"أريج" الثورة المصرية يفوح في برلين!
١٧ فبراير ٢٠١٤إلى جانب فيلم "الميدان" الذي فاز بجائزة منظمة العفو الدولية في مهرجان برلين السينمائي، عرض فيلم "أريج" المصري الذي تطرق إلى أحداث الثورة المصرية، عبر أربع شخصيات مختلفة تعيش في مدينتين مصريتين وهما الأقصر والقاهرة. ومن ضمن الشخصيات الأربع التي قدمها الفيلم، الكاتب علاء الديب، مؤلف رواية "زهر الليمون" الذي تطرق فيها إلى معاناة جيل الخمسينات والستينات في مصر، ورحلة البحث عن الذات وسط تأثره بالأفكار الشيوعية والاشتراكية.
تعلق المخرجة فيولا شفيق في حوار خاص مع DW عربية على أسباب اختيار "أريج" عنوانا للفيلم بالإشارة إلى أن كلمة "الأريج" أو الرائحة هي لشيء نشم رائحته (في إشارة إلى ثورة 25 يناير)،قد "تنبعث مرة بقوة ومرة أخرى بحدة أقل، كذلك هو حال الثورة المصرية التي لا يمكننا حاليا تقييم ما إذا كانت قد نجحت أم لا"، وتضيف المخرجة "منذ ثورة 25 يناير حدثت تغييرات على المدى القصير، نحن بانتظار نتائجها، ومادامت لم تتحقق شعارات الثورة كالمطالبة بالكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، فإن الثورة مستمرة".
"أريج" مدينة الأقصر في خطر
تبدأ فيولا شفيق فيلمها بلقطات من ثورة 25 يناير في القاهرة ومشاهد لميدان التحرير ولرش المتظاهرين بالمياه فوق جسر قصر النيل الشهير المؤدي إلى الميدان. بعدها تقرر نقلنا فجأة إلى مدينة الأقصر في فترة ما قبل الثورة وإلى عملية التهجير التي تعرض لها سكانها القريبين من منطقة "طريق الكباش" ومنطقة "القرنة" السياحية بدعوى وجود آثار بحاجة إلى التنقيب عنها. وهو القرار الذي التزم به الأهالي، ليفاجئوا في ما بعد بأنهم خدعوا من قبل المسؤولين والمحافظ وأن الأمر يتعلق باقامة منتجع سياحي استثماري ضخم أطلق عليه اسم "المثلث الذهبي". وعرضت المخرجة في فيلمها الوثائقي عدة مشاهد لهدم بيوت المواطنين، لتشير في الوقت ذاته إلى تجاهل السلطات المصرية للقيمة التراثية لتلك المباني التي بنيت في قرون سابقة وتمثل جزءا من تاريخ المنطقة الممتد إلى العهد الفرعوني. هذا الجزء من الفيلم يجسد حالة الصراع بين المواطن المصري البسيط الذي يوافق على هجر منزله من أجل التنقيب عن تاريخ وطنه، وبين المسؤولين والمقربين من دوائر صنع القرار الذين يحكمهم الطمع والفساد بحثا عن الكسب المادي والثراء حتى لو استلزم الأمر المتاجرة بتاريخ البلد. في هذا السياق توضح فيولا شفيق لـDWعربية، أن أحداث مدينة الأقصر هذه، لم يكن من الممكن إطلاقا الحديث عنها قبل ثورة 25 يناير 2011، وكانت منحصرة فقط بين أهالي الأقصر وحدهم.
جدير بالذكر، أنه في عام 2010 تعرض أيضا صعيد مصر وبالتحديد قرية "المريس" التابعة لمحافظة الأقصر إلى أكبر محاولة لتهجير أهالي هذه المنطقة لتحويلها إلى منشآت سياحية ومطاعم وملاهي ليلية، في مساحة تمتد إلى 550 فدانا، تصنف ضمن أجود الأراضي الزراعية في مصر؛ إلا أن السلطات المصرية تراجعت عن فكرة المشروع، عكس ما حدث في منطقة "القرنة" و"طريق الكباش" التي شهدت فعليا عملية التهجير وهدم المنازل.
اتهام الطبقة المتوسطة
في باقي أحداث الفيلم، تنقلنا فيولا شفيق إلى القاهرة حيث تعرفنا على فتاة محافظة تعمل في مجال تصميم الغرافيك، تسعى إلى تحقيق أحلامها عبر العالم الافتراضي وعبر البرنامج الذي تصممه "الحياة الثانية". بيد أن الملفت في الفيلم هو استعانة المخرجة بالكاتب علاء الديب وكتابه "زهرة الليمون" للمقارنة بين ثورتي 1952 و 2011 . وفي هذا الصدد توضح المخرجة المصرية: " إن ثورة 52 كانت انقلابا عسكريا وأحدثت تغييرا في المجتمع وفي النظام السياسي في مصر، وكانت العدالة الاجتماعية أهم أهدافها. وثورة 25 يناير 2011 طالبت مجددا بتحقيق تلك العدالة الاجتماعية، بعد أن فشلت ثورة 52 في تحقيقها". ومن الرسائل القوية التي طرحها الفيلم، تلك التي جاءت على لسان الكاتب علاء الدين الديب الذي شدد على أن "مفهوم الحضارة يأتي عبر قراءة التاريخ والتعلم من أخطاء الماضي وعدم تكرارها لكتابة تاريخ جديد"، متهما في الوقت ذاته الطبقة الوسطى بـ"الخيانة"، فعلاء الدين أديب المتأثر بالفكر الماركسي يرى أن البرجوازية أو الطبقة الوسطى تستغل طبقة الفلاحين والعمال.
يمكن القول أن فيلم "أريج" يعكس الحالة المزاجية التي يعيشها المجتمع حاليا وهي حالة تخبط وترقب لما سيحمله القادم من الأيام، فالسؤال الذي بات يؤرق المصريين عن "ماذا بعد"؟ "ومصر رايحة على فين؟"، نجحت فيولا شفيق في تقريبه إلى المشاهد، ببراعة، أما ملخص الفيلم قد يكون: الثورة مستمرة...كرامة إنسانية- حرية-عيش.