أزمة ثقة بحكومة المالكي، أم أزمة ثقة في النخبة السياسية؟
٨ يونيو ٢٠١٢أدت الأزمة السياسية الخانقة التي يعيشها العراق منذ أشهر إلى شل الحياة السياسية على كل الأصعدة تقريبا، بما فيها نشاط البرلمان العراقي. وطال الحديث عن سبل الخروج من الأزمة. المعارضون لنوري المالكي، رئيس الوزراء، وجدوا في فكرة سحب الثقة من الحكومة ورئيسها السبيل الأفضل للخروج من عنق الزجاجة. فيما يرى معسكر نوري المالكي أن العودة إلى التوافق على عمل الحكومة الطريق الأسهل لإنهاء الأزمة في البلاد. وانطلقت عملية جمع التوقيعات لبرلمانيين يطالبون بسحب الثقة من الحكومة، وفق طلب رئيس البلاد، جلال الطالباني، قبل أن يقدم الأخير طلبا إلى البرلمان بذلك، وفق الدستور العراقي. وبين هذه المساعي الجارية وبين جهود آخرين لفض الخلافات يتبلور السؤال عما إذا كان سحب الثقة يشكل حلا أمثل لحل المشكلة السياسية في العراق. و لكن قبل هذا وذاك ينبغي التساؤل عن الخلل الكبير الذي ساهم في ظهور هذه الأزمة الخانقة.
الخلل في ظروف تشكيل الحكومة
يعتقد الكاتب والخبير السياسي الدكتور كاظم حبيب أن السبب الأساسي لهذه الأزمة هو أن "الحكومة الحالية تم تشكيلها في طهران وليس في العراق". ويضيف حبيب أن الحكومة الحالية كانت نتيجة "مساومات غير معقولة". و يتابع حبيب " أن القوى السياسية المشاركة في الحكومة غير متجانسة ولا تملك مشروعا موحدا"، وهي غير متفاعلة وتفتقر إلى رؤية مشتركة بشأن اتجاهات التطور في البلاد. ويضيف الخبير السياسي أن ما فاقم تعقيدات عمل الحكومة هو أن رئيس الوزراء نوري المالكي لم يمارس سياسة جماعية تشرك الآخرين من حلفائه في الحكومة في رسم السياسة العامة. و يقول الدكتور كاظم حبيب " إن المالكي كون أعداءا له من بين صفوف الكتل المشاركة معه في السلطة. وحاول الاستفادة من الصراعات الجارية داخل الكتل المشاركة في حكومته". و يشير حبيب إلى أن سحب الثقة عن الحكومة يشكل حلا من بين حلول عديدة لحل الأزمة. لكن الخبير السياسي الأستاذ غانم جواد لا يؤمن بنجاعة حل" سحب الثقة" عن حكومة المالكي ويعتقد أن سحب الثقة عن المالكي " سيؤدي إلى الوقوع في المجهول"، حسب قوله. ويعلل السيد غانم جواد موقفه بأن سحب الثقة عن المالكي يعني البحث عن بديل يقدمه المطالبون بسحب الثقة. و يضيف جواد " أنا لا أرى بديلا أفضل من المالكي بين صفوف المعارضين له ولا يوجد مثل هذا البديل في الأفق وهو أمر غير مطروح". و يشير غانم جواد إلى جملة من الأسئلة تتعلق بمرحلة ما بعد الثقة تتمثل في جوهرها في شكل الحكومة القادمة، هل هي حكومة تصريف أعمال أم حكومة أخرى؟، وكيف سيتم اختيار البديل التوافقي القادم؟. وتبدو هذه الأمور كلها غامضة في الظروف الحالية، حسب رأي الأستاذ غانم جواد.
البدائل الممكنة للخروج من الأزمة
ويرى الدكتور كاظم حبيب ثلاثة بدائل للخروج من الأزمة، يتمثل أولوها في سحب الثقة عن نوري المالكي وما يتمخض عن ذلك من صعوبات العثور على بديل مناسب يرضي الأطراف المشاركة في العملية السياسية، حسب رايه. ويضيف الدكتور حبيب " أنه من المرجح أن يكون البديل هو المالكي نفسه نظرا لوجود مؤيدين كثيرين له داخل التحالف الوطني الشيعي، من جانب، ومن جانب آخر ضعف المنافسين الآخرين له كالمجلس الإسلامي الأعلى والتيار الصدري حصريا، حسب رأي حبيب. و يشير الخبير السياسي حبيب إلى أن الحل الثاني يتمثل في إجراء انتخابات مبكرة، وهو ما يفضله، حسب قوله، حيث يعتقد حبيب أن الانتخابات قد تفرز قوى سياسية جديدة أو وجوه سياسية قد يتناغم ظهورها مع متطلبات مرحلة التطور الحالية في العراق. فيما يكمن الحال الثالث، والحديث مازال للدكتور كاظم حبيب، في الاستمرار في الأزمة الحالية زيادة تداعياته السلبية على المجتمع بأسره في كل الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية. لكن الخبير السياسي غانم جواد لا يعتقد أن الانتخابات المبكرة ستكون حلا أو مخرجا للخروج من الأزمة الحالية. ويشير إلى أن انتخابات تشريعية في هذه الظروف لن تضيف الكثير إلى المشهد السياسي، خصوصا و أن القوى السياسية الفاعلة لم تغير شيئا في المشهد من جانب، ومن جانب آخر وعلى ضوء تشكيلة اللجنة العليا المستقلة للانتخابات،والتي لا يعتبرها مستقلة تماما بسبب هيمنة الأحزاب المشاركة في العملية السياسية عليها، فإن الانتخابات المبكرة لا يمكن اعتبارها الحل الساحر للأزمة الحالية في العراق.
الحوار الوطني الشامل الحل الأمثل
و مهما أختلف الخبيران، كاظم حبيب وغانم جواد، في سبل الخروج من الأزمة الحالية في العراق، إلا أنهما يتفقان في نقطة واحدة مركزية وحيوية، تتمثل في إجراء حوار وطني شامل تشارك فيه كل الأحزاب والتيارات الفاعلة في المجتمع العراقي ، بما فيها تللك من لم تشارك في الحكومة الحالية. على أن يتناول الحوار المعضلات الحالية بصراحة وعلى أن يخرج الاجتماع ببرنامج وطني ملزم لكل الأطراف. كما يتفق المتحدثان على ضرورة أن يقوم المالكي بإعادة النظر في سياسته، كما يقول غانم جواد. و يضيف " على المالكي أن يعترف بأخطائه التي ارتكبها في الماضي" وأن يتخلى عنها في العمل القادم، حسب قوله. المالكي مارس سياسة إقصاء الآخرين وتهميش البعض الآخر و" اللعب على تناقضات خصومه" واستقطاب البعض منهم عن طريق إغرائهم بالمناصب الحساسة. و النتيجة، كما يقول كاظم حبيب، هو هذه الأزمة الخانقة. و يتفق المتحدثان أيضا على أن عصر التفرد بالسلطة، سواء أكان من قبل حزب واحد أو شخص واحد قد ولى في العراق، فالعراق لا يمكن حكمه بشكل فردي مهما كان الفرد قويا أو متمتعا بشعبية. إنه عصر الشراكة السياسية وعصر تداول السلطة، كما ينص على ذلك أيضا الدستور العراقي الجديد.
الكاتب: حسن ع. حسين
مراجعة:هبة الله إسماعيل