أجواء رمضان تبهر سكان برلين وتلهب حنين المهاجرين العرب
١ يوليو ٢٠١٦"لم يعد شهر رمضان بالنسبة لي غريبا فانا أعيش في هذا الحي ذي الغالبية المسلمة منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود، أفرح بقدوم هذا الشهر المتميز والمقدس لدى المسلمين لأن الحياة هنا تتغير تماما كما ترون لتنبعث حياة جديدة في شوارع الحي والمحلات التجارية المسلمة الممتدة على طول الشارع." في حي الموابيت البرليني.
بهذه الكلمات شرعت السيدة شرلوتي في إبداء انطباعاتها مبتسمة وهي تنظر ذات الشمال تارة وذات اليمين تارة أخرى، محدقة بنظارتها في المارة من العرب والأتراك وهم على عجلة من أمرهم في جولات التسوق، يحملون أكياسا بلاستيكية متعددة الألوان مليئة بما طاب ولذ من الغلال والألبان والحلويات... التي ستعرض مساء بعد غروب الشمس على طاولة الإفطار.
أما السيدة كرستينا ذات الأصول البفارية والتي تعيش في برلين منذ سنوات قليلة من أجل الدراسة الجامعية، والتي كانت تقف أمام أحد المحلات العربية المكتظة بالمتسوقين، منغمسة في اختيار الخضار المعروضة خارج المحل، فتقول:"إن كل ما يعجبني في هذا الشهر هو التخفيضات في الأسعار في بعض المنتجات الشرقية التي لا تجدها في المتاجر الألمانية الكبرى وإن وجدتها فهي باهظة الثمن. هنا يمكن للمرء أن يعيش أجواء شهر رمضان وأعتقد أن غالبية السكان من الألمان في هذا الحي يفرحون بحلول هذا الشهر نظرا للطابع الشرقي الذي يطغى على مثل هذه الشوارع، ناهيك عن كثرة المنتوجات الشرقية التي تعرض خصيصا في الشهر على غرار التمر الهندي والتمور المتنوعة الألوان والأشكال دون أن أنسى الحلويات المتنوعة كعش البلبل والبقلاوة وغيرها ...".
المتجول في هذا الشارع البرليني الواقع في حي الموابيت ذي الغالبية المسلمة من أتراك وعرب، يلاحظ كيف يُقبل المتسوقون على اقتناء البضائع وهم يتنقلون من متجر لآخر، كما يرى حلقات صغيرة من المتسوقين يتجاذبون أطراف الحديث، يتحدثون عن غلاء هذا المنتوج أو ذاك وقد ظهر عليهم الإعياء.
الحنين للبلد في رمضان بالمهجر الألماني
السيد حمزة شاب سوري يعيش في برلين منذ حوالي 9 أشهر في إحدى المبيتات الجماعية في حي فلمارسدورف الواقع في الشق الغربي من المدينة وأغلب سكانه من الألمان، جاء إلى برلين فارا من الحرب الدائرة في بلاده سوريا، وها هو اليوم يصوم رمضان لأول مرة في حياته بعيدا عن الأهل والخلان. وحول شعوره في هذا الشهر المتميز بالنسبة إليه يقول الشاب حمزة:"في الحي الذي أقطن فيه لا تشعر أبدا بالأجواء الرمضانية التي نعرفها في بلادنا العربية أو هنا في حي موابيت، لذلك اتنقل إلى هنا لأشعر بهذا الشهر الكريم. هنا التقي ببعض الأصدقاء لنشرع في رحلة التسوق من متجر لآخر". لقد كان الشاب حمزة مسرورا بتواجده في شارع تورم شتراسي، فهنا يذكره الشارع شيئا ما بحياته الرمضانية في مدينة حلب السورية حيث كبر ونشأ، بالرغم من الطابع الشرقي الطاغي على الحي، يرى اللاجئ السوري اختلافا عن أجواء حلب الرمضانية.
يفتقد حمزة هنا في برلين في هذا الشهر، كما يقول، ليس الأكلات الرمضانية الحلبية المتميزة التي تحضرها والدته في مثل هذا الشهر للعائلة، بقدر ما يفتقد عائلته فردا فردا وأجواء الإفطار سوية مع كل أفراد العائلة وهم يحكون القصص الطريفة أو النكت، ويضيف حمزة قائلا: "رغم أنني اكتسبت أصدقاء عرب تعرفت عليهم في برلين إلا إنني افتقد كثيرا إلى أهلي و إلى الجو الرمضاني العائلي الذي تعودت عليه في وطني وبين أحبتي، فضلا عن الجلسات الليلية التي تطول حتى ساعات الليل المتأخرة مع الخلان والأقارب في المقاهي الحلبية."
رمضان تحول إلى ظاهرة في برلين
أما السيد بومدين الذي يعيش في برلين منذ ما يزيد عن الأربعين عاما والقادم من الشرق الجزائري، فله رأي آخر، حيث يقول"أقضي شهر رمضان الكريم هنا في برلين، لقد تعودت على هذه الأجواء الرمضانية البرلينية بين العرب والأتراك. صحيح أن أهلي بعيدون عني وأشتاق إليهم في مثل هذه المناسبات الدينية الهامة بالنسبة لي كمسلم، إلا أن غالبية أصدقائي يعيشون هنا في برلين في حي موابيت، ألتقي بهم مثلما ترون عند التسوق أثناء اقتناء مستلزمات من المتاجر الإسلامية، نلتقي هنا لنتبادل أطراف الحديث في مواضيع شتى، أما مساءا عقب الإفطار فأذهب للمسجد القريب مني للصلاة وهناك أيضا بعد الصلاة أذهب مع أصدقائي سوية للمقهى لنحتسي شيئا من الشاي والحديث في واقعنا العربي الأليم...".
كان يتحدث بومدين وهو يمسح نظارته الشمسية مبتسما ويلقى بنظرات لحفيده الواقف على يمينه، متطلعا إلى الشمس التي بدأت تتجه إلى الغروب.
ويستفيض بومدين في الحديث عن المساجد التي تستقطب في شهر رمضان أعدادا كبيرة من المصلين أكثر من أي شهر آخر خلال العام لأداء صلاة التراويح بعد العشاء. ولمثل هذه المناسبات الدينية تستعد المساجد البرلينية كل يوم لاستقبال "ضيوف الرحمان". ويضيف قائلا:"يتزايد إقبالي على المسجد في هذا الشهر حيث أجد الراحة والطمأنينة والسعادة التي تذكرني بأهلي وأحبتي في وطني الجزائر."