أطفال سوريا المنسيون في مخيمات اللجوء بلبنان
٣٠ مارس ٢٠١٨بالكاد يمكن رؤية الأنوار التي تشق ضباب الصباح في الطريق من بيروت إلى سهل البقاع، حيث تظهر فجأة مخيمات اللاجئين السوريين. وتصطف تلك الخيم بالمئات على طول الطرق الرئيسية مغطاة بأقمشة النيلون التابعة لهيئة إغاثة اللاجئين. وتبعد الحرب في سوريا وأعمال القصف في الغوطة الشرقية بضعة الكيلومترات فقط.
ورغم أن البلد المجاور الذي تسوده الحرب قريب، إلا أن السوريين في لبنان يشعرون على الأقل بالأمان من العنف. وهم لا يرون مستقبلا لهم هناك، لاسيما لأطفالهم.
في مخيم اللاجئين الصغير في بر إلياس تعيش في المجموع تسع عائلات في أكواخ على أرض تصبح مبللة في الشتاء وتتحول إلى مستنقع، ولا يمكن تدفئتها إلا بصعوبة. وفي الصيف لا يمكن تحملها بسبب الحرارة. "الطقس يتحسن ببطيء"، تقول أمينة ملحم التي تضيف:" هنا في المخيم كان الجميع مريضا في الأسابيع الماضية". وتجلس هي واثنان من أطفالها الستة حول فرن صغير داخل الخيمة التي تجلس وتنام فيها العائلة. وفي الخارج يجري أطفال بأحذية بلاستيكية متهالكة في الوحل، ودرجات الحرارة لا تتعدى 12 درجة في هذا اليوم.
هروب من ضاحية حمص
النسبة الأكبر من السكان هي من الأطفال تتراوح أعمارهم بين سنتين و 17 عاما. ابن أمينة خالد الأحمد هو واحد منهم. " أتذكر جيدا بلدتي الصغيرة- القصير. كنت في الفصل الثالث عندما وجب علينا المغادرة بسرعة"، يحكي اليوم الطفل البالغ من العمر 15 عاما والذي يبدو متقدما في السن. القصير هي بلدة صغيرة بالقرب من حمص التي كانت معقل المتمردين. إلا أن قنابل نظام الأسد دمرت أجزاء كبيرة في المدينة والمنطقة. وفي 2012 هربت والدة خالد ووالدة مدين وإخوته وأبناء عمه إلى لبنان. عائلة الأحمد كانت تعيش في الماضي حياة رغدة في سوريا حيث كان لهم بيت ودخل شهري.
اليوم يقتسمون بمجموع أحد عشر شخصا خيمة واحدة لأن أطفال شقيق مدين أيتام ويعيشون عند عمهم. ويقول خالد:" كنت على الأقل أقدر على الكتابة والقراءة عندما وصلنا إلى هنا". وهو يتفوق في هذا على كثير من الأطفال وإخوته.
مدرسة داخل خيمة للأطفال
من أجل أن يتعلم الأطفال القراءة والكتابة وأن لا ينسوا ذلك، أنشأ مدين الأحمد بمبادرة شخصية في 2016 مدرسة داخل خيمة يتلقى فيها يوميا بين 60 و 70 طفلا من عدة مخيمات الدروس من معلمين سوريين متطوعين. والفصول الدراسية مقسمة حسب مستوى المعرفة، وليس السن. لكن لا توجد شهادات في آخر الفصل.
وبدعم مالي من منظمات صغيرة تشكلت في ثكنة مجاورة ثلاثة فصول وغرفة عمل. وفي البداية كانت تلك الحجرات جرداء، فالسجاد يعوض الكراسي، والأغطية البلاستيكية تعوض النوافذ. واليوم تبدو تلك الحجرات في حلة مختلفة، إذ أن الجدران بها رسوم ملونة وتوجد كراسي لجميع الأطفال تقريبا. إلا أن الحجرات تعاني من تسرب مياه الأمطار، وبالتالي وجب اليوم التخلي عن الدرس "حتى ولو أن الألوان على الجدران حسنت من أجواء التعليم"، كما يقول المعلم موفق ملحم الذي أضاف:" الوضع النفسي للأطفال تدهور. فالكثير من الأطفال ليس لديهم هوية ولا جوازات ولا تعليم". ويفيد بأن الآباء مجبرين على العمل طويلا، ويتركون الأطفال لوحدهم، ولا يمكن الحديث عن أجواء شخصية في المخيم. لكن يجب النضال من أجل تفادي خسران أجيال من الأطفال.
قلق من المستقبل
وحتى خالد ليس في وضع جيد، وهو يحاول إخفاء ذلك، لأنه لا يريد خلق مزيد من المتاعب لأبويه. إلا أنه يثور ويقول:" أريد مستقبلا مهنيا. أرغب في أن أصبح يوما مهندس تصميم". ويسحب خالد حاسوبا محمولا ويشاهد مقاطع على يوتوب لتعلم تعديل الصور. وسبق له أن أخذ بعض الصور بهاتفه الذكي، وسجل فيديوهات، إلا أنه لا يملك قناة يوتوب خاصة بسبب ضعف التيار الكهربائي والإنترنيت الضعيف. وفي مخيم مجاور يلعب أحيانا الكرة في حقل لا يتم استغلاله زراعيا. ويقول خالد:" ريال مدريد هو فريقي المفضل"، وتظهر الابتسامة لأول مرة على شفتيه.
إبعاد الأطفال عن العمل
وبخلاف الكثير من الآباء تمنع عائلة الأحمد أطفالها من العمل. فغالبا ما نلتقي أطفالا في الثامنة يعملون في حقول، ونسمع بأن آخرين يتم استغلالهم في بيع المخدرات. وليس جميع الآباء لهم معاملة مرنة مع موضوع التعليم. ويقول علاء الزيبق من منظمة "بسمة وزيتونة" بأن الكثير من "الآباء ينقصهم الوعي بأن التعليم هو مفتاح المستقبل". وبسمة تعني الابتسامة والزيتونة هي رمز الغذاء والسلام.
ويقول الزيبق إن "مفتاح السلام هو التعليم، إلا أن بعض الآباء الذين يدفعون 50 دولارا لوسائل النقل في الشهر كي يقدر أبناؤهم على زيارة المدرسة، يفكرون مليا في الأمر".
مستقبل سوريا
ويتساءل علاء الزيبق الذي فر قبل خمس سنوات من الغوطة الشرقية:" من سيبني سوريا إذا لم يحصل الشباب على التعليم". ويقول علاء البالغ من العمر اليوم 31 عاما:" كنت قد أنهيت دراستي في سوريا عندما تفجر كل شيء، لكن إذا رجع هؤلاء الأطفال يوما ما بدون تعليم، فإنهم يمثلون أرضية خصبة للمتطرفين".
ونظرة السياسيين اللبنانيين إلى موضوع اللاجئين تبقى أيضا مصحوبة بالقضايا الأمنية. فهم يخشون أن يتم تجنيد الشباب الذين لم يتلقوا تعليم في لبنان من قبل متطرفين. إلا أن دولة لبنان ليس قادرة لوحدها على فعل شيء ضد ذلك. فالاقتصاد في وضع متدهور، والماء والكهرباء معطلان. وتفيد إحصائيات الأمم المتحدة أن أكثر من 1.1 مليون شخص من البلد المجاور يبحثون عن الحماية في لبنان، إلا أن التقديرات تشير إلى وجود مليوني سوري في لبنان. ورغم البنا التحتية المجهدة كانت السلطات اللبنانية على الأقل في بداية الحرب السورية تعمل جاهدة لضمان التعليم للأطفال.
ويقول علاء الزيبق:" الضغط قوي للغاية على المجتمعين. وفي الأثناء يعيش هنا في بر إلياس 50.000 لبناني و 70.000 سوري. وهنا تظهر مشاكل، لكن الوضع يبقى أفضل من أي مكان آخر".
وتفيد منظمة هيومان رايتس ووتش أن 500.000 طفل في سن التمدرس موجودون في البلاد ونصفهم لا يذهب إلى المدرسة ولا يقدر على الكتابة والقراءة والحساب.
وبإمكان خالد الأحمد أن يزور منذ مدة قصيرة مدرسة لبنانية. وهو يتنقل على متن حافلة، لأن المدرسة تبعد بسبعة كيلومترات. وتُنظم فصول مدرسية خاصة بالسوريين بعد الظهيرة. وهو مسرور لحصوله في النهاية على شهادة، إلا أنه يعلم أنه من الصعب تمويل دراسة في هندسة التصميم، لأن العائلة لا تملك المال اللازم.
حياة في كرامة
وخالد هو فقط واحد من بين طفلين من المخيم اللذين يترددان على مدرسة حقيقية. وتقول والدته أمينة بأنها مستعدة لتحمل كل المتاعب، العيش بلا مأوى حقيقي والشعور بعدم الأمان، إلا أنها تقلق على مستقبل أبنائها. وتبدو ملامح اليأس على وجه هذه السيدة الخجولة. خالد وعائلته لا يرغبون في مغادرة لبنان من أجل الذهاب إلى أوروبا. فهم يريدون البقاء بالقرب من وطنهم سوريا. وحتى المعلم موفق ملحم ينظر إلى المسألة من هذه الزاوية ويقول:" نحن لن نتعود أبدا على العيش داخل خيمة، لكن هذا أفضل من التعرض للقصف بالقنابل. نحن لا نريد أن نكون عالة على أحد. فجميع الفرقاء يجب أن ينهوا الحرب". والحرب في سوريا تدخل الآن سنتها الثامنة.
ديانا هودالي