خمسون عاما من العلاقات الألمانية الإسرائيلية
٩ مايو ٢٠١٥في مارس / آذار 1956 خيمت أجواء من الترقب على مقر حكومة ألمانيا الاتحادية في مدينة يون. هل ستعترف الحكومة الاتحادية بدولة إسرائيل أم لا؟ "تجمعنا نحن الصحفيين بالمئات أمام مقر الحزب الديمقراطي المسيحي، حيث كانت القرارات تتخذ"، كما تتذكر إنغه دويتشكورن التي تبلغ من العمر اليوم 92 عاما وكانت تعمل كمراسلة في بون لصحيفة معاريف الإسرائيلية. وتتذكر أن كل مرة كان الباب يُفتح ويظهر متحدث يوضح للصحافيين أنه "قيل لنا أنه لن يتسنى اليوم اتخاذ أي قرار، عليكم العودة غدا". دام الأمر هكذا لعدة أيام. "لقد كان الأمر مضحكا، فالمستشار ايرهارد لم يكن يعرف ما يجب القيام به".
ضغطت إسرائيل بكل قوتها لدفع ألمانيا لإقامة علاقات دبلوماسية عادية معها، خصوصا وأن العلاقات غير الرسمية كانت قائمة بين البلدين منذ الخمسينات، إلا أن المستشار إيرهارد تردد خوفا من رد فعل البلدان العربية وتعريض مصالح ألمانيا الاقتصادية للخطر. إضافة إلى كون ألمانيا كانت مقسمة آنذاك. فقبلها بوقت قصير حل رئيس ألمانيا الشرقية فالتر أولبريخت ضيفا على جمال عبد الناصر في القاهرة بعد انتشار خبر تزويد ألمانيا الاتحادية لإسرائيل بالسلاح. وشكل ذلك الاستقبال صدمة لبون التي كانت تأمل في احتكار تمثيل الدولة الألمانية.
ضابط في الجيش النازي يصبح سفيرا
عُين الدبلوماسي رولف باولس كأول سفير ألماني في تل أبيب، وبعد ذلك بأيام قدم السفير الإسرائيلي آشر بن ناتان أوراق اعتماده في بون. والغريب أن ماضي باولس كضابط في الجيش النازي لم يمنع من اعتماده سفيرا في إسرائيل رغم أنه استقبل هناك بالشتائم من قبل المتظاهرين. إنغه دويتشكورن ترى بدورها أن الاختيار لم يكن موفقا، وما أثار غضبها هو اكتشافها فيما بعد أن نائب باولس في السفارة لم يكن سوى ألكسندر توروك، وهو فاشي مجري سابق لم يحصل على الجنسية الألمانية إلا عام 1950، ما يظهر في نظر إنغه دويتشكورن، عم أخذ مشاعر الإسرائيليين بعين الاعتبار. باختصار بداية العلاقات الدبلوماسية بين البلدين كانت صعبة ومحرجة.
العلاقة الخاصة ...ومراعاة حقوق الفلسطينيين
بداية العلاقات الرسمية بين الجانبين تعود في الواقع لعام 1952 بعد التوقيع على معاهدة لوكسمبورغ كما يوضح المؤرخ الإسرائيلي دان دينر لـDW، والذي التزمت فيه ألمانيا الاتحادية بصرف تعويضات بقيمة ثلاثة مليارات ونصف مليار مارك. لقد كانت تلك المعاهدة بمثابة بطاقة العودة التدريجية لألمانيا الاتحادية كعضو في الأسرة الدولية. لقد كانت تلك المعاهدة أول وثيقة دولية ثنائية توقعها ألمانيا وهي في وضع دولة غير مكتملة السيادة.
بعد ذلك تطورت العلاقات تدريجيا بين الجانبين وتعززت بعد حصول ألمانيا على وحدتها. الحكومات الألمانية المتعاقبة تعتبر الأمن القومي لإسرائيل جزءا من أمن ألمانيا، إلا أن ذلك لم يمنعها من رفض سياسة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، كما أن تأييد إقامة دولة فلسطينية قابلة للوجود يعتبر من الأدبيات الأساسية للسياسة الخارجية لألمانيا التي تعتبر أيضا من أكبر الدول المانحة للفلسطينيين. وهذا ما يجعل منها شريكا موثوقا من قبل الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء.