أحمد منصور: إصلاح الدين الإسلامي مرهون بمنع تسييسه
١٥ أكتوبر ٢٠١٤DW: سيد منصور، أنت من المطالبين بإصلاح فهم الإسلام، كيف السبيل إلى ذلك؟
أحمد منصور: الإصلاح عملية تحتاج لوقت. خلال هذه العملية علينا أن نقدم للشباب إسلاما ينبذ التطرف، ويحررهم من الخوف ومن التصورات الخاصة بإله يمارس العقاب، كما يجب علينا تحرير أنفسنا من محرمات الجنس ومن التربية الأبوية- البطريركية بشكل يسمح لنا بطرح الأسئلة الجريئة والتشكيك والتخلص من الإيمان المتحجّر والقبول بالتفسيرات الفردية المختلفة.
أهداف طموحة، لكن السؤال من سيقوم بذلك، لاسيما وأن هنالك من يلاحظ أن وجود المتطرفين أمثال يوسف القرضاوي أكثر من المصلحين أمثال مارتن لوثر؟
هذا بالطبع السؤال الأهم. القرضاوي والأئمة أمثاله يشكلون عقبة، لأنهم يحاولون احتكار فهم الإسلام وفقا لرؤيتهم الخاصة. إنهم يتصرفون مثل "داعش" و "القاعدة"، هم يستخدمون الإسلام كأداة سياسية، وهو أمر يجب عدم حصوله. لكننا لا نعيش في الأردن، أو في السعودية أو في غزة حيث لا يُسمح ربما بطرح أسئلة، بل نعيش في ألمانيا في نظام ديمقراطي. إذا حررنا الشباب في ظل هذا النظام من تربية الخوف سنتمكن ربما من كسبهم والوصول إليهم.
صحيح أننا لا نعيش في العالم العربي، بل في عصر الإنترنت، كيف يمكن الحد من التأثيرات الخارجية؟
لا يمكننا تجنب آراء مختلفة وأحيانا متطرفة جدا في فيسبوك مثلا. الشباب يحتاج إلى بدائل مناسبة، إذا كان المرء يعيش في ألمانيا ويرى الناس كيف يمارسون عباداتهم بأشكال مختلفة، فإنه سيصبح أقل تأثرا بالتطرف أو لن يتأثر به.
لكن هنالك من يشير إلى وجود حوافز تقدر بمليارات البترودولار لجمعيات وتنظيمات متطرفة في أوروبا والعالم تأتي بالدرجة الأولى من السعودية وقطر، كيف يمكن حماية الشباب من إغراءات هذه الحوافز؟
هذه الأموال لا تصل إطلاقا إلى الشباب، كل ما يحصلون عليه في أوروبا هو تقديم إسلام حسب تصورات شيوخ من السعودية وقطر. المشكلة أنه لا يوجد حاليا بدائل أمام الشباب، لكن لدينا في ألمانيا إمكانات كثيرة، وهناك أموال يمكننا استثمارها في مهام وقائية من أجل مواجهة التأثيرات الخارجية وغيرها.
هل لك أن توضح أكثر هذه النقطة؟
يمكننا على سبيل المثال تصنيف شركائنا. معظم الجمعيات الإسلامية في ألمانيا تعد بمكافحة التطرف وتحصل على أموال من أجل ذلك، لكنها على العكس من ذلك تشجع على التطرف. هذه الجمعيات ترفض النقاش في قضايا معنية بسبب علاقات تقيمها مع الخارج. إذا تمكّنا من اختيار شركائنا بشكل جيد، سيكون بإمكاننا إيجاد أناس يريدون حقا إصلاح الإسلام وإقامة هياكل ديمقراطية. في هذا السياق اسأل نفسي على سبيل المثال، لماذا نريد مكافحة "داعش" في وقت لا نسمع فيه كلمة عن الإخوان المسلمين. هؤلاء ينشطون بشكل أقوى في ألمانيا، وربما يحاولون كسب العقلاء لاختراق المجتمع.
هل تقصد أنه هناك استهانة غير مبررة بدور الإخوان المسلمين من قبل صناع القرار السياسي؟
بكل تأكيد، للأسف، أيضا لأننا الآن وبشكل أساسي نريد فقط مكافحة السلفيين.
ولكن ألا يعني هذا أن مشروع الإصلاح فشل طالما أن السياسيين ليسوا جادين في إصلاح فهم الإسلام، هل لديك انطباع بأنهم سيأخذون الأمر بجدية الآن؟
بالطبع لا، وهذا جزء من المشكلة، لكن المشروع لم يفشل. لدينا الآن سياسيين غير قادرين على فهم ما يجري هنا، لكن في المستقبل سيكون لدينا صناع قرار سياسي يفهمون الأمر، وسيكون لدينا جيل من المسلمين الذين شبعوا من أن يكونوا دائما ضحية التطرّف. إن الإصلاح يبدأ من المدرسة ثم إلى المجال السياسي ومنه إلى داخل المكوّن الإسلامي. فقط بذلك يمكننا تحقيق أهدافنا. حاليا لا أجد فرصا كبيرة، لكن لا يمكننا الاستسلام. يجب علينا المضي قدما حتى نتمكن من تقديم بدائل للشباب.
الطموح أمر جيد، لكن مشاريع كثيرة لإصلاح فهم الإسلام طرحت منذ سنوات طويلة أيضا في أوروبا وجميعها فشلت، لماذا برأيك؟
القضية ليس قضية فشل، المسألة أنه لا يوجد خيارات لدينا سوى خيار إصلاح ديننا. وإذا لم نقم بذلك فإننا سنكون شهودا على تطرف المزيد من الشباب ورفضهم لهذا المجتمع.
أي دور يلعبه رجال الدين وخاصة الوعّاظ منهم في عملية الإصلاح التي تنادي بها؟
هؤلاء جزء من المشكلة طالما أنهم يأتون من الخارج ولا يفهمون الشباب والمجتمع الذي يعيشون فيه، لكن إذا كان لدينا وعّاظ درسوا الدين بشكل علمي، وتشبعوا بقيم الديمقراطية، ولديهم القدرة على طرح أسئلة جريئة وتناولوا مشاكل الشباب دون خوف من الأسئلة المحرّمة، عندها سيكون هؤلاء جزءا من عملية الإصلاح.
سيد منصور، في مقال لك نشرته مجلة دير شبيغل كتبتَ في إطار ردود الأفعال على الإرهاب أنه لا يكفيك نأي المسلمين بأنفسهم عن داعش، لماذا لا يكفي هذا؟
شهدنا في الصيف حرب غزة، حيث خرج مئات الآلاف إلى الشارع للتظاهر ضد هذه الحرب. إنه أمر جيد وأنا ضد هذه الحرب، غير أنني اسأل نفسي أين هؤلاء عندما يتعلق الأمر بإرهاب "داعش"؟ أرى في ذلك ازدواجية أخلاقية، لأن عدد الذين الناس قتلتهم "داعش" أكبر بكثير من عدد الذين قتلتهم الهجمات الإسرائيلية.
السؤال الثاني، ماذا ينفع القول الدائم بأن أعمال العنف لا علاقة لها بالإسلام. هذا القول لا يدفعنا سنتمترا واحدا إلى الأمام. إن تجنبنا النقاش في قضايا معينة فهذا يخلق التربة الخصبة للتطرف، والجمعيات هي من يتجنب ذلك بشكل أساسي، فهي ليست مهتمة بطرح أسئلة نقدية، أين هذه الجمعيات اليوم، ولماذا ترفض هذا النقاش دائما؟!
أليست المسألة تنظيمية، خاصة وأن الغالبية الساحقة من المسلمين ضد الإرهاب؟
الناس الذين يعيشون حياتهم اليومية بروحانية ليس لهم علاقة مع "داعش"، غير أن الذين يعتمدون محتويات معينة تقوم على التخويف والتابوهات كجزء من دينهم يساعدوا على التطرف. على ضوء ذلك لا يفاجأ المرء بذهاب شباب إلى العراق للموت كشهيد والذهاب إلى الجنة طالما اعتقد بأن الله سيعاقبه. البعض الآخر منهم يقول لا أريد بعد أن أكون ضحية بعد اليوم، وعليه أريد الانضمام إلى "داعش" والقتال من أجل دولة إسلامية. إذا أردت معالجة المشكلة بعمق فعلينا التمتع بالجرأة للنقاش في هذه المحتويات، فمثل هذا النقاش لن يكسر الإسلام، بل سيجعله أقوى من قبل.
اعتقد أنك لا تحصل على المديح فقط، كيف تتعاطى مع الانتقادات؟
تصلني دائما ايميلات ليست جميلة، غير أنني لا أخاف. أسهل شيء بالنسبة لي هو تجاهلها.
سؤال أخير، هل تلعب عن قصد دور " المغرّد خارج السرب" داخل المكون الإسلامي؟
لا، أريد االمزيد من لأصوات النقدية، لست فقط في التلفزيون والراديو. أعمل مع الشباب بشغف وبشكل يومي، لأن الأمر بالنسبة لي قضية وليس موضوع الحصول على الشهرة، أو القول بأن الإسلام شرير، وغير معتدل وليس قابلا للإصلاح. أنا نفسي مسلم، أريد أن أقدم للشباب إسلاما دون تطرف، إسلاما يعيشون معه مع بقية الثقافات والأديان جنبا إلى جنب.
أحمد منصور، دبلوم في علم النفس وبعمل في مشاريع شبابية تتناول الإسلام السياسي، والتطرف والمساواة بين المرأة والرجل.
أجرى الحوار: ابراهيم محمد