65 عاما على إنشاء "دويتشه فيله" ـ أهمية متزايدة
٥ يونيو ٢٠١٨"المستمعات والمستمعون الكرام في البلاد النائية..." بكلمة ترحيب من الرئيس الألماني تيودور هويس انطلق بث دويتشه فيله في الـثالث من مايو/أيار 1953. وتعلقت المهمة، كما ذُكر عند انطلاق البرامج " بنقل صورة للمستمع عن الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية في ألمانيا" وعكفت دويتشه فيله كإذاعة على الموجة القصيرة انطلاقا من مدينة كولونيا على هذه المهمة، ووصلت أولا باللغة الألمانية إلى جمهور من المستمعين في أجزاء من العالم. وفي 1954 انطلقت أقسام أخرى بلغات أجنبية أخرى. وفي 1992 جاء عصر التلفزة، وبعدها تقديم المحتوى عبر الإنترنيت.
دويتشه فيله تغيرت عبر الزمن، كما قال المدير العام بيتر ليمبورغ، بعد مرور 65 عاما منذ التأسيس. "من إذاعة على الموجة القصيرة للألمان في الخارج إلى مؤسسة إعلامية دولية تنشر الأخبار بثلاثين لغة، وتحاول الوصول إلى أكبر عدد من الناس في العالم لنقل الأخبار حيث تتعرض للرقابة أو المقاطعة. فهذا تحول جذري في 65 عاما". وبالطبع في أوقات الموجة القصيرة كان الوصول إلى كل زاوية في العالم أسهل. "ولكن إذا لم نتحول، أين سنكون اليوم".
ويفيد المدير العام بأن تسويق المحتوى أصعب بكثير اليوم. وفي الوقت نفسه يعرض الإنترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي وشبكة من الشركاء فرصة الوصول إلى عدد أكبر من الناس مقارنة مع الأمس. وقال المدير العام بأن دويتشه فيله تقدم مزيجا من الأخبار والخلفيات والتحفيز على التفكير، معروضة بشكل حديث وموجهة حسب اهتمامات المجموعات المستهدفة من الشباب المتنوعة. ويرأس ليمبورغ دويتشه فيله منذ أربع سنوات ونصف، ويعتزم تقوية الأهمية الدولية للمؤسسة. وفي يوم الثلاثاء ( 5 يونيو/حزيران 2018) تحتفل دويتشه فيه داخل البرلمان الألماني بالذكرى الـ 65 لتأسيسها. وستشارك في الحفل وزيرة الدولة للثقافة مونيكا غروتيرس وعدد كبير من النواب من جميع الكتل النيابية. والضيف المتميز سيكون المستشارة أنغيلا ميركل التي ستلقي خطابا. وستحصل المستشارة على معلومات حول مشاريع آنية لدويتشه فيله مثل فيديو دليل باللغة الروسية يساعد على الكشف عن الأخبار الزائفة.
في حرب الأنظمة
وتقدم دويتشه فيله مجموعة من العروض كبرامج التلفزة بأربع لغات وعروض صوتية مختلفة، إضافة إلى الأخبار عبر الإنترنيت بثلاثين لغة وأنشطة متنوعة على مواقع التواصل الاجتماعي. والهواتف الذكية تتطور باستمرار إلى أدوات التقاط هامة. فمستمعو الأمس هم اليوم مستخدمون شباب.
وما يعرفه قليلون داخل ألمانيا هو أن أكاديمية دويتشه فيله المؤسسة الألمانية الرائدة في تطوير الإعلام الدولي عملت منذ 1965 على تكوين الآلاف من الصحفيين. وعلى هذا النحو يلتقي وزراء ألمان أحيانا في الخارج بمتحدثين مرموقين يحكون عن تجربتهم مع دويتشه فيله. وفي الذكرى الـ 65 للتأسيس تتشابه بعض الأوضاع السياسية الصعبة مع زمن التأسيس، إذ يتم الحديث مجددا عن حرب باردة، وحرية التعبير والصحافة مهددة عالميا. "الأوقات باتت أكثر خشونة، يعني مزيد من العمل لدويتشه فيله. يجب علينا إيصال الأخبار وبناء الجسور ونقل القيم"، يقول المدير العام ليمبورغ. "أسمينا ذلك الآن حربا باردة أو نظاما عالميا متعدد الأقطاب ـ فالتحديات من خلال الدعاية والأخبار الزائفة والهجرة وتحول المناخ والإرهاب تكبر".
ويثير ليمبورغ أيضا مقاطعة عروض دويتشه فيله وفرض حظر عليها كما يحصل في الصين أو إيران. "هذا يقلقنا، ولكن يكشف أيضا أن عملنا هام جدا". واليوم باتت حرب الأنظمة والإيديولوجيات كذلك منافسة بين عروض الإعلام الدولية.
"التبادل عبر الثقافات والديانات والتقاليد"
"الموظفات والموظفون هم مفتاح نجاح دويتشه فيله"، كما يرد في وثيقة تعريف دويتشه فيله. ويعمل في كلا الموقعين في بون وبرلين نحو 3400 شخص من 60 جنسية، وبالتالي فإن دويتشه فيله متعددة الثقافات أكثر من أي مؤسسة أخرى في ألمانيا. وعدد أماكن المراسلين في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية يكبر.
"هذا التنوع هو كنز وأحد مكامن القوة لدى دويتشه فيله"، يقول بيتر ليمبورغ. "نحن نتعلم من بعضنا ونرى أنه من خلال التبادل الثقافي والديني والتقليدي يمكن أن تنشأ أشياء جديدة وجيدة. وكل هذا نقوم به على أساس دستورنا الحر. وبالنسبة لي، فإنه من بواعث السرور أن أعمل هنا مع زملاء مختلفين ذوي قريحة متنوعة".
القهوة تحت الشجرة
كثير من الوجوه الشهيرة لدويتشه فيله تبقى غير معروفة في ألمانيا. لكن "في الخارج" تحظى بشهرة واسعة ولصوتها صدى. زاندرا بيترسمان، صحفية بتجربة طويلة في مناطق الأزمات تتذكر ما عايشته سابقا في ايرتيريا حيث كانت تصاحب في عام 2000 أطباء من منظمة إغاثة في القرن الإفريقي. "جاوزنا في آخر فترة بعد الظهر قرية صغيرة تجمع فيها تحت شجرة عشرات من الناس حول راديو صغير. والصوت كان معروفا بوضوح: هنا كان بث دويتشه فيله. " لم أفهم كلمة واحدة لزملائي من البرنامج الأمهاري، لكن عندما أبلغت المجتمعين تحت الشجرة أنني صحفية من دويتشه فيله، دعوني فورا إلى مأدبة تناول القهوة تقليدية مصحوبة بالبخور"، تقول بيترسمان البالغة من العمر 45 عاما.
مشاهد مماثلة عايشتها أيضا لاحقا في أفغانستان "بعيدا في الخارج في القرى حيث يعيش الناس بدون تلفزة ويتطلعون إلى الأخبار". وهي تأسف لتخلي دويتشه فيله في غالبية لغاتها عن الراديو.
موضوعات شائكة
وحتى اليوم من يتحرك كمراسل لدويتشه فيله في أحد مخيمات اللاجئين في الأردن أو تركيا ويحمل ميكرفون دويتشه فيله يتم الحديث إليه فورا. وإذا كان جعفر عبد الكريم، الوجه المعروف لبرنامج التلفزة العربي في مهمة صحفية في بيروت أو بغداد والقاهرة أو قبل أيام في الموصل، فإن شباب معجبين يتوجهون إليه. فبرنامجه "شباب توك" يثير موضوعات تتفاداها محطات وطنية. وبذلك هو يصل إلى جمهور بالملايين من الشباب.
ومثال إضافي آخر هو أن عروض الإنترنيت بالأردو والباشتو أو الصينية عندما تحقق عددا كبيرا من الزيارات، فإنها تكون في الغالب حول حرية التعبير وحقوق المرأة والفساد أو تعليم أفضل، وكذلك تقارير حول توجه الحكومة الألمانية تحت أنغيلا ميركل في زمن يحكم فيه حكام مثل دونالد ترامب وفلاديمير بوتين.
"مبتكر ومرتبط بالقيم"
وإذا حصل في السابق جدل سياسي أحيانا حول دويتشه فيله، فإن السياسة الألمانية تدرك اليوم مع هذه الأوقات العالمية غير المستقرة ماذا تملك بهذه المؤسسة. ومؤخرا ناقش البرلمان الألماني عمل دويتشه فيله. فنظرة البرلمان مهمة، فمنذ 1960 يضمن "قانون دويتشه فيله" عمل المؤسسة. وقال مارتن رابانوس، خبير إعلامي من الحزب الاشتراكي الديمقراطي في تقييمه لعمل دويتشه فيله: "إن هذه المؤسسة تنشر حقائق، عوض أخبار زائفة، بصفة مستقلة ومبتكرة ومرتبطة بالقيم وبحب".
ويشهد 96 في المائة من مستخدمي عروض دويتشه فيله في استطلاعات دولية على مصداقية عالية للمؤسسة، وذلك لدى أكثر من 150 مليون مستخدم في الأسبوع الواحد.
كريستوف شتراك/ م.أ.م