أزمة جوع عالمية..هل تحقق دول عربية الاكتفاء الذاتي من القمح؟
١٢ يوليو ٢٠٢٢شبح الجوع يهدد العالم! ملايين البشر يتضورون جوعًا، والعدد في ازدياد، وسط "خطر حقيقي" بحدوث مجاعات! صورة قاتمة يكشفها تقرير للأمم المتحدة يدق ناقوس الخطر حول زيادة الجوع وانعدام الأمن الغذائي العالمي.
ما يصل إلى 828 مليون شخص (نحو عُشر سكان العالم) تأثروا بالجوع في عام 2021، بزيادة 46 مليون مقارنة بعام 2020 و150 مليون أكثر من 2019.
هذه المعلومات يؤكدها تقرير تشاركت في إعداده كل من منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) والصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) وصندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية، ونشر في السادس من تموز/يوليو 2022.
هذه الأرقام المخيفة لا تتضمن بعد الملايين الذين تأثروا من أزمة الغذاء العالمية التي سببها الغزو الروسي لأوكرانيا.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: "نواجه أزمة جوع عالمية غير مسبوقة... أدت الحرب في أوكرانيا إلى تفاقم المشكلات التي تراكمت على مدى سنوات مثل اضطرابات المناخ وجائحة كوفيد-19 والخلل الكبير في (وتيرة) التعافي"، وأضاف: "هناك خطر حقيقي يتعلق بالإعلان عن حدوث عدة مجاعات في 2022. وربما تكون 2023 أكثر سوءًا".
أزمة الغذاء العالمية جددت التأكيد على ضرورة تحقيق الدول، خصوصًا الفقيرة، الاكتفاء الذاتي من السلع الإستراتيجية، وبشكل خاص القمح، الذي يعد أحد أهم الحبوب في جميع أنحاء العالم.
وزيرة التنمية الألمانية سفينيا شولتشه دعت الدول الفقيرة إلى تقليل اعتمادها على واردات القمح. وقالت لصحف مجموعة "فونكه" الإعلامية: "بالإضافة إلى المساعدة الطارئة، يتعلق الأمر الآن بأن تتمكن الدول النامية من أن تزرع بنفسها أكثر بطريقة ملائمة للمناخ ومستدامة"، مشيرة إلى أنه يمكن تحقيق قدر أكبر من الاستقلال عن طريق زراعة الحبوب المحلية التي تتكيف جيدًا مع التربة والمناخ في إفريقيا.
لكن ليست الدول الفقيرة هي التي تعتمد على الاستيراد، وربما المساعدات، في تأمين حاجتها من القمح فحسب، بل إن دولًا، كان بعضها مكتفيًا ذاتيًا، أصبحت تعتمد على الاستيراد بشكل كبير، ومنها دول عربية. فهل تحقيق الاكتفاء الذاتي في دول عربية ممكن؟ وما هي التحديات؟
مصر: تطلعات نحو "الاكتفاء الذاتي الآمن"
نأخذ مصر كنموذج، وهي الدولة العربية الأكثر سكانًا، وتأتي في المرتبة الأولى عالميًا في استيراد القمح، وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة.
ويقول عميد كلية الزراعة بجامعة الإسكندرية، محمد بهي الدين إن متوسط إنتاج مصر من القمح يبلغ نحو 9,6 مليون طن سنويًا (تزيد وتنقص من سنة لأخرى) من نحو 3,4 مليون فدان تزرع بالقمح سنويًا. ويضيف لجريدة "أخبار اليوم" المصرية: "أما استهلاكنا فقد بلغ 20.3 مليون طن عام 2020"، ما يعني أن مصر تنتج في المتوسط فقط نصف حاجتها من القمح.
ويرى بهي الدين أن تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح بنسبة 100% في مصر "هدف يصعب تحقيقه في ضوء المساحات المزروعة والموارد المائية"، معللًا ذلك بأن تحقيق ذلك "سيكون على حساب محاصيل أخرى كالفول أو البرسيم اللازم لغذاء الحيوانات والذي لا يمكن الاستغناء عنه أيضًا".
وفي جواب على سؤال: "متى تصل مصر لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح؟"، يقول ياسر عبدالحكيم، المستشار الزراعي لـ"مشروع مستقبل مصر" الزراعي الذي افتتحه الرئيس المصري السيسي مؤخرًا: "لا يوجد اكتفاء ذاتي لدولة من كل المحاصيل".
ويضيف عبدالحكيم في مقابلة على القناة المصرية الأولى: "مورد المياه هو الذي يحدد ذلك". ولاتزال الخلافات قائمة بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة الذي تراه تهديدًا لحصتها من مياه النيل.
ويعتقد بهي الدين أن "الهدف الواقعي" الذي يجب السعي لتحقيقه هو الوصول لما يسمى بـ"الاكتفاء الذاتي الآمن"، موضحًا أن ذلك يعني أن يصل الاكتفاء الذاتي من القمح إلى 75% من الاحتياجات.
من جانبه يرى الأستاذ بكلية الزراعة في الإسكندرية عصام شبلي، في تصريح لـ"أخبار اليوم"، أن ذلك ممكن باتباع إصلاحات منها، التوسع فى المساحات المزروعة بالقمح على حساب البرسيم مع توفير أعلاف بديلة، وزيادة إنتاجية الفدان، وزيادة القدرات التخزينية بالإضافة إلى الاعتماد الكامل على الري بدلًا عن مياه الأمطار.
العراق: من الاكتفاء الذاتي إلى الاستيراد!
أما في العراق الذي تبلغ حاجته من القمح نحو 4,5 مليون طن سنويًا، فالأمر مختلف. فقد كان بلاد الرافدين مكتفياً ذاتيًا من القمح في السنوات الثلاث الماضية، مع إنتاج 4,7 مليون طن في 2019 و6,2 مليون طن في 2020 و4,2 مليون طن في 2021. لكن عوامل عديدة، أبرزها، أزمة شح المياه، أدت إلى انخفاض إنتاج القمح ليبلغ بين 2,5 و3 ملايين طن في 2022.
تراجع المخزون الإستراتيجي للبلاد، دفع السلطات العراقية إلى التوجه إلى كل من ألمانيا وأستراليا وأمريكا لتلبية الحاجة المحلية من القمح. وأقر البرلمان قانون "الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية" الذي خصص له حوالي 17 مليار دولار، لشراء القمح والأرز والغاز والطاقة ودفع الرواتب، ومن ضمنها 5 ملايين طن من القمح تتضمن مليوني طن للمخزون الإستراتيجي.
وزير الزراعة العراقي محمد كريم الخفاجي قال إن 2022 "أسوأ سنة مرت على تاريخ وزارة الزراعة"، معللًا ذلك بارتفاع أسعار المحاصيل الإستراتيجية نتيجة رتفاع أسعار الأسمدة عالميًا فضلًا عن ندرة مياه الأمطار على العراق وقلة المخصصات المالية.
وعن تراجع الزراعة في العراق، قال الخفاجي إن المخصصات المالية للقطاع الزراعي ضمن موازنة العام 2021 كانت ضعيفة جدًا، ولم تستطع الوزارة توفير الأسمدة، مشيرًا إلى تخصيص 6,8 مليارات دولار ضمن القانون الطارئ للأمن الغذائي لشراء الأسمدة والأعلاف وتسديد مستحقات الفلاحين وتطوير المشاريع الزراعية الأخرى ودعم الثروة الحيوانية.
وتُحمل جمعيات فلاحية الحكومة العراقية مسؤولية التدهور الزراعي مشيرة إلى "تراجع مساحات الأراضي الزراعية ولجوء السلطات إلى الاستيراد بدلًا من دعم الإنتاج المحلي".
الجزائر: من الاكتفاء الذاتي إلى تأمين ربع الحاجة!
تحتل الجزائر المرتبة الرابعة عالميًا في استيراد القمح، وكانت قد استوردت 9,2 مليون طن في 2021، لكن وزارة الفلاحة تتوقع أن يبلغ إنتاجها من القمح هذا الموسم 3,2 مليون طن.
يقول المهندس الزراعي منيب أوبيري لصحيفة الشروق الجزائرية إنه "لابد من الوصول إلى إنتاج 10 ملايين طن، للتخلي عن الاستيراد".
ويشير أوبيري إلى ضرورة زيادة المساحة المخصصة لزراعة الحبوب حاليًا عبر استغلال المساحات الشاسعة في الصحراء واستغلال المياه الجوفية، مع ضرورة استغلال ما تمتلكه الجزائر من المناجم الكثيرة المنتجة للأسمدة الزراعية، فضلًا عن ضرورة استعمال التقنيات الحديثة في زراعة الحبوب.
وقد سبق للجزائر أن حققت الاكتفاء الذاتي في أعوام سابقة، مثل عام 2010، ولذلك يبدو تحقيق الاكتفاء الذاتي ممكن في حال توجيه السياسة الزراعية بشكل صحيح.
محيي الدين حسين