أردوغان .. "السلطان" المثير للانقسام
١٦ يوليو ٢٠١٦يعد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي تمكن من الصمود أمام محاولة انقلاب ضده خلال الساعات الماضية، أكثر السياسيين إثارة للانقسام في تاريخ الجمهورية الحديثة. ويرى أنصار أردوغان فيه شخصية أحدثت تحولا كبيرا في تركيا لا سيما في مجال الحداثة، في حين يعتبره معارضوه قائدا يزداد تسلطا ويسكت أي انتقادات.
وشهدت تركيا خلال الأشهر الماضية موجة من التفجيرات الدامية نُسب بعضها إلى المتمردين الأكراد في الجنوب ومعظمها إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي يسيطر على مساحات واسعة قريبة من الحدود التركية في سوريا المجاورة. ويواجه حزب أردوغان الحاكم "حزب العدالة والتنمية" اتهامات بالسعي لفرض قيم إسلامية على المجتمع، وهي مسألة من شأنها أن تثير توترا مع الجيش الذي لطالما اعتبر حامي الدولة العلمانية.
توسيع صلاحيات الرئيس
وبعد أن كان رئيسا للوزراء، أصبح اردوغان أول رئيس منتخب مباشرة من الشعب عام 2014، بعد تعديل الدستور بضغوط منه. ويسعى إلى توسيع سلطاته من خلال التعديلات الدستورية لتصبح الرئاسة في تركيا على غرار الرئاسة الأميركية. غير أن الأحداث الخطيرة ليل الجمعة قد تكون زعزعت قبضته على السلطة بشكل لم يكن في الإمكان توقعه.
يعرف أردوغان الحاد الطباع بين أوساطه وأنصاره بلقب "المعلم الكبير"، أو "السلطان". ووصل الرئيس البالغ من العمر 61 عاما إلى السلطة كرئيس للوزراء عام 2003، ونجح في إرساء الاستقرار في البلاد التي طبعت الانقلابات والتحالفات الهشة تاريخها، كما أخرجها من وضع اقتصادي سيء. وتمكن من تقليص نفوذ الجيش بطرد العناصر المعارضة له، أو هكذا قال.
وأثار الشكوك لدى فئة من الأتراك حول احتمال سعيه إلى "أسلمة" المجتمع بعد فرض ضوابط على بيع الكحول والرقابة على الانترنت وحتى محاولة إلغاء سكن الطلاب المختلط في الجامعات الرسمية. وسعى لأن تصبح تركيا من بين أكبر عشرة اقتصادات في العالم في الذكرى المئوية لتأسيسها في 2023، فأطلق سلسلة من مشاريع البنى التحتية الطموحة ومنها شبكة سكك للقطارات العالية السرعة ونفق تحت مضيق البوسفور.
غير أنه تعرض لانتقادات بسبب قصره الرئاسي الذي كلف بناؤه 615 مليون دولار ويضم 1150 غرفة، وقيل إنه إفراط عبثي يفتقر إلى الذوق ويرمز إلى تسلطه المتزايد. وبرز تسلطه خصوصا في إسكات المنتقدين، فتمت محاكمة عدد من الصحافيين وحتى مواطنين عاديين، بتهم إهانة أردوغان أو القدح والذم. وأثار ذلك انتقادات دولية واسعة لرجل رحب به الغرب لإرسائه ديمقراطية مسلمة حديثة على الطرف الشرقي لأوروبا.
لكن في الأشهر القليلة الماضية، تعرضت حكومة حزب العدالة والتنمية لعدد من الأزمات الدبلوماسية، وجعلت من سياسة خارجية سابقة عرفت بـ"صفر مشاكل مع الجيران" أضحوكة. وواجه حكمه تحديا في 2013 عندما تحولت تظاهرات احتجاج على خطط لتطوير حديقة غيزي في اسطنبول إلى تظاهرات عارمة معارضة للحكومة.
ويعرف عنه أيضا الإدلاء بتصريحات غريبة أحيانا كإعلانه مثلا أن المسلمين اكتشفوا القارة الأميركية قبل كولومبوس، وأن النساء دون الرجال، إضافة إلى قوله "سوف نمحو تويتر من الوجود". وأمضى اردوغان أكثر من عشر سنوات على رأس السلطة كأقوى رجل سياسة في تركيا بعد مؤسس الدولة اتاتورك.
بدايته السياسية
ولد أردوغان في حي قاسم باشا في اسطنبول وأمضى طفولته في منطقة ريزه على ساحل البحر الأسود، إذ كان والده ضابطا في خفر السواحل. ثم عاد إلى اسطنبول مراهقا.
نال شهادة في إدارة الأعمال ولعب كرة القدم بشكل شبه احترافي في ناد اسطنبولي. مع بروز نجمه وسط الحركة الإسلامية، تولى رئاسة بلدية اسطنبول عام 1994 وواجه مشاكل كبرى في المدينة الضخمة، التي تضم 15 مليون نسمة، كزحمة السير الخانقة وتلوث الهواء.
شارك في التظاهرات الاحتجاجية لدى حظر الحزب الإسلامي الذي كان ينتمي إليه، وسجن أربعة أشهر للتحريض على الحقد الديني بعد تلاوته قصيدة إسلامية. في 2001، أسس أردوغان إلى جانب حليفه عبد الله غول، حزب العدالة والتنمية المنبثق من التيار الإسلامي الذي فاز في كل الانتخابات منذ 2002 إلى حزيران/ يونيو العام الماضي عندما خسر الغالبية للمرة الأولى.
واستعاد الحزب الغالبية المطلقة في تصويت ثان في تشرين الثاني/ نوفمبر ليعزز آمال أردوغان مرة أخرى في ترسيخ نفوذه. ومن أقوال أردوغان إن "حزب العدالة والتنمية ولدي الخامس"، إلى جانب ابنيه وابنتيه.
ع.خ/ ع.ج (أ ف ب)