DW تحاور المعارض التركي عثمان كافالا في سجنه.. فماذا قال؟
٩ مايو ٢٠٢٣عندما زارت دويتشه فيله (DW) عثمان كافالا في السجن في نهاية عام 2019، كان الرجل لا يزال على يقين بأنه سيُطلَق سراحه قريباً. لكن الأمور سارت بشكل مختلف؛ فبقي كافالا خلف القضبان منتظرا صدور حكم بشأنه. وفي أبريل/ نيسان 2022، حكمت عليه محكمة في إسطنبول بالسجن مدى الحياة.
كان الاحتجاج العالمي عارمًا، وكانت ألمانيا أيضًا من الدول التي أدانت بشدة قرار المحكمة. كافالا، رجل الأعمال والناشط في الحقوق المدنية وراعي الفنون ورجل البر، متهم بتنظيم وتمويل احتجاجات غيزي عام 2013. آنذاك، كانت الاحتجاجات موجهة في البداية ضد بناء مركز تسوق، وفيما بعد كانت موجهة ضد حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان.
ومن أجل الفيلم التسجيلي لـ DW بعنوان: "عثمان كافالا: صوت من داخل السجن"، تمكنت ليندا فيرإيكه، مراسلة DW، من إجراء مقابلة معه مرة أخرى، لكن جاءت هذه المرة مقابلة خطية.
DW: لماذا الحكومة (التركية) قلقة من رؤيتك حرا طليقا؟
عثمان كافالا: سجني الطويل يؤدي إلى الانطباع بأن الادعاءات الملفقة ضدي صحيحة. وقد صرح الرئيس (التركي) مرارًا وتكرارًا أن ذنبي هو سبب سجني. ويمكن أن يُفهَم هذا القول أيضًا بأن سجني هو مؤشر على ذنبي. فإذا تم الإفراج عني، سيتبين أن الاتهامات الموجهة إلي كانت ملفقة وأن غيزي كانت محاكمة صورية.
كيف شاركت في احتجاجات غيزي قبل عشر سنوات؟
عندما علمت لأول مرة بخطة الحكومة لبناء مركز تجاري من شأنه أن يدمر الحديقة (غيزي بارك) بالكامل، انضممت مع زملائي إلى حملة لإقناع الحكومة والرأي العام بأن هذه كانت فكرة مرعبة.
مكتبي يقع بجوار الحديقة تقريبا. لذا تمكنت من متابعة الشباب الذين كانوا يتجمعون هناك والتحدث إليهم. لقد تأثرت بتصميمهم على حماية الحديقة. (وتأثرت) بإحساسهم الشديد بالعدالة وروح التضامن. لم يكن لمعظمهم أي ارتباط بأي منظمة وربما كانت هذه هي المرة الأولى التي يشاركون فيها في عمل كهذا. أثناء الاحتجاجات، أحضرت معي مكبر صوت وطاولة بلاستيكية إلى الحديقة. وهذان إضافة إلى بعض قطع البسكويت هي الأدلة، الأدلة الوحيدة، التي ذكرت في لائحة الاتهام لدعم التهمة بأنني مولت الاحتجاجات.
ما رأيك في اتهام الحكومة لك بأنك تقف وراء احتجاجات غيزي؟ هذا لم يثبت قط.
في تركيا حاليا، لم يعد وضع شخص ما خلف القضبان يتطلب بالضرورة محاولة جادة لإثبات عمل إجرامي مفترض والبحث عن أدلة ملموسة، ما دامت الحكومة تنظر إلى شخص ما على أنه مذنب.
في حالتي، بدأ السيد أردوغان في توجيه ادعاءات خطيرة ضدي قبل صياغة لائحة الاتهام. أعتقد أنه لا الحكومة ولا المدعون الذين أعدوا لائحة الاتهام يصدقون في الواقع الادعاء السخيف بأنني خططت ونظمت الاحتجاجات بالتعاون مع جورج سوروس. كان واضحا منذ البداية أن الاحتجاجات كانت عفوية وليس لها هيكل قيادة مركزي. (ملاحظة المحرر: كافالا كان أحد مؤسسي الفرع التركي لمؤسسة المجتمع المنفتح للمحسن الأمريكي جورج سوروس، التي تروج للحركات الديمقراطية لكنها أوقفت أنشطتها في تركيا في عام 2018).
هل توافق على الحجة القائلة بأن الحكومة تحاول بعقابك إرسال رسالة إلى العالم الغربي؟
أعتقد أن ملاحقتي نقلت العديد من الرسائل التي كانت موجهة في المقام الأول إلى الجماهير المحلية. وكما ورد أيضًا في قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لعام 2019 بشأن قضيتي، فإن اعتقالي يبعث برسالة إلى نشطاء المجتمع المدني، تحذرهم من الانخراط في أنشطة تعتبرها الحكومة تخريبية.
كانت رواية القوى الأجنبية التي يُزعم أنها تنظم مؤامرة مناهضة للحكومة مُعدة لتجريم أحداث غيزي. كما تم استخدامها لوصم مظاهرات الشوارع الأخرى أيضًا. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر تلك القضية مثالا يبين للقضاء كيفية التصرف واتخاذ القرار وفقًا لرؤية وأولويات الحكومة. الرسالة الفعلية هي أنه إذا اعتبر الرئيس، بصفته السلطة السيادية، شخصًا ما مذنبًا، فلا يمكن للقانون المحلي أو الدولي منع ملاحقته.
لقد بذلت الكثير من العمل في مدينة ديار بكر خصوصا في المجتمع الكردي، فلماذا كان ذلك مهما لك لهذه الدرجة؟ هل اعتبرت ذلك في وقت من الأوقات مساهمة خطيرة؟
في سنوات مبكرة، أتيحت لي الفرصة لزيارة ديار بكر ومدن أخرى جنوبية شرقية (جنوب شرق تركيا). ومن خلال هذه التجربة أدركت أن هذه المنطقة من بلدي مختلفة جدا. ساعدتني محادثاتي مع الأصدقاء الأكراد على فهم أفضل لشعورهم تجاه السياسات القمعية والتمييزية التي يتعرضون لها والأطر السياسية المختلفة في المنطقة.
اعتقدت أن تعزيز الاتصالات الشخصية والتواصل والتعاون بين الفنانين والكتاب والمثقفين من إسطنبول وديار بكر سيؤدي إلى تنمية التفاهم المتبادل وبالتالي الثقة. لأن الثقة ضرورية للشعور بأنك عضو في نفس المجتمع. بناء على تجربتي، تلعب الفنون والبرامج الفنية دورًا مهمًا في بناء الجسور الذهنية والشعورية، فهي تسمح بمشاهدة ومناقشة قضايا المحتوى السياسي في جو غير عدائي.
في رأيك، لماذا وضعتك الحكومة في بؤرة الاهتمام؟
ورد في لائحة الاتهام، التي أعدت ضدي، أنني تعاونت مع مجموعات من الأقليات لتحريضهم ضد الحكومة وأن هذه الأنشطة تمت خلف ستار برامج ثقافية. نحن نعمل في جنوب شرق تركيا منذ 20 عامًا وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها توجيه مثل هذا الاتهام الباطل من قبل هيئة رسمية. وفي رأيي، أن هذا يظهر زيادة في صعود عقلية استبدادية في المجال السياسي، لديها ميول معادية للأقليات.
لماذا توجهت إلى "حقل الألغام" هذا بالذات، مع أنك كنت تعلم أنه من الخطر التدخل في مثل هذه القضايا؟ كان من الممكن أن تركز فقط على كسب المال مثل كثيرين آخرين أيضا؟
كسب المال أمر حسن، لكني أعتقد أنها ميزة عظيمة أن أعيش في مجتمع يشعر فيه الناس من مختلف الأديان والأعراق بأنهم مواطنون متساوون. وحيث يمكن للفقراء والأغنياء التمتع بنفس الخدمات العامة. إن القناعة بأن المرء، من خلال عمله، يساهم في إنشاء مثل هذا المجتمع يمنح المرء أيضًا إحساسًا بالإثراء؛ على الرغم من بعض المخاطر المرتبطة بذلك.
أخبرنا عن روتينك اليومي في السجن: ماذا تفعل بوقتك؟
ليس لدي أي شكوى حول الظروف والمعاملة هنا. وأعتقد أن هذا أحد أفضل السجون التي تدار في تركيا. أنا موضوع في زنزانة انفرادية، وأقضي معظم وقتي في القراءة، وخاصة الأدب والفنون، وهو أمر مهم جدًا بالنسبة لي للحفاظ على صحتي العقلية. أشاهد الأخبار على قنوات تلفزيونية مستقلة، كما أحصل على الصحف كل يوم. خلال النهار، لدي الفرصة لاستخدام الفناء الداخلي الصغير الخاص بي لممارسة المشي.
في الصيف أطعم العصافير التي تقع أعشاشها على الحائط. كما أتابع طيور النورس وهي تطير باتجاه البحر. كما أحب أن أتابع الغيوم وأشكالها وحركاتها. ومن خلال ذلك أشعر بأنني أقرب إلى الطبيعة.
أتلقى رسائل من الأصدقاء وغالبًا من أشخاص لم أكن أعرفهم من قبل. أحاول الرد عليهم. يمكنني التحدث مع زوجتي على الهاتف لمدة ساعة كل أسبوع مع وجود لوح زجاجي بيننا، ومرة واحدة في الشهر بدون شاشة. وبالنسبة للقاءات مع المحامين؛ فلا يوجد حد زمني
وإذا أيدت محكمة النقض (ملاحظة المحرر: الدرجة الأخيرة لمراجعة الأحكام الصادرة عن المحاكم الجنائية والمدنية في تركيا) عقوبة السجن المؤبد المشدد، فإن الظروف ستصبح أسوأ بكثير.
ماذا كان أول رد فعلك على تشديد عقوبة السجن المؤبد؟ كيف تشعر الآن؟
كنت أتوقع عقوبة السجن لعدة سنوات لأنها كانت ضرورية لتبرير سجني الطويل والتعسفي. لم أكن أعلم أنه سيُحكم علي بالسجن المؤبد بناءً على نفس الأدلة التي وجدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أنها غير كافية لتوقيفي.
في جلسات الاستماع السابقة، ترك تمديد فترة توقيفي دون مبرر مناسب شعوراً قوياً بالظلم. وعندما سمعت الحكم شعرت بحزن عميق على وضع القضاء والقضاة في بلدي.
هناك العديد من السجناء الذين تم سجنهم أو إدانتهم بقرارات تعسفية، ومنهم عدد ليس بالقيل متواجدين وراء القضبان لفترة أطول مما أنا عليه الآن. ومع ذلك، أعتقد أن المراحل المختلفة لهذه العملية السياسية، واستخدام التهم المختلفة لإطالة أمد احتجازي -وأخيرًا هذا الحكم- توضح تمامًا التلاعب في الإجراءات القضائية في تركيا وإساءة استخدام نظام العقوبات التركي. أحاول الحفاظ على هدوئي الداخلي وانتظر تحولا سياسيا في بلدي.
الانتخابات على الأبواب، فما هي آمالك ومخاوفك؟
حقيقة أن هناك ستة أحزاب معارضة من مختلف أجزاء الطيف السياسي قد شكلوا تحالفًا وأنهم وضعوا برنامجًا تفصيليًا يوضحون فيه كيف يعتزمون حكم تركيا معًا لهو أمر واعد للغاية.
ويركز البرنامج بشكل محوري على استعادة الحقوق والحريات، والعودة إلى النظام البرلماني، وضمان استقلال القضاء. وأعتقد أن الوضع الاقتصادي المتدهور وتجارب الزلزال - التي زادت من الشعور بعدم قدرة الحكومة على إنقاذ أرواح مواطنيها – هي التي دفعت إلى زيادة المطالب الشعبية بالتغيير.
ومن المحتمل جدًا أن تخسر الكتلة الحاكمة المكونة من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية (MHP) مقاعد الأغلبية في البرلمان ويمكن أن يفوز كمال كيلجدار أوغلو بالرئاسة. ومن المحتمل أن يدعمه حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد ،على الرغم من أنه ليس جزءًا من هذا التحالف المكون من ستة أحزاب.
أتطلع إلى مستقبل تركيا وكلي أمل. لدينا معارضة سياسية قوية ذات تقاليد عميقة الجذور وشبكة تنظيمية. في الانتخابات الأخيرة للبلديات والمحليات، فازت المعارضة بكل مناصب العمدة تقريبا في مدن كبرى مهمة. وهناك مجال لنشاط ديمقراطي سياسي ومدني لا يمكن قمعه ويمنع الانتقال إلى نظام استبدادي - حتى لو لم تفز المعارضة في الانتخابات المقبلة.
أجرت المقابلة: ليندا فيرإيكه/ ص.ش/ ع.ج