2007 بطلب من مصمم الأزياء كارل لاغرفيلد من شركة "شانيل" للأزياء. عُرضت في الجناح أعمال عدد من الفنانين المعاصرين، تنقلت بين هونغ كونغ وطوكيو ونيويورك، قبل أن يستقر الجناح أمام معهد العالم العربي في باريس بعد أن قامت دار الأزياء بإهدائه إلى المعهد ليكون ساحة فنية جديدة في قلب باريس. ويشبه الجناح من الداخل شبكة عنكبوت ضخمة ذات سقف شفاف (الصورة).
ويقدم المعرض الذي ينتهي بنهاية شهر أكتوبر / تشرين الأول عرضاً لنحو ثلاثين عملاً معمارياً قامت بتصميمها المهندسة العراقية الأصل عبر العقود الماضية في مختلف دول العالم. وبهذا المعرض يكرّم معهد العالم العربي في باريس ابنة بغداد التي حصلت – كأول امرأة في العالم - على أهم جائزة في العمارة، وهي جائزة "بريتزكر" عام 2004 التي تعادل في قيمتها وأهميتها جائزة نوبل.
ومن النماذج المعروضة في "موبيل آرت" مجسمات للمشاريع الدولية التي أنجزتها زها حديد مثل برج برشلونة الدائري والحي التجاري في بكين ومبنى المرفأ في مرسيليا وبرج مونبيليه المتوسطي وكذلك المركز المائي للألعاب الأوليمبية في لندن الذي يتم بناؤه حالياً استعداداً لافتتاحه عام 2012. كما يرى الزائر نماذج لتصميمات زها حديد في العالم العربي، مثل مركز الفنون في أبو ظبي وبرج النيل في القاهرة وأبراج دبي وبرج سافيرا في الرباط ومباني البنك المركزي في بغداد.
وتنتمي زها حديد، المولودة في 31/10/1950، لعائلة موصلية عريقة، وهي ابنة وزير المالية العراقي الأسبق محمد حديد (1907 – 1999) الذي تولى مهام الوزارة في العراق في الفترة من 1958 حتى 1963. درست زها حديد في بغداد حتى المرحلة الثانوية، ثم انتقلت إلى الجامعة الأمريكية في بيروت حيث حصلت على شهادة في الرياضيات عام 1971. بعد ذلك انتقلت إلى لندن حيث درست من 1972 حتى 1977 في مدرسة العمارة الشهيرة هناك Architectural Association School.
يمكن اعتبار سنوات دارستها في لندن الفترة التي شكلت وعيها المعماري، إذ كانت المدرسة اللندنية مركزاً لحركة معمارية مناهضة لحركة الحداثة في العمارة. وكان من أهم أساتذتها في لندن رِم كولهاس وبرنار تشومي، كما تأثرت المعمارية تأثراً كبيراً – حسبما أعلنت في حديث صحفي مع "الشرق الأوسط" – بأعمال أوسكار نيماير، وخاصة إحساسه بالمساحة والفضاء. وتقول حديد إن أعمال نيماير ألهمتها وشجعتها على أن تبدع أسلوبها المميز مقتديةً ببحثه عن الإنسيابية في كل الأشكال.
بعد تخرجها عملت حديد مع أستاذها كولهاس في مكتبه المعماري في لندن، كما قامت بتدريس العمارة في المدرسة اللندنية نفسها. استقرت حديد في العاصمة البريطانية وافتتحت هناك في عام 1980 مكتبها المعماري الذي ستجوب شهرته الآفاق في السنوات التالية. ويشاركها المكتب منذ عام 1988 أستاذ العمارة الألماني بارتيك شوماخر.
ولم تلفت زها حديد الأنظار إلا في عام 1983 عندما قامت بتصميم منتجع في هونغ كونغ. وعندما أقام متحف الفن الحديث في نيويورك معرضاً عن العمارة التفكيكية في عام 1988 عُرض تصميم حديد كمثال الاتجاه التفكيكي في العمارة. غير أن المعمارية العراقية الأصل لم تكن مقيدة بمذهب معماري معين، بل كانت تبحث عن لغة جديدة للأشكال الحداثية.
زها حديد واحدة من أولئك المبدعين الذين ينالون الجوائز ويبهرون المتخصصين، لكن أعمالهم تبقى سنوات طويلة بعيداً عن الجمهور العريض. هكذا قوبلت تصميمات حديد بالإعجاب والرفض في آن واحد، واعتُبرت مشروعاتها لفترة طويلة أجرأ من اللازم.
ولم تستطع زها حديد أن تنفذ مشروعاتها الجريئة إلا في عام 1993 عندما قُبل تصميمها لمحطة الإطفاء لمصنع فيترا في مدينة فايل الألمانية الواقعة على نهر الراين (الصورة). ويعود الفضل في ذلك إلى حد كبيرة لجرأة صاحب المصنع رولف فيلباوم الذي كان عاشقاً للعمارة والذي كان قد استقدم من قبل معمارين مشهورين، مثل تاداو أندو وفرانك غيري، ليبنوا مباني مصنعه.
وتَعتبِر زها حديد متحف العلوم الطبيعية في مدينة فولفسبورغ الألمانية (داس فانو) الذي صممته أكثر المشروعات التي أنجزتها طموحاً. استغرق بناء هذا المتحف من 2001 حتى 2005، وتنظر إليه المعمارية العراقية على أنه المشروع الذي جمع بين الشكل الكلاسيكي المعقد هندسياً، والتصميم الجريء الإنسيابي.
تقوم زها حديد بالتدريس كأستاذة زائرة في عدد من أشهر المعاهد المعمارية في العالم، كما اشتهر مكتبها في السنوات الأخيرة بتصميماته للآثاث. وتُعتبر زها حديد الآن من أشهر المعماريين العالميين إلى جانب غيري وليبسكيند وكولهاس، وهي كُرمت بعدة جوائز دولية، منها جائزة الدولة النمساوية للعمارة (في عام 2002) وجائزة ميس فان در روه للعمارة الأوروبية (2003) وجائزة "بريتزكر" التي تعتبر "نوبل الهندسة" (2004)، كما حصلت على جائزة العمارة الألمانية في عام 2005 عن تصميمها لمصنع "بي إم دبليو" للسيارات في مدينة لايبزغ.
سمير جريس
مراجعة: منى صالح