أخيرا السوداني إلى واشنطن .. حقيبة الأمن والدولار وإيران
١٣ أبريل ٢٠٢٤لعلها أصعب زيارة لرئيس حكومة عراقية إلى البيت الأبيض، هي زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى واشنطن بدعوة تأخرت كثيرا. إذ يرى مراقبون أن زيارته المرتقبة يوم (15 نيسان/ أبريل 2024) تأتي في ظروف صعبة تمر بها المنطقة وتشغل واشنطن، أبرزها الحرب في غزة والتوتر بين إيران وحلفائها من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، خصوصا وأن هناك من يعتبر في واشنطن أن حكومة السوداني، حكومة "مدعومة من الفصائل المسلحة"، في إشارة إلى طبيعة تشكيل الحكومة التي ولدت ولادة صعبة بعد مخاض امتد إلى أكثر من عام، بسبب خلافات سياسية شيعية – شيعية وكذلك مع الأطراف السياسية الأخرى.
ويرى المحلل السياسي العراقي المقيم في واشنطن نزار حيدر في حوار مع DW عربية أن "واشنطن كانت تراقب أداء الحكومة وتعتقد أن السوداني نجح في بعض الملفات ويسعى للنجاح في ملفات أخرى وعلى رأسها ملف صرف الدولار وملف الطاقة وقضية محاولاته لحصر السلاح بيد الدولة".
ويرى حيدر أن هناك ثلاث ملفات رئيسية تهتم بها واشنطن، أشار إليها بيان دعوة البيت الأبيض للسوداني، أولها ملف إعادة تنظيم علاقة العراق مع التحالف الدولي أي التواجد العسكري الأمريكي وغير الأمريكي في العراق. الملف الثاني المهم يتعلق بالإصلاحات المالية التي تنفذها حكومة السوداني، إذ ترغب "واشنطن بالسيطرة على حركة الدولار، لأن واشنطن ترى أن العراق لا يقوم بما فيه الكفاية لوقف تهريب الدولار إلى إيران، وكذلك غسيل الأموال، بالإضافة إلى تمويل الإرهاب، في إشارة إلى الثروات التي تجمعها الفصائل المسلحة في العراق". الملف الثالث يهتم باستقلال العراق في إنتاج الطاقة الكهربائية وخصوصا مسألة استيراد الغاز من إيران لإنتاج الطاقة أو استيراد الكهرباء من إيران مباشرة والذي يتعارض مع العقوبات التي تفرضها واشنطن على طهران.
لا مناص عن الانسحاب
تعتقد الباحثة في العلوم السياسية نوال الموسوي في اتصال مع DW عربية " أن انسحاب القوات الأمريكية وقوات التحالف على رأس أولويات "الإطار التنسيقي"، ولذا سيأخذ السوداني هذا الملف معه لإرضاء الإطار التنسيقي". وهو ما أشار إليه المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي كما نقلت عنه وكالة الأنباء العراقية: "هذا الملف محسوم من الطرفين العراقي والأمريكي، والحكومة العراقية جادة بنسبة 100% في هذا الموضوع، ولا يمكن لرئيس الوزراء أن يجامل بهذا الموضوع أو يناظر فيه، إذ يتعلق بمستقبل العراق وسيادة البلد وغير قابل للمناورة".
نوال الموسوي تتفق مع نزار حيدر، أن الملف الثاني "هو ملف العقوبات التي تفرض على مصارف أهلية عراقية بسبب تورطها بملفات تهريب الدولار إلى إيران ". فمن بين الملفات التي سيتم التباحث فيها خلال الزيارة أيضاً، الملف المالي وما يتعلق بقرارات الخزانة الأمريكية وتأثير المصارف العراقية والديون المترتبة على العراق.
الخلافات بين بغداد وأربيل
تغريدات السفيرة الأمريكية تركز على الشراكة الاستراتيجية الدائمة والشاملة بين واشنطن وبغداد، على كل المستويات ومن بينها حتى الجوانب الثقافية والصحية. لذا سيكون الوفد المرافق للسوداني كبيرا. يشار إلى أن السفيرة الأمريكية في بغداد إلينا رومانوسكي معروفة بنشاطها الدبلوماسي ولقاءاتها مع كل قيادات القوى السياسية، عدا التيار الصدري بقيادة السيد مقتدى الصدر ، الذي طالما طالب بانسحاب كل القوات الأمريكية من جهة وانتقاداته للفصائل العراقية المسلحة القريبة من إيران.
وقبيل الزيارة المرتقبة وجه أربعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي إلى الرئيس بايدن رسالة بشأن دعوة السوداني إلى زيارة البيت الأبيض، حثوا فيها بايدن على مناقشة ملفات صعبة مع السوداني، ومن بينها العلاقة بين بغداد وأربيل، "وهو ملف مهم جدا بالنسبة للمشرعين في واشنطن، حيث تكرر ذكر هذه القضية كثيرا في الرسالة التي بعثها المشرعون إلى بايدن"، بحسب نزار حيدر. ويضيف في حواره مع DW عربية "السوداني لم يرغب في التوجه إلى واشنطن دون لقاء المسؤولين الكرد، "السفيرة الأمريكية دفعت للقاء بين السوداني وبرزاني" فنجح السوداني بترحيل الأزمة قبيل التوجه إلى واشنطن ليخفف من ضغوطات متوقعة خلال زيارته". إذ يشكل ملف الخلافات بين العاصمة بغداد وحكومة إقليم كردستان خصوصا ملف تصدير النفط العراقي من كردستان من دون موافقة بغداد ومسألة رواتب الموظفين في الإقليم، قضية، لذلك استقبل رئيس الإقليم نجيرفان برزاني يوم السبت (السادس من نيسان/ أبريل) في بغداد.
العراق.. نفوذ أمريكي
الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية باسم العوادي صرح لوكالة الأنباء العراقية أن "رئيس الوزراء، لا يريد أن يذهب إلى واشنطن في زيارة من أجل الزيارة فقط، بل يريد لهذه الزيارة أن تكون ناجحة وتتبلور منها نتائج واقعية وفعلية تؤثر إيجاباً في الداخل العراقي وتنعكس على الجانب الإقليمي وتطور من أبجديات العلاقة العراقية الأمريكية"، منوها أن "الزيارة كان مرتب لها أن تكون في أواخر العام الماضي 2023، لكن الحرب على غزة أثرت في ذلك".
العوادي قال إن الحدث الداخلي الأمريكي ويعني به الانتخابات الرئاسية واحتمال عودة الرئيس السابق ترامب إلى البيت الأبيض، يشغل الساحة الأمريكية والعالم بانعكاساته، وبالتالي أن "يفرد الرئيس بايدن في ظل هذه الأزمة، موعداً للقاء برئيس الوزراء العراقي، ويقطع حملته الانتخابية ويسخر عدة أيام للعراق والوضع فيه، إشارة واضحة على احترام رئيس الوزراء ومكانة العراق السياسية والدولية".
فيما ترى الباحثة في العلوم السياسية نوال الموسوي أن الأوليات بين واشنطن وبغداد غير واضحة المعالم، ولعل تنشيط الاتفاقية الأمنية (اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي وقعت عام 2008) هو أهم أهداف أمريكا في العراق. كما ترى أن بقاء أو مغادرة بايدن البيت الأبيض سيلعب دورا في طبيعة العلاقات مع بغداد، فالجانب الأمريكي لم يأخذ قراره النهائي تجاه طبيعة التعاون مع بغداد، أحيانا يعتمد على رؤية مختلفة بين الجمهوريين والديمقراطيين. وتشير إلى أن ملفات العراق لم تكن لها أولوية في فريق بايدن، لكن مع اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا والحرب في غزة تغيرت الأوضاع.
وتنتقد الموسوي تأخر دعوة السوداني إلى واشنطن ربما لسبب يعود إلى تغيير أولويات البيت الأبيض تجاه القضايا الدولية، والمنطقة العربية لم تعد ضمن أولوياتها الكبيرة. هذه السياسة تسببت بخسارة الجانب الأمريكي العديد من الحلفاء الموثوقين، "فمثلا شاهدنا زيارة الرئيس الروسي بوتين إلى السعودية واجتماع الرئيس الصيني مع مجلس التعاون الخليجي. روسيا تتحرك في المنطقة وكذلك الصراع بين روسيا وأمريكا كبير والعراق لا يفترض أن يكون ساحة له. والعراق فعليا منطقة نفوذ أمريكية".
يشار إلى السوداني كان قد زار موسكو في شهر تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2023، والتقى الرئيس الروسي بوتين ووجه رسائل يراها مراقبون متعمدة إلى واشنطن.
نزار حيدر يعتقد أن السوداني "سيواجه خطابا ناعما خلال زيارته البيت الأبيض". وسيواجه خطابا "خشنا" من الكونغرس، ربما أيضا من جانب الإعلام الأمريكي أيضا.