6 سنوات على هجوم "داعش".. كابوس لا ينتهي لأطفال الإيزيديين
٣ أغسطس ٢٠٢٠لم تنتهِ المأساة، على الأقل في رؤوس من وقعت الفأس عليهم: 2000 طفل إيزيدي عادوا إلى أهلهم بعد تحريرهم من براثن "الدولة الإسلامية" (داعش). واليوم يُترك هؤلاء وحدهم بلا معين يعانون من تداعيات ما عاشوه من إذلال واغتصاب وغسل دماغ. تلك خلاصة تقرير لمنظمة العفو الدولية نشر قبيل الذكرى السادسة للإبادة الجماعية للإيزيديين على يد التنظيم الإرهابي.
"صور سبي النساء والإعدامات الجماعية جعلتنا نركز النظر على الكبار، ونسينا الصغار أو نظرنا إلى وضعهم كأمر ثانوي"، يقول الأستاذ الجامعي جان إلهان كيزلهان، المولود في عام 1966 في عائلة إيزيدية-كردية في تركيا.
"هناك نقص في المعالجين النفسيين والأطباء والعاملين في الخدمة الاجتماعية في شمال العراق لعلاج ذلك العدد الكبير من الضحايا"، يقول جان لـ DW.
ويتضح من دارسة شارك جان في إعدادها حاجة الأطفال الماسة للمساعدة. وتستند الدراسة على مقابلات مع عشرات الفتيات والفتيان ممن أجبروا على القتال في صفوف التنظيم أو عذبوا واستغلوا على يديه.
سُبيت مرات لا تحصى
عاشت رندا، ذات الـ 14 ربيعاً، تحت نير التنظيم خمس سنوات. بيعت كسبية عدة مرات، وفي النهاية وقعت في براثن رجل أجبرها على الزواج منه. بعد تحريرها على يد القوات الكردية في معركة الباغوز لم ترغب في البداية بالرجوع لبيت أهلها. "داوم التنظيم على القول لنا أنه سيعيدنا إليه في حال عودتنا لعائلاتنا، بدعوى أننا مسلمين".
السلطات المحلية في دهوك في شمال العراق أكدت في شباط/ فبراير 2020 أن هناك 1041 فتاة إيزيدية حررت من تنظيم "داعش". الكثير منهن عانين من العنف الجنسي بأبشع صوره كحال رندا.
تلك الفتيات "مكسورات نفسياً في دواخلهن، ما يجعلهن خائفات من أي اتصال مع الرجال-حتى مع آبائهن وإخوتهن من الذكور"، يشرح جان إلهان كيزلهان، الذي أشرف على تدريب كوادر المعالجين النفسيين في شمال العراق.
"قاتلت لأعيش"
حال الفتيان لم يكن أفضل من الفتيات. فقد تم تجنيد ما يقارب من نصفهم في صفوف التنظيم. وفي تقرير منظمة العفو نقرأ ما حدث مع ساهر، الذي يقول إنه تعرض للضرب المستمر بالأسلاك البلاستيكية والعصي، وإنه عانى من الجوع والعطش وغيرهما من أشكال سوء المعاملة. تم تدريبه على السلاح وأجبر على القتال تحت تهديد الموت: "قاتلت لأعيش"، يقتبس التقرير عن الفتى.
بعد تحريره لم تقدم له أي جهة المساعدة. ويتمنى لو يتلقى علاجا نفسيا عاجلا: "ما أبحث عنه هو شخص ما يعتني بي ويساعدنا، بيد أني لم أعثر على ما أريد"، يقول الفتى ساهر ويتمنى أن تمد يد العون أيضاً لغيره من الضحايا الأحياء.
تعرض الكثير من الفتيان المقاتلين في صفوف "داعش" من الإيزيديين إلى الإصابات. ووثق التقرير حالات مقطوعة اليد أو الرجل أو أخرى فيها بقايا شظايا حربية.
"بينما يتراجع كابوس الماضي في خلفية المشهد، تبقى حاجة الأطفال للعون كبيرة. يتوجب في السنوات القادمة جعل الأولوية للصحة النفسية لأولئك الأطفال، إذا ما أريد لهم الاندماج مجدداً في عائلاتهم ومجتمعاتهم"، تقول مات ويلس نائبة رئيس قسم الأزمات في منظمة العفو الدولية.
قدم التقرير توصيات للسلطات العراقية والكردية والمجتمع الدولي. تلخصت أهمها في دعم التعليم وإصدار بطاقات هوية شخصية وقبول الأطفال الذين ولدوا نتيجة الاغتصاب في المجتمع الإيزيدي.
وماذا عن العدالة؟
لم يفت التقرير ضرورة العمل على الناحية القانونية. "بلا عدالة لن يحدث أي تقدم"، يقول ساهر. وتؤكد الإيزيدية دوزين تيكال على أن العدالة هي "بلسم الأرواح المعذبة، إذا جاز التعبير". أسست الصحفية منظمة Hawar.Help لمساعدة الضحايا في شمال العراق. على الرغم من تحريرهم يشعر الأطفال بأنهم غير أحرار "وقبل كل شيء أنهم غير محميين. نحن نتحدث عن أطفال يعيشون في مخيمات لجوء ويحدقون في مستقبل غير آمن"، تقول دوزين في تصريح لـ DW.
يعيش معظم الإيزديين في شمال العراق ويبلغ عددهم 350 ألف إنسان. الكثيرون منهم لا يشعرون بالثقة بالنفس للعودة إلى موطن مأساتهم: جبال سنجار. في ساعات الصباح الباكر من الثالث من آب/أغسطس عام 2014 هاجم آلاف من عناصر التنظيم الإرهابي المنطقة. ويعتبر الدواعشُ الإيزيديين غير مؤمنين وعباد الشيطان.
بعد الهجوم فصل الرجال والفتيات فوق الثانية عشرة من أعمارهم عن النساء واختطفت 7000 امرأة وطفل. وقتل ما يقارب 10000 إيزيدي وإيزيدية ودفنوا في مقابر جماعية.
عودة محفوفة بالمخاطر
نظراً للوضع الأمني الخطر في جبال سنجار يرتعد الكثير من الإيزيدين من فكرة العودة. ليس التنظيم هو وحده النشط هناك، بل وإلى جانب القوات الكردية والميلشيات الشيعية هناك الجيش التركي. في نهاية حزيران/ يونيو الماضي هاجمت أنقرة جبال سنجار بالطائرات. "قبل الهجوم بيوم قررت 150 عائلة العودة. الجميع كانوا سعداء لبناء مستقبل جديد هناك. بعدها بيوم تغير كل شيء"، يتذكر جان إليهان كيزليهان.
الناشطة دوزين تيكال تتمنى إنشاء منطقة حظر جوي من قبل الأمم المتحدة. "نحن بحاجة لمنطقة خاصة محمية للإيزيديين وإعادة الإعمار".
ويدور الأمر حول بوارق الأمل في الكفاح ضد آثار الصدمة النفسية.
ماتياس فون هاين/خ.س