2015 ـ عام الإرهاب في أوروبا
٢٧ ديسمبر ٢٠١٥انتهى عام 2015 كما بدأ: هجمات إرهابية في باريس. في كانون الأول/ يناير استهدف الإرهابيون مجلة شارلي إيبدو الساخرة ومحلاً تجاريا يهودياً. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر قتل إرهابيون إسلاميون 130 شخصا في قلب باريس وقرب استاد فرنسا. الهجمات أصابت فرنسا وأوروبا بالصدمة. في يناير الماضي تحدث الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند عن همجية ووحشية منقطعة النظير، وفي نهاية العام يرى أن بلاده في حرب ضد "الدولة الإسلامية" التي تزداد قوة في سوريا والعراق، وفي شمال أفريقيا أيضا. "ما حدث في باريس واستاد فرنسا هو عمل من أعمال الحرب"، قال أولاند في الرابع عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر. "وفي الحرب يجب على الأمة اتخاذ القرارات المناسبة. هذا العمل الحربي نفذه جيش إرهابي من داعش ضد فرنسا وقيمها، التي ندافع عنها في كل العالم ضد أي بلد حر".
تزايد الهجمات على "داعش"
السياسيون الأوروبيون وقادة مجموعة دول العشرين وعدوا بالتضامن وتقديم المساعدة. وبما أن تركيا وروسيا ضحيتان للإرهاب أيضا، حدث في نهاية العام أمر كان صعبَ التخيل قبل ذلك، إذ قررت الدولتان التعاون ضد "الدولة الإسلامية". ومع ذلك، فإن الحرب في سوريا تحتدم دون هوادة، وظهرت بوادر التفاوض على حل سياسي. لكن وباستثناء الحرب ضد "الدولة الإسلامية" الإرهابية، فإن الولايات المتحدة وروسيا والسعودية وإيران وفرنسا وتركيا لها أهداف مختلفة تماما في المنطقة.
ألمانيا تشارك في الحرب
خطورة الموقف ظهرت حين أسقطت القوات التركية مقاتلة روسية، مما أوصل العلاقة بين البلدين إلى نقطة الصفر، لكن تم منع المزيد من التصعيد بينهما. وبالنسبة لألمانيا وحلفاء أوروبيين آخرين مثل بريطانيا والدنمارك، فإنه يجب ترجمة التضامن إلى أفعال، ولهذا قامت هذه الدول بوضع قوات جوية تحت التصرف في الحرب ضد "داعش". وأعلنت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل تضامنها التام مع فرنسا، مشددة: "سنفعل كل ما هو ممكن للمساعدة في مطاردة الجناة والعمل معاً ضد الإرهابيين". وأرسلت ميركل على وجه السرعة طائرات تورنادو استطلاعية وسفينة حربية وطائرة للتزويد بالوقود من الجو إلى سوريا. فألمانيا أيضا مستهدفة من الإرهابيين، كما يحذر خبراء أمنيون منذ فترة، وهو خطر تنامى مع نهاية العام أكثر من السابق. "نحن أصدقاؤكم الألمان نشعر معكم ونبكي معكم"، قالت ميركل في كلمتها إلى الشعب الفرنسي في نوفمبر الماضي.
إصابة في الصميم
"أنا شارلي". تعبيرا عن الالتزام بحرية الرأي والتعبير، رفع كثيرون هذا الشعار في فرنسا والعالم في وجه الإرهاب. أما وزير الخارجية الإيراني، فواصل انتقاده لنشر رسوم الكاريكاتير الناقدة للإسلام. وكم كان محرجا مسيرة التضامن للقادة السياسيين، التي تم إخراجها في أحد شوارع باريس الجانبية بسبب الوضع الأمني في يناير، بينما هناك الملايين في شوارع باريس بدون حماية أمنية. في نوفمبر لم تحدث مسيرات تضامن مشابهة لخطورة الوضع. وبدلاً من ذلك أحذية فارغة في ميدان الجمهورية وشعار "أنا باريسي" والفرنسيون ينشدون النشيد الوطني. وبعد أربعة أسابيع من الهجمات الإرهابية تفوز "الجبهة الوطنية" اليمينية في الانتخابات الإقليمية في فرنسا.
تنامي الهجمات في أوروبا
إلى جانب هجمات باريس تصبح فرنسا مسرحا لعدة هجمات صغيرة. في نيسان/ إبريل قتلت امرأة برصاص رجل أراد مهاجمة كنيسة. وفي حزيران/ يونيو فشل باللحظة الأخيرة هجوم على محطة غاز في مدينة ليون. وهناك تم قطع رأس رجل من طرف "داعش". وفي آب/ أغسطس سيطر ركاب على مهاجم إسلامي في قطار تاليس السريع قبل تنفيذ هجومه. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر هوجم يهودي بالسكين في الشارع.
وفي الدنمارك، وقع هجوم في شباط/فبراير ضد مركز ثقافي وكنيس يهودي ولقي شخصان مصرعهما. وقال حاخام يهود الدنمارك يائير ميلشور في حديثه مع DW إن "يهود الدنمارك هم جزء من المجتمع، وحين يضع شخص ما وردة مكان الحادث، فهو لا يفعل ذلك لتضامنه مع اليهود، وإنما لأن دنماركياً قتل". وشهدت برلين ولندن أيضا هجمات ذات خلفية إرهابية. لكن تركيا وروسيا كانتا أكثر معاناة، إذ لقي المئات مصرعهم في الهجوم على أنقرة وسروج ولدى إسقاط طائرة الركاب الروسية فوق سيناء، في هجمات يُعتقد أنها من تدبير إسلاميين.
تشديد الإجراءات الأمنية الأوروبية
وعد الاتحاد الأوروبي مساعدة فرنسا عسكريا في سابقة لم تحدث من قبل. كما وعد وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي تنسيق التعاون بين الشرطة والمخابرات بشكل أفضل وتكثيف الرقابة على السفر والتحويلات المالية. لكن تطبيق ما تم الاتفاق عليه قد يستغرق شهورا أو سنوات بسبب البيروقراطية.
تشديد الرقابة على الحدود المفتوحة بين الدول الأوروبية تزداد بسبب اللاجئين والإرهاب. خاصة بعد الحديث عن وصول إرهابيين من سوريا إلى فرنسا مع اللاجئين وتنقل بعض الإرهابيين بين أكثر من دولة بجوازات سفر أوروبية دون رقابة على الحدود الأوروبية الداخلية. لذا طالب وزير الداخلية الألماني توماس ديميزيير بحماية حدود الاتحاد الأوروبي الخارجية بشكل أفضل. "آلاف المقاتلين الأجانب يقاتلون في سوريا إلى جانب ما يسمى بالدولة الإسلامية، ومن هناك يتم تنسيق العمليات الإرهابية في أوروبا. لذلك يجب أن نعرف من يحضر إلى أوروبا ومن يعود إليها، حتى نتمكن من الرد"، قال ديميزيير بعد عدة جلسات عن سبل محاربة الإرهاب. لذا ينوي الاتحاد الأوروبي تخزين بيانات ركاب الرحلات الجوية وتحليلها. كما ينوي إنشاء قوة مراقبة للحدود، لأن دولا مثل اليونان وبلغاريا وإيطاليا لم تعد تقوى على ذلك بمفردها.
بلجيكا مركز الإرهاب
تقريبا كل آثار القتلة من هجمات باريس تقود إلى بلجيكيا. وعلى ما يبدو فإن التحضير لهجمات باريس تم في حي مولينبيك في بروكسيل، المعروف بكونه معقل للإسلاميين. وقد نجحت الشرطة البلجيكية في بداية العام ونهايته من اعتقال بعض أعوان الإرهاب، لكن مشتبها به رئيسياً تمكن من الفرار. لذا تم إغلاق محطات الميترو والمحلات التجارية والمدارس والجامعات لعدة أيام في بروكسيل لأسباب أمنية. ثم عادت الحياة إلى طبيعتها. والسياسيون يجادلون عن المسؤول عن عدم إدماج أطفال المهاجرين في المجتمع، وفي الشوارع يقوم الجيش بدوريات في نهاية عام 2015، فيما يتساءل الرأي العام حول ما إذا كانت هذه الدوريات قادرة على حماية الناس من الجهاديين.