أصغر مخرج عراقي يسعى لدخول موسوعة غينيس
٢١ سبتمبر ٢٠١١شق طريقه من بين الحضور قاصداً منصة التكريم في إحدى القاعات الفينة في العاصمة العراقية بغداد وهو مثقلٌ بالهموم في كيفية الوصول إلى العالمية، مخاطباً لفيف من بعض المسؤولين العراقيين الذين حضروا حفل تكريم نخبة من الإعلاميين والممثلين بقوله: "أحملكم مسؤولية ضياع فرصة دخول العراق إلى موسوعة غينيس".
حسين حافظ العيبي، طفل عراقي اجتمعت فيه مواهب وفنون عدة كالتأليف والتمثيل والإخراج السينمائي، مختلفاً بذلك إلى حد كبير عن أقرانه الذين انشغلوا بأحدث ما جاءت به إصدارات الألعاب الالكترونية. هذا الطفل ابن الـ 12 ربيعاً يقضي معظم وقته منشغلاً بإنتاج أفلامه القصيرة لغرض دخول موسوعة غينيس للأرقام القياسية كأصغر كاتب ومخرج وممثل في العالم، لكي يمثل بلده في المهرجانات والمحافل الدولية.
أبداع مبكر بإمكانيات بسيطة
تعود بداية حسين في دخول عالم المسرح والتمثيل والسينما إلى ربيعه السابع، حينما اكتشف موهبة فن التمثيل على يد والده الممثل العراقي حافظ العيبي، واتجه بعد ذلك إلى كتابة النصوص والإخراج السينمائي بفعل حادثة أثرت في نفسه تمثلت بمقتل عمته وطفليها في انفجار سيارة مفخخة خلال موجة العنف الطائفي التي عصف بالعراق عام 2007، فأنتج بعدها 11 فلماً قصيراً هدفت هي الأخرى إلى نبذ التفرقة الطائفية ومحاربة الإرهاب، معتمداً في تصويرها على كاميرا جهاز هاتفه المحمول فقط.
عن طموحاته يقول حسين في حديث لدويتشه فيله: "أسعى جاهداً وبالتسابق مع الزمن إلى إدخال بلدي موسوعة غينيس للأرقام القياسية كأصغر مخرج ومؤلف وممثل في العالم. وبينما ينشغل بالتفكير لإتمام فيلمه الجديد الذي يروي قصة تاريخ العراق يضيف قائلاً: "من المؤلم أن تكثر مناشداتي للجهات المعنية في دعم أفلامي القصيرة من خلال الأعلام دون أن يعيروا أي اهتمام لهذه المناشدات".
"العازف الصغير" للمخرج الصغير
يعد فيلم "العازف الصغير" أبرز الأفلام القصيرة التي أنتجها حسين والذي استغرقت مدة تصويره يومين، وذلك بمشاركة نخبة من كبار الممثلين العراقيين. لكن دور البطولة كان من نصيب حسين نفسه. وحصل حسين على الدعم المادي من والده، الذي شارك في الفيلم بدور ثانوي خصصه له ابنه المخرج حسين. وبلغت تكاليف هذا الفيلم القصير 8 ملايين دينار عراقي (نحو 6400 دولار أميركي).
ويروي الفيلم قصة طفل عراقي يرغب في أن يهدي معلمه في عيده مقطوعة موسيقية على آلة العود، لكن هذه الهدية سرعان ما تناثرت مع الأصابع التي صنعتها نتيجة انفجار سيارة مفخخة أمام مدرسته. غير أن ذلك لم يقف عائقاً في إكمال مقطوعته الموسيقية وإن كلفه الأمر عزفها بإصبع واحد.
ومن أفلام المخرج الأخرى: "لا تجعلوني اخرساً"، "سفرة الطلاب الحزينة"، "فلاش باك"، "الزيارة"، "الطفل البريء"، "السجين"، "القاصة والتليفون"، "من دون كاميرا"، "التوأم"، بالإضافة إلى فيلم "قصة تاريخ العراق" الذي ما يزال قيد الإخراج. وقصص هذه الأفلام تتناول إشكاليات ومصاعب الحياة اليومية في مدينته بغداد ومجتمعها.
إدارة فريق محترفين باحترافية
أما الممثل العراقي حافظ العيبي فيرى أن ابنه يمتاز بذكاء كبير يميزه عن اقرأنه الذين يملئون معظم أوقاتهم بمشاهدته أفلام الرسوم المتحركة أو اللعب، على العكس من ابنه الذي يقضي معظم وقته بالعمل الجاد حتى ساعات الليل المتأخرة في أنتاج أفلامه القصيرة رغم الإمكانيات المحدودة.
ويضيف العيبي في حوار مع دويتشه فيله أن "هناك تسابقاً مع الزمن لدخول بلدي موسوعة غينس من خلال هذا الطفل الموهوب"، مستدركاً بالقول "لكن كلما تقدم عمره ضاع الأمل في الحصول عليها". ويوضح العيبي الذي شارك في أنتاج فيلم "العازف الصغير" كممثل بدور صاحب محل بقاله، "تعاطى الكادر من الممثلين والمصورين بروح عالية مع أوامر المخرج على الرغم من صغر سنه".
"كنت كالتلميذة أنفذ جميع ما يمليه عليّ (حسين) من توجيهات وملاحظات أثناء تصوير مشاهد فيلم (العازف الصغير)، وكأني اعمل مع مخرج ذي خبرة في مجال عمله"، هذا ما قالته الممثلة العراقية سوسن شكري العقيدي التي لعبت دور الأم في الفيلم الذي أخرجه الطفل حسين. وتضيف العقيدي (56عاماً) في حوار مع دويتشه فيله، بأن المخرج الصغير تصرف بعقلية كبيرة مفعمة بخبرة الإخراج السينمائي، "في توجيه كادر تنفيذ الفيلم من المصورين والممثلين أثناء أخراجه والذي رفض أي لمسات تضاف على خطة عمله"، على حد قولها.
ونوهت الممثلة العراقية إلى ضرورة أن تولي الدولة اهتماماً بكل ما ينهض بـ"واقع الطفولة في العراق"، آملة في الوقت ذاته بدعم المواهب والطاقات الطفولية والشبابية لـ"نقل حدث إيجابي لإبداع أطفال العراق من خلال الدخول إلى غينيس بدلاً عن كل ما ينقل سلبياً عن البلاد"، على حد وصفها.
يُذكر بان حسين حافظ لعيبي سيشارك بفلمه "العازف الصغير" كأصغر مخرج عراقي في مهرجان بغداد السينمائي الدولي الذي تعتزم نقابة الفنانين العراقيين استضافته مطلع شهر تشرين الأول/أكتوبر المقبل وبمشاركة نحو 160 فلماً قصيراً لـ36 دولة.
مشكلة الدعم المادي والمعنوي
يرى حسين، الذي يحب الحديث بوصفه مخرجاً سينمائياً، أن ما لدى الطفل العراقي من إبداع لا يقل شأناً عن ذلك الإبداع الذي يتحلى به الطفل الأوروبي. لكن الفرق يكمن في اهتمام أو إهمال الجهات الحكومية المعنية في اكتشاف وصقل وتطوير ما لديها من مواهب وطاقات ووضعها على المسار الصحيح منذ الصغر، على حد تعبيره.
ويشير المخرج السينمائي الصغير إلى ضرورة تدخل الدولة العراقية من خلال مؤسساتها لدعم واقع الطفولة في البلد على كافة الأصعدة "من أجل النهوض بمستقبل أفضل"، داعياً في الوقت ذاته إلى دعم أفلامه القصيرة لـ"غرض دخول العراق موسوعة غينيس ولكي يعرف العالم أن العراقيين صبوا معاناتهم بقالب من الإبداع رغم ظروفهم القاسية"، على حد قوله.
ويعاني الطفل العراقي من غياب الدعم الحكومي ودور منظمات المجتمع المدني، وعدم وجود النوادي الثقافية والرياضية والدورات التعليمية فضلاً عن عدم اكتشاف طاقاتهم ومواهبهم في المدارس.
لكن بعد أن كثر الحديث عن غياب الدعم الحكومي والجهات المعنية للمواهب الواعدة توجهت دويتشه فيله إلى لجنة المرأة والأسرة والطفل في مجلس النواب العراقي للحديث عن سبب عدم دعم المخرج الصغير حسين حافظ فأجابت رئيسة اللجنة النائبة انتصار علي الجبوري بالقول إن لجنتها على استعداد كامل في دعم هذه الطاقة "وفق النظام الداخلي للجنة". وبينت المسؤولة العراقية أن "اللجنة تهتم وبشكل كبير في دعم أبداع الطفولة في العراق".
مناف الساعدي/ بغداد
مراجعة: عبده جميل المخلافي