25 يناير- المصريون يتذكرون انتفاضتهم وسط أزمة اقتصادية خانقة
٢٥ يناير ٢٠٢٣على الرغم من مرور أكثر من 10 سنوات وما شهدته البلاد بعدها من وقائع؛ لاتزال ذكرى أحداث الخامس والعشرين من يناير التي وقعت في عام 2011 تداعب خيال الكثير من المصريين. وتأتي الذكرى هذا العام وسط غضب شعبي متصاعد على إثر أزمة اقتصادية عنيفة لم تشهد مصر لها مثيلاً منذ عقود، حتى أن البعض قال إن تدهورا للاقتصاد بهذا الشكل لم يمر على مصر خلال حربي يونيو/ حزيران 1967 وأكتوبر/ تشرين الأول 1973 .
ذكريات "18 يوما كأنها المدينة الفاضلة"
ويتذكر مصريون على اختلاف مشاربهم أحداث تلك الفترة بكثير من الفخر والحزن على ما آلت إليه الأحوال بعدها "وعزوف الشباب عن العمل السياسي"، مثلما كتب رجل الاعمال المصري نجيب ساويرس على موقع تويتر.
وغرد الأديب والروائي الكبير إبراهيم عبد المجيد مؤكدا أن "ثورة يناير عشنا فيها 18 يوما كأنها المدينة الفاضلة" وأنها "كانت ثورة الأنقياء والأبرياء"، ولكنها "أخطأت" في سير المحاكمات بعدها.
وتحت وسوم مختلفة مثل #25_يناير و #انا_شاركت_دعمت_ثورة_يناير، أعاد مغردون نشر الكثير من المواد الفيلمية والصور التي توثق أحداث تلك الفترة، لعل أشهرها على الإطلاق الفيديو الذي وثق لحظات اقتحام المتظاهرين لميدان التحرير في الثامن والعشرين من يناير 2011 و"هروب الداخلية".
كما أعاد مغردون نشر فيديوهات "أيقونية" أخرى ومنها الفيديو الشهير للشاب الأعزل الذي أوقف إحدى مدرعات الأمن المركزي، في مشهد مشابه لمشهد المواطن الصيني الذي وقف أمام إحدى الدبابات في ميدان "تيانانمين" (ميدان السلام السماوي) قبيل المذبحة الشهيرة في عام 1989.
وقامت الدولة على مدار السنوات التالية لثورة يناير بتغيير معالم ميدان التحرير أكثر من مرة، فيما اعتبره متابعون طمسا لذكرى يناير وإسكاتا نهائيا لأصوات الحرية، التي كانت تنبعث من الميدان.
"صوت الحرية" مازال في الذاكرة
كما شارك مغردون فيديوهات لإعلاميين ارتبطوا في الأذهان بهذه الفترة من تاريخ مصر، لكن تم إقصاؤهم فيما بعد عن المشهد الإعلامي بسبب مواقفهم غير المتسقة مع مواقف نظام ما بعد 2013 ودعمهم للثورة، مثل الإعلامية الشهيرة ريم ماجد.
وبالطبع شارك مدونون ومغردون على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة الأغنيات التي صدرت تزامنا مع انتفاضة 25 يناير 2011 وارتبطت كلماتها بأحداث تلك الفترة، مثل أغنية "يا الميدان" لعايدة الأيوبي وفرقة كايروكي، وكذلك أغنية "صوت الحرية" لأمير عيد، التي يؤكد فيها أن "سلاحنا كان أحلامنا".
ونشر مغردون صوراً وفيديوهات تخلد أسماء رجال ونساء سقطوا في مثل هذا اليوم قبل أكثر من عقد من الزمن، وقد انتشرت حينها صورة مجمعة لعدد كبير منهم وكتب بالخط الأحمر العريض "الورد اللي فتّح في جناين مصر".
كما يتذكر آخرون أشخاصاً سقطوا في إحياء ذكرى ثورة يناير مثل الناشطة الحقوقية شيماء الصباغ التي قُتلت خلال مسيرة لإحياء ذكرى 25 يناير في ميدان طلعت حرب، القريب من ميدان التحرير، عام 2015. وكانت شيماء تحمل مع آخرين آكاليل الزهور ويرددون شعار ثورة يناير "عيش، حرية، كرامة إنسانية". وأدين ضابط صغير بالأمن المركزي بقتلها بسلاح ناري من مسافة ثمانية أمتار، وحكم عليه بالسجن المشدد لعشر سنوات، ثم خففت محكمة النقض في 2020 العقوبة إلى سبع سنوات.
فيما تناول آخرون "أكبر أخطاء من شاركوا في ثورة 25 يناير" والأسباب التي جعلت "الهزيمة سهلة".
"الوضع كان أفضل"
ويعود كثير من المصريين بالذاكرة إلى الوضع الاقتصادي لمصر قبل وخلال عام 2011 وحتى مطلع عام 2013، عندما كانت العملة المصرية في وضع أفضل بكثير، مع تدفق للأفواج السياحية الأمر الذي أحدث انتعاشا اقتصادياً ملحوظاً.
لكن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يؤكد بشكل مستمر على أن ما يحدث من أزمة اقتصادية بدأ منذ أحداث 2011.
ويقول السيسي إنه رغم محاولات الدولة لتعديل الوضع الاقتصادي إلا أن أزمة جائحة كورونا التي تلاها الغزو الروسي لأوكرانيا سبب خللا كبيرا في الاقتصاد العالمي تأثرت به مصر كغيرها
"أقدار وضرورات" وراء أزمة الاقتصاد المصري!
وقال السيسي في تصريحات نشرت خلال الأيام الماضية إن "المشروعات القومية" ليست هي السبب في الأزمة الاقتصادية الحالية وإنما هي أقدار، في إشارة منه إلى تبعات الغزو الروسي لأوكرانيا وما نتج عن جائحة كورونا من أزمات اقتصادية عالمية. وأكد السيسي على أن توسعة قناة السويس زادت من دخلها، وإقامة مشروعات الطرق والكهرباء كانت ضرورة "لتجابه الدولة مستقبلها". وتساءل الرئيس المصري عما كان سيحدث "لو لم نقم بهذه الأشياء"، ومنوها إلى أنه "لو تأخرت تلك المشروعات لسنوات قادمة لكانت التكلفة ستكون أكبر بكثير".
وأعادت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، تبدو داعمة للنظام المصري، نشر تلك التصريحات بصور مختلفة للتأكيد على أن الأزمة خارج أيادي النظام المصري.
لكن نشطاء ومغردين قالوا إن ما حدث جاء بسبب الانفاق الهائل على مشروعات تقول الدولة إنها ضرورية؛ فيما يرى مواطنون أنها تسببت في دمار الاقتصاد وإنفاق مليارات الدولارات دون عائد حقيقي يمكن رؤيته أو حسابه حتى الآن.
ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية في مصر، أبدى شركاء خليجيون للنظام المصري عدم رغبتهم في ضخ مزيد من الأموال في السوق المصري دون مقابل، وهو ما فهمه كثير من المغردين المصريين من تصريحات وزير المالية السعودي عن "تغيير الطريقة التي يقدمون بها المساعدات" .
وتشير البيانات الرسمية إلى انهيار كبير في قيمة الجنيه المصري، حيث بلغت قيمة الدولار الأمريكي الواحد نحو ثلاثون جنيها وفقد الكثير من المصريين قيمة مدخراتهم بشكل متسارع للغاية، وسط حصار حكومي غير عادي لكل سبل صرف الدولار حتى في البنوك التي فرضت قيوداً كبيرة على سحب الدولار من حسابات المودعين. واشتكى كثيرون من عدم تمكنهم من الحصول على العملة الصعبة سواء للعلاج في الخارج او لدفع نفقات التعليم لأبنائهم.
وبحسب بيانات وإحصائيات مختلفة، وصل إجمالي ديون مصر الخارجية حتى أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2022 إلى 155.7 مليار دولار وفقاً لبيانات رسمية وذلك بزيادة أكثر من 120 مليار دولار خلال 12 عاماً فقط، وهو دين ضخم أثار حالة من القلق والترقب بشأن مخاطر التخلف عن السداد في حين صدرت تأكيدات رسمية بأن أوضاع الدين آمنة ولا يوجد ما يدعو للقلق.
وكان الدين قد وصل إلى 34.9 مليار دولار في عام 2011 وقت اندلاع ثورة 25 يناير، وارتفع إلى 43.2 مليار دولار في عام 2013، وبلغ 48.1 مليار دولار في عام 2015.
السيسي يغادر مصر
وتزامناً مع ذكرى 25 يناير، وفي خطوة يرى مراقبون أنها تعكس اطمئناناً متزايداً من جانب النظام المصري، سافر الرئيس عبد الفتاح السيسي في زيارة عمل إلى الهند على رأس وفد يضم وزراء ومسؤولين آخرين في زيارة رسمية تستغرق 3 أيام، بدعوة من رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي للمشاركة في احتفالات الهند بالذكرى 74 للاستقلال.
الزيارة أثارت تساؤلات البعض حول مغزاها والهدف منها رغم عدم حدوث تغيرات لافتة في علاقة البلدين، إضافة إلى ما تتكلفه خزينة الدولة من نفقات كبيرة لمثل هذه الزيارات في هذا التوقيت الحرج الذي تمر به البلاد:
ويبدو أن النظام المصري بدأ يشعر بغضب المواطنين بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة، ما جعل السلطات المصرية تنشئ إدارة حكومية تحت اسم "فن إدارة الحياة" تابعة لوزارة الشباب والرياضة، "وتهتم ببث الطاقة الإيجابية ومساعدة الناس على تخطي الأزمات الحياتية، واختيار الطريق الصحيح لتحقيق النجاح"، بحسب ما نشر موقع العربية.
بدوره، أكد السيسي في تصريحات قبل يومين أنه استطاع تغيير حياة 60 مليون مصريا خلال 3 سنوات فقط من خلال "مبادرة حياه كريمة" وأن الجهود الحكومية في هذا الإطار لا تتوقف
ورغم مرور اثني عشر عاماً على أحداث الخامس والعشرين من يناير 2011 ألا أن ذكرى هذا اليوم يبدو أنها من المستحيل أن تفارق وعي وخيال المصريين.
ويتحدث كثيرون ممن شاركوا في هذه الأحداث بفخر شديد عنها ويحاولون نقل ذكرياتهم لأجيال إما لم تشهد ذلك اليوم أو كانوا صغاراً في السن وقتها، لتبقى ذكرى 25 يناير حاضرة في الوعي الجمعي المصري رغم المحاولات المستمرة لشيطنتها وطمس معالمها.
محمود حسين