أزمة اللاجئين: الدول الغنية تلقي العبء على كاهل الفقيرة
٦ أكتوبر ٢٠١٦أعلنت منظمة العفو الدولية (أمنستي) في تقرير جديد أن عشر دول فقط تقل مداخيلها مجتمعة عن 2,5% من إجمالي الناتج المحلي العالمي تتحمل لوحدها أعباء نصف اللاجئين في العالم، منددة بما وصفته "أنانية الدول الغنية". وقال تقرير المنظمة الحقوقية غير الحكومية إن "الدول الغنية تبرهن على انعدام تام للإرادة السياسية وحس المسؤولية بتركها هذه الدول تستضيف 56% من لاجئي العالم".
يأتي هذا التقرير في وقت تثير فيه أزمة اللاجئين في دول غنية كالدول الأوروبية جدلا كبيرا وانقساما أدى في بعض الدول إلى صعود أحزاب يمينية شعبوية في الانتخابات. ولعل أسطع مثال على ذلك ما حدث في ألمانيا حيث استفاد حزب "البديل من أجل ألمانيا" (AfD) اليميني الشعبوي من استياء فئة من الألمان من سياسة اللجوء التي تتبعها المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل لتحقيق نتائج جيدة في الانتخابات والدخول بالتالي إلى برلمانات عدة ولايات ألمانية.
الأردن في الصدارة
واحتل الأردن صدارة الدول المضيفة للاجئين باستضافته (2,7 مليون لاجئ) تليه تركيا (أكثر من 2,5 مليون) ثم باكستان (1,6 مليون) فلبنان (1,5 مليون)، بحسب التقرير الذي استند في هذه الأرقام بشكل أساسي إلى إحصائيات المفوضية العليا في الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
كما أوضح التقرير أن دولا تعاني من فقر مدقع تستضيف أيضا أعدادا كبيرة من اللاجئين وفي مقدمها إثيوبيا (736 ألفا) وكينيا (554 الفا) وأوغندا (477 ألفا). وقدم التقرير، الذي يرى عدم وجود مساواة في تقاسم أعباء اللاجئين بريطانيا مثالا. فهذه الدولة الغنية وافقت على استضافة أقل من ثمانية آلاف سوري منذ 2001 في حين أن الاردن - الذي يبلغ تعداد سكانه عُشر تعداد سكان بريطانيا ويمثل إجمالي ناتجه المحلي 1,2% من إجمالي الناتج المحلي البريطاني- يستضيف أكثر من 655 ألفا.
ويقول محمد الحواري المتحدث الإعلامي باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لـ DW عربية إن الفقر المدقع داخل مخيمات اللاجئين في الأردن وصل في سنة 2016 إلى 90 في المائة و"هذه نسبة خطيرة. المساعدات التي تصل لا تكفي حتى لتغطية كل المتطلبات الضرورية. والهوة الموجودة بين المتوفر وما يحتاجه اللاجئون كبيرة جدا وتضعنا في موقف محرج أمام هذه الأزمة التي تصنف أزمة الجيل في هذا العصر".
ويضيف حواري أن 5 آلاف عائلة سورية في الأردن مازالت على قائمة انتظار المساعدات وهي في وضع حرج وتحتاج مساعدات نقدية. ويقول: "الأزمة التي مر بها اللاجئون أفقدتهم كل شيء تقريبا بما في ذلك الوطن، وهو أغلى شيء، لكن يجب على الأقل أن نسعى لحفظ ما تبقى لديهم من كرامة".
دول متورطة في الحرب ولا تقبل اللاجئين
وحسب أرقام المفوضية العليا لشؤون اللاجئين فإن عدد الأشخاص النازحين قسريا على مستوى العالم في 2015 بلغ 60 مليون نازح من بينهم 20 مليون لاجئ فروا بسبب الحرب الأهلية في سوريا ونزاعات أخرى في المنطقة. وتحذر المفوضية من هذا العدد سيرتفع كثيرا في المستقبل.
وقبل هذا التقرير لطالما تم اتهام دول غربية بالتقاعس في مساعدة اللاجئين على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي تلعب دورا مهما في الصراع السوري. وتقول سارة الحشاش المسؤولة الإعلامية لمنظمة العفو الدولية في منطقة الشرق الأوسط "إن الولايات المتحدة الأمريكية كانت في البداية بطيئة في الاستجابة لتقديم مساعدات للاجئين خاصة فيما يتعلق بإعادة توطينهم لكن في الفترة الأخيرة أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن بلاده استقبلت مؤخرا 10 آلاف لاجئ سوري". وتضيف الحشاش "هذا تحسن، ولكن يبقى العدد قليلا بالنظر إلى أننا نتحدث عن دولة غنية كالولايات المتحدة الأمريكية".
أما فيما يتعلق بروسيا وهي أيضا فاعل رئيسي في الأزمة السورية وتُوجه لها اتهامات بأن أوضاع المدنيين في سوريا تدهورت أكثر منذ تدخلها العسكري هناك لذي بدأ قبل عام. تقول الحشاش إن روسيا ليس لديها أي برنامج لإعادة توطين اللاجئين ولا تنسق مع المفوضية السامية للاجئين. "بالتالي لا يمكن أن نعرف هل استقبلت لاجئين أم لا، لكن حسب معلوماتي لم تستقبل روسيا أي لاجئ سوري حتى الآن".دول الخليج يوجه لها أيضا نفس الانتقادات فبعضها يتدخل في الحرب السورية بشكل كبير لكنها لا تقبل باستقبال لاجئين سوريين.
وفي هذا السياق يقول كريم الواسطي وهو خبير عراقي في شؤون الهجرة في ألمانيا إن دول الخليج تتعامل مع هذا الموضوع بأنانية فاضحة. ويضيف في هذا السياق خلال مقابلة أجرتها معه DW عربية "هذه الدول تتعامل حتى مع العمالة الموجودة لديها بنوع من العبودية. فالعمال الأجانب هناك يشتغلون في ظروف مزرية ولا حقوق لهم ولا ضمانات. كما أن هذه الدول لم توقع حسب علمي على اتفاقية جنيف. بالتالي لا يمكن أن نتوقع منها الكثير رغم إمكانياتها". ويضيف الواسطي أن الانتقادات توجه بالدرجة الأولى للدول الأوروبية لأنها دول قوانين ومؤسسات وتروج لقيم جقوق الإنسان. وعندما تتقاعس في تقديم المساعدة للاجئين فهي تناقض بذلك قيمها ودساتيرها.
تقاسم أعباء اللاجئين هو الحل الوحيد
واقترحت منظمة العفو الدولية أن الحل في مواجهة أزمة اللاجئين هو تقاسم أعبائهم بين كل دول العالم وفق معايير موضوعية هي ثراء الدولة وعدد سكانها ونسبة البطالة فيها. وتقول سارة الحشاش إن أزمة اللجوء ستزداد تعقيدا وتدهورا في الأشهر والسنوات المقبلة إن لم يتم تقاسم المسؤوليات. وتضيف بهذا الخصوص "برأينا الاتفاق على عدد معين من اللاجئين لكل دولة حسب قدرتها هو الحل الوحيد الذي يمكن أن تقبله كل دول العالم".
ويقدر محمد الحواري حجم ما تحتاجه المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بـ 320 مليون دولار. وحتى الآن وبعد مرور حوالي ست سنوات على بدء الأزمة السورية لم تتوصل سوى بـ 53% فقط من هذا المبلغ. مع ذلك يشيد الحواري ببعض المبادرات التي اتخذتها بعض الدول ومنها الأردن ويقول "مثلا الأردن مع أنها ليست دولة غنية فقد فتحت مجالا لتصاريح العمل وهذا خلق آمالا كبيرة بأن يصبحوا أشخاصا منتجين داخل المجتمع الذي يعيشون فيه. مثل هذه المبادرات تفتح الكثير من الآمال للاجئين".
أما الواسطي فيرى أن الحل الجذري لأزمة اللجوء يتمثل قبل كل شيء في المساهمة في حل الأزمات والحروب والأوضاع الصعبة التي تجعل هذه الأعداد الكبيرة من الناس تضطر للمخاطرة بحياتها هربا إلى دول أخرى. أما المبادرات التي يتم يتخذها مثل مبادرة ألمانية لتوظيف لاجئين في الدول التي تجاوز سوريا فيبقى أمرا مستحسنا لكنه لن يحل الأزمة.
الكاتبة: سهام أشطو