أسماء، أول سائقة حافلة عمومية في فلسطين
٣ مايو ٢٠١٤ليس في رام الله، المدينة الأكثر ليبرالية تاريخيا في الضفة الغربية ولا في القدس المدينة العريقة، ولا حتى في بيت لحم المسيحية الوجه، بل في مدينة صغيرة شمال الضفة الغربية، اتسمت بالمحافظة والطابع الريفي، اخترقت سيدة عالم الذكور ونافستهم في مهنة "قاسية" ، ألا وهي قيادة مركبة عمومية، متحدية حواجز اجتماعية وثقافية وصعوبات التعامل مع أنماط بشرية متفاوتة في سلوكياتها.
بين العجلات والمحركات
عاشت أسماء محمد رشيد، في بيت تقف في ساحته شاحنة واحدة على الأقل، وجرار زراعي، وسيارة خاصة، بقرية زيتا المجاورة للخط الأخضر، البعيدة ثلاثة عشر كيلومترا عن مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية. اعتادت منذ الطفولة على مساعدة أفراد العائلة في تغيير العجلات، أو إضافة الماء أو الزيت إلى محرك السيارة وكوابحها. ألفت رائحة السولار والبنزين، وانتدبت أحيانا لتحريك سيارة أو شاحنة أو جرار من مكانها بضعة أمتار ثم مئات الأمتار وصولا إلى عشرات الكيلومترات.
"شجعني المرحوم والدي على قيادة السيارات، والحصول على إذن السياقة الرسمي، ورفض نصائح البعض، في قصر عملي على ما يناسب الإناث...."، تقول أسماء بفخر مستذكرة حنان والدها ورفده لها بالقوة المعنوية في مواجهة الحياة وفي تحقيق حلمها الذي تخمر منذ سنواتها الأولى في الرغبة في قيادة السيارات الكبيرة ذات العجلات الثمانية أو العشرة . فوالدها كان يقود شاحنته من طولكرم إلى الأردن وسوريا ولبنان قبل احتلال إسرائيل للضفة الغربية، ثم إلى الأردن فقط منذ الاحتلال. فهو كان ينقل المنتجات الزراعية المصدرة إلى تلك البلدان.
زيتا- طولكرم، بحافلة مكتظة
تبدأ أسماء يوم عملها، على الساعة الثامنة والنصف صباحا لتقود حافلة مكتظة، من قرية زيتا إلى مدينة طولكرم، وتنتظر امتلاء الحافلة لتعود في الخط المعاكس وهكذا ذهابا وإيابا حتى الرابعة والنصف بعد الظهر فتسلم الحافلة لزميل أخر في شركة باصات علار. صحيح أن حافلتها تتسع لتسعة عشر راكبا، لكنها حصلت على رخصة لقيادة حافلة تتسع لخمسة وخمسين راكبا. بيد أن الحافلات الصغيرة هي السائدة في الضفة الغربية وخاصة بين القرى والمدن، كما تقول أسماء مضيفة: "تعلمت السياقة على الحافلة الكبيرة، وأستطيع أن أقودها بسهولة تامة كما أفعل مع الحافلة الصغيرة، وسأقبل عرضا بقيادة الكبيرة في أي وقت، فضلا عن أني حصلت على رخصة سياقة شاحنة قبل الحافلة.."، تفتخر السائقة المتفردة في مجالها بما حققته، مشيرة إلى أنها تحصل على نفس الأجرة التي يحصل عليها زملاؤها الرجال.
تقبل اجتماعي سلس
تجيد أسماء التعامل مع الركاب بمختلف أذواقهم وأنماطهم، وتتبادل معهم الحديث والظرف وتداول أخبار البلد، والسياسة والمجتمع، ولا تلتفت إلى المستهجنين والمستغربين الذين طالما يشيرون إليها متحدثين بالعامية الفلسطينية "شوف شوف بنت بتسوق باص ..."، يعترف أحمد سليم، ابن الخامسة والثلاثين أنه استغرب حين رأى سائقة تقود الحافلة التي يستقلها في طريقه إلى المدرسة التي يعمل فيها أستاذا.
ويقول سليم: "في البداية لم أستوعب الأمر، كيف يمكن لسيدة أن تتحمل عبء مهنة قاسية، قد تقودها إلى مشاحنات مع الركاب وسائقي المركبات المختلفة التي تصادفهم في الشوارع ، كما في المواقف، لكني مع الأيام، وأقول الأيام، ألفت المشهد بعد أن أيقنت أنها على قدر هذه المهمة..".
أما سمية، الطالبة الجامعية، فترى أن أسماء رائدة وطلائعية فهي كسرت برأيها احتكارا ذكوريا تاريخيا. وتضيف لـ DW عربية أن "هذا يشجعنا، نحن الفتيات على طرق مواقع حصرية للرجال. صحيح أن المرأة الفلسطينية، تعمل الآن في التعليم المدرسي والجامعي، وهي نائبة في البرلمان، كما في قيادة العمل السياسي، وفي الشركات الكبيرة والصغيرة، بل وفي سلك الشرطة، أما في سياقة الحافلات فهذا اختراق جديد ومبشر..".
أحلام أسماء الأخيرة
لم تتعد أحلام سائقة الحافلة، مجالها الحيوي وهو الجلوس وراء المقعد، إلا أن المختلف هو حجم المركبة التي تقودها. فهي تحلم بالعمل على الحافلة العمومية الأكبر، ذات الخمسة وخمسين مقعدا، ليس هذا وحسب بل والسياحية، التي تنقل سياحا، فلسطينيين أو أجانب، إلى مواقع مختلفة في الضفة الغربية، وهي تجيد إلى جانب العربية، اللغتين الانجليزية والعبرية. ومن أحلامها أيضا أن ترى نساء أخريات يترقين درجات الحافلات ويقدنها في شوارع الضفة الغربية، ليثبتن القدرة على تطويع أي مهنة، فالمهنة لا تشترط سوى الأثقال وليس النوع الاجتماعي.