لماذا ترفض مصر التورط في ضرب الحوثيين؟
٢٦ يناير ٢٠٢٤ألقت الحرب في غزة بظلالها على مصر في الوقت الذي يشهد فيه البلد المحوري وضعا اقتصادياً صعباً للغاية لأسباب أبرزها نقص العملات الصعبة والتضخم المتسارع والتراجع في قيمة الجنيه المصري. ويصاحب ذلك موجة غلاء لم تحدث منذ عقود، ما يثير مخاوف من انفجار الأوضاع.
ومنذ اندلاع الحرب في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، ظهرت مصر كأحد اللاعبين الرئيسيين، حيث لعبت القاهرة دور الوسيط في اتفاقيات تبادل الأسرى والرهائن بين إسرائيل وحماس.
خسائر وازمات تزداد حدة
لكن من ناحية أخرى، تسببت ضربات الحوثيين المستمرة للسفن التي تقول الجماعة إنها كانت في طريقها إلى إسرائيل أو تتبع الولايات المتحدة وبريطانيا في تراجع عدد الناقلات البحرية المارة عبر قناة السويس، ليتراجع معها دخل القناة، أحد أعمدة الاقتصاد المصري.
وبحسب تقارير اقتصادية نشرتها رويترز واسوشيتدبرس فإن 55 سفينة غيرت مسارها بعيداً عن قناة السويس في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي فقط وسط توقعات بارتفاع الرقم، فيما أكدت إدارة قناة السويس أنها تراقب عن كثب تداعيات التوترات الحالية في جنوب البحر الأحمر.
يقول الدكتور أحمد ذكر الله الخبير الاقتصادي المصري من إسطنبول إن المعارك الدائرة جنوبي البحر الأحمر تهدد مصدرا أساسيا من مصادر الدخل بالعملات الصعبة في مصر، "ويزيد من حدة هذه المشكلة ما تمر به البلاد من أزمات داخلية منذ ما يقارب عامين، ما يجعلها غير قادرة على إيجاد موارد بهذه العملات لسداد أقساط وفوائد القروض التي توسعت مصر في اقتراضها منذ عام 2016 وحتى الآن. كما يجعلها غير قادرة على الوفاء باحتياجاتها الداخلية، أيضا نتيجة العجز في الميزان التجاري"، بحسب ما قال خلال اتصال هاتفي مع DW عربية.
وكانت بيانات صادرة خلال الشهر الماضي عن الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء، قد أشارت إلى عجز في الميـزان التجاري بلغ نحو 3.14 مليار دولار خلال شهر سبتمبر/أيلول 2023 مقابل 2.84 مليار دولار للشهر نفسه مـن العام السابق بنسبة ارتفاع قدرها 10.3بالمائة.
ويشير الخبير الاقتصادي المصري إلى أنه مع زيادة حدة أزمة نقص الدولار، تحدث العديد من الآثار الجانبية التي تُلقي بظلالها على الأوضاع المعيشية للمصريين، وقال إن "النتيجة الأولى والأهم هي اتساع الفجوة ما بين السعر الرسمي والسعر الموازي لصرف الدولار والذي وصل إلى الضعف تقريباً، ما يؤدي لحالة من الارتباك في الأسواق".
وأضاف أن "انخفاض قيمة الجنيه سيؤدي إلى تزايد ارتفاع الأسعار وبالتالي سحق ما تبقى من الطبقة المتوسطة ومزيد من الفقر للفقراء، وتآكل المستوى المعيشي للجميع". وأشار إلى اعتقاده بأن "معظم المصريين ربما يعيشون تحت خط الفقر، وبالتالي فإن أي نقص في مصادر العملة الأجنبية يعني تعميق أزمات المصريين، وارتفاع كبير في الأسعار نتيجة انخفاض قيمة الجنيه، وقد نصل إلى عدم قدرة الدولة على سداد الديون".
وقال إن "الأمور كلها أصبحت مرهونة بوجود اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي التي تزور بعثته مصر الآن للاتفاق على قرض جديد بقيمة 10 مليارات دولار، حسب تسريبات سابقة"، مضيفاً أن "شروط الصندوق الجديدة ستكون المزيد من التعويم والمزيد من الضغط على المصريين، بالتالي فالنتائج كلها سوداء تلقي بظلالها الكثيفة على المصريين خلال الفترة القادمة".
لا مشاركة في الحروب الخارجية!
أكدت مصر عدة مرات أن جيشها لا يُشارك في أي أنشطة عسكرية خارج حدوده تحت أي سبب أو أي ذريعة. ويتذكر المصريون وقع أيام ثقيلة للغاية حين تدخل الجيش المصري في حرب اليمن ومُني بخسائر فادحة مادية واقتصادية ما جعله يُحجم - منذ عقود وإلى الآن - عن المشاركة في أي عمليات خارج الحدود.
ويقول اللواء أركان حرب فؤاد فيود الخبير العسكري والاستراتيجي من القاهرة إنه "رغم تضرر مصر اقتصادياً من التوتر الحادث في جنوب البحر الأحمر وتراجع الدخل من قناة السويس فإنها رفضت دعوات غربية للمشاركة في تحالف يستهدف ضرب قواعد لأنصار الله الحوثي في اليمن".
وأشار في حوار هاتفي مع DW عربية إلى اعتقاده أن هناك "جهات تُريد الدفع بمصر للتورط في الدخول إلى مستنقع الحرب بذريعة تضرر قناة السويس، وبدلاً من أن تخسر مصر بعض الدخل الأجنبي الوارد من مرور السفن، فقد يؤدي الدخول في حرب إلى دمار الاقتصاد المصري وفقدان أضعاف هذا المبلغ".
وأكد الخبير العسكري أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي "حذر من التعدي على مصر بأي شكل أو محاولة دفع أي أحد لاقتحام حدودها وتصدير المشكلات إليها.. هذا لن يحدث". وقال إن مشاركة الجيش المصري في معركة خارج الحدود كانت لتحرير الكويت من الغزو العراقي، وأكد أن مصر لن تستجيب لمحاولات الزج بها في حرب بهدف تخفيف الضغوط على جهات أخرى.
بدوره أكد الدكتور مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في القاهرة أن مصر لم تكن الوحيدة التي رفضت المشاركة في هذا التحالف الموجه ضد الحوثيين، فالسعودية أيضاً رفضت المشاركة".
وأضاف أنه "من الواضح أن الهدف من هذا التحالف هو الحيلولة دون ممارسة نوع من الضغط على إسرائيل، كما أعتقد أن هذا انعكاس لموقف مصر والسعودية تجاه موقف الولايات المتحدة عموماً من الحرب الجارية في غزة حيث رفضت واشنطن كافة المطالب بوقف إطلاق النار".
وقال الأكاديمي المصري إن "مصر والسعودية لا تريدان اتخاذ موقف ضد الحوثيين، ففي حالة السعودية، هناك هدنة سعت إليها الرياض وتريد استمرارها وتود أن تتمخض عن تسوية سلمية للوضع القائم في اليمن، أما مصر فتحرص على أن يكون لها علاقات مع كل الأطراف بما في ذلك أنصار الله، ولذلك فإن مشاركتها في هذا التحالف يجعلها تقف موقف العداء للحوثيين، وهذا لا تريده الحكومة المصرية التي تريد أن تكون قادرة باستمرار على أن تلعب دور الوسيط، وانضمامها لمثل هذا التحالف يتعارض مع ذلك".
ويعتقد ستيفان رول، الباحث بمؤسسة الدراسات الأمنية والسياسية في برلين (SWP) أن "مصر ترى بوضوح تام أن المسار العسكري الذي اختاره الأمريكيون لتأمين الملاحة في البحر الأحمر لن يساعد بالضرورة في ضمان أن يكون هذا الطريق التجاري الهام للغاية بالنسبة إلى مصر آمناً مرة أخرى".
وقال في حوار مع DW عربية إن فكرة الحد من تأثير الحوثي بالوسائل العسكرية، فكرة ساذجة بعض الشيء.. وربما يرى المصريون الأمر بهذه الطريقة أيضًا".
وأضاف الخبير الألماني أن هناك احتمال بأن تثير مشاركة مصر في ضرب الحوثي احتجاجات واسعة النطاق في مصر، "وأعتقد أنه حتى المؤسسة الأمنية في مصر ستنظر لذلك بجدية شديدة، خاصة وأن الأمر سيراه المجتمع على أنه دعم غير مباشر لإسرائيل، ولهذا السبب أعتقد أن احتمال استعداد مصر لاتخاذ إجراء ضد الحوثيين بعيد جدًا في الواقع".
أي تأثيرات على التحالف مع واشنطن؟
منذ بداية الحرب في غزة، طالبت الولايات المتحدة وإسرائيل مصر بفتح حدودها مع غزة للسماح بإجلاء مئات الآلاف من الفلسطينيين وتهجيرهم لاحقاً إلى سيناء بحسب ما نقلت وسائل إعلام اسرائيلية وأمريكية.
لكن القاهرة رفضت الخطة بشكل قاطع، وأصرت على أن أمنها القومي "خط أحمر" وأن "التهجير القسري للفلسطينيين من شأنه أن يعرض حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم للخطر.
وبحسب ما ذكر تقرير للمجلس الأطلسي، فإن رفض القاهرة أثار غضب الولايات المتحدة، التي كانت تأمل التمكن من استخدام مبلغ 1.3 مليار دولار تمنحه لمصر سنويا كوسيلة للتأثير على القيادة المصرية. ومع ذلك، فإن مخاطر الإذعان للرغبات الأمريكية والإسرائيلية مرتفعة بالنسبة للقاهرة.
وقال ستيفان رول، الباحث في مركز (SWP) إن "الولايات المتحدة تتفهم الرفض المصري، لأنه ربما يُنظر أيضاً في الولايات المتحدة إلى مدى عدم شعبية أي سياسة في مصر من شأنها مساعدة إسرائيل بأي شكل. لذلك، فمن الواضح تمامًا في واشنطن أن الضغط على القيادة المصرية بما يجعلها تشارك في ضرب الحوثي سيكون بمثابة مخاطرة سياسية هائلة ستواجه الحكومة المصرية إذا قامت بخطوة كهذه مرفوضة شعبياً".
بدوره يقول الدكتور مصطفى كامل السيد إن رفض القاهرة للمشاركة في العمليات العسكرية لن يؤثر كثيراً على علاقات البلدين الاستراتيجية، "فالولايات المتحدة لا تتخذ موقفاً عاماً من أي دولة، ولكنها تتعامل مع كل موقف على أنه حالة خاصة بمعنى أنه يمكن ألا تكون الولايات المتحدة راضية عن عدم مشاركة مصر في مثل هذا التحالف، ولكنها تستمر أيضاً في تقديم المعونة العسكرية ومساندة جهود مصر من أجل تحقيق الإصلاح الاقتصادي".
وأشار كامل السيد إلى أن الولايات المتحدة تعتمد بشكل أساسي على الدور المصري في عملية الوساطة بين حماس وإسرائيل، خاصة فيما يتعلق بمسألة تحرير وتبادل الرهائن والذي لعبت فيه دوراً محورياً للغاية".