11 سبتمبر علامة فارقة في تعاطي الإعلام العربي مع العلاقة بين الشرق والغرب
٢١ أغسطس ٢٠٠٦يجمع المراقبون في شتى أنحاء المعمورة على أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 الإرهابية على رموز القوة والسلطة في الولايات المتحدة الأمريكية شكلت صدمة إنسانية لم يسبق لها مثيل في التاريخ المعاصر، وذلك لأن تداعياتها هزت أركان التعايش السلمي المشترك بين الأديان والشعوب. كما أن انعكاساتها لم تقتصر على المعترك السياسي في بلاد العام سام، بل امتدت لتتحول إلى تبرير سياسي للإدارة الأمريكية لفرض مشاريع سياسية غير واقعية على غرار محاولة فرض شرق أوسط جديد بدأ بإسقاط نظام صدام حسين وانتهى أخيراً بحرب الوكالة في لبنان. غير أن التأثير الأكثر وضوحاً لهذه الهجمات على العالم العربي يتمثل في ولادة إعلام عربي جديد من رحم هذا الإرهاب البغيض. ومن أجل التعرف على طبيعة النقلة النوعية، التي عايشها الإعلام العربي منذ 11 سبتمبر/أيلول 2001 ودور الإعلام في بناء رأي عربي نقدي، وطبيعة تعاطيه مع العلاقة الشائكة بين العالمين الغربي والإسلامي، قامت دويتشه فيله بدعوة نخبة من الإعلاميين العرب والألمان للمشاركة في حلقة نقاش مفتوحة مع الجمهور الألماني.
ارتباك الإعلام العربي
لا شك أن أهوال الإرهاب القاعدي أصابت المشهد الإعلامي العالمي بالارتباك والبلبلة، نظراً لصعوبة التعامل مع هذا التحدي الجديد من نوعه على الصعيد الإعلامي. هذا ما أشار إليه الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط ميشائل لودرز، في مستهل مداخلته القصيرة التي افتتح بها حلقة النقاش. كما أشار لودرز إلى "الدور الريادي، الذي لعبته القنوات العربية الفضائية، خاصة قناة الجزيرة القطرية في تطوير إعلام عربي نقدي بعيداً عن أكاذيب ودعائية الإعلام العربي الرسمي". غير أنه حذر في السياق نفسه من "محاولة تحميل الإعلام العربي أكثر من طاقته، لأنه لا يستطيع تعويض غياب مؤسسات ديمقراطية، وضعف مؤسسات المجتمع المدني في ظل هيمنة الأنظمة السلطوية في منطقة الشرق الأوسط".
"تطرف وعسكرة الرد الأمريكي"
وفيما يتعلق بطبيعة رد الفعل العربي على صدمة 11 سبتمبر أكد الحروب خلال الندوة المفتوحة التي افتتحها مدير مؤسسة دويتشه فيله السيد ايرك بترمان يوم الخميس الماضي، أن رد فعل الإعلام العربي على هجمات سبتمبر/أيلول اتسم أيضاً "بالارتباك وتعامل مع الموقف بقدر كبير من التوتر....(..) إلا أنه بعد الغبطة الفجائية السريعة والاندفاع العفوي أصبحت هناك عقلانية بين الناس انعكست على العمل الصحافي أيضا". كما أشار الإعلامي والأكاديمي، الذي يدر مشروع بحث لدراسة الإعلام إلى أن "تطرف وعسكرة السياسية الأمريكية لم يعط النخبة العربية متسعاً كافيا من الوقت من أجل بلورة موقف عربي معتدل تجاه هذه الصدمة الإنسانية".
وفي معرض شرحه لكيفية تعامل العالم العربي مع المسألة ذكر السيد الحروب المشاركين بأن الرد الأمريكي الذي هيمنت عليه العسكرة وعقلية العدو والصديق "دفع الجماهير العربية إلى أحضان الغوغائيين وإلى مربع التطرف الديني، فغالبية الجماهير العربي تتعاطف مع التيار الإسلاموي المتطرف، ليس حباً فيه، ولكن نكاية بالولايات المتحدة الأمريكية".
ثورة إعلامية عربية
أما مدير الأخبار في قناة "العربية" الفضائية، السيد نخلة الحاج، فأشار في بداية مداخلته إلى أن "هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول أعطت للأعلام العربي دفعة إلى الأمام، ليس بالضرورة بالمعني الإيجابي فقط. لكن الاهتمام بالصحافة الإخبارية ازداد بشكل كبير على حساب البرامج الترفيهية التي كانت سائدة آنذاك". أما أكثم سليمان، مدير مكتب قناة "الجزيرة" في برلين، فعبر عن عدم رضاه عن غياب التفهم الغربي للظروف الصعبة التي يعمل تحتها الصحفيون العرب، مضيفا لأنه رغم ذلك "نحاول بقدر كبير من المهنية والحيادية أن نقدم تغطية إعلامية واقعية من منظور عربي"، واضاف في خضم النقاش المفتوح مع الجمهور الألماني: "نحن لا نغير الواقع، نحن ننقله كما هو إلى البيوت العربية".
كسر احتكار الإعلام الغربي
أما المحور الشائك والمعقد الذي دار حوله نقاش الأمس، فتمثل في ماهية الدور، الذي يلعبه الإعلام العربي خلال تغطيته لقضايا التطرف والإرهاب الدولي، نظرا لازدياد الأصوات النقدية، التي تتهم الإعلام العربي عامة والفضائي منه خاصة، بالتحول إلى أداة لتعبئة العواطف العربية ضد السياسية الغربية. وفي هذا الإطار إعترف خالد الحروب بغياب ما أسماه "نقص حصافة الإعلام العربي"، مشيرا إلى أن هذا القطاع الإعلامي لا يزال في مرحلة التطور: "علينها أن لا نظلم الإعلام العربي، لأنه لا يزال في مرحلة تطور يمكن وصفها بأنها طفولية، مقارنة بهيئة الإذاعة البريطانية على سبيل المثال".
أما فيما يتعلق بالتوازن في تغطية القضايا الشائكة، التي تشغل هاجس العلاقة بين الشرق والغرب، فعلق الحروب، مقدم برنامج "خير جليس في الزمان كتاب" قائلاً: ليس هناك ثمة مقارنة على الإطلاق بين الحضور الغربي في الإعلام العربي والحضور العربي في الإعلام الغربي، إذ أن هناك إجحاف كبير بحق الصوت العربي في المشهد الإعلامي الغربي".