وقف المساعدات للفلسطينيين خيار لا يخدم المصالح الدولية
٨ مايو ٢٠٠٦يجتمع يوم غد الثلاثاء 9 مايو/ أيار أعضاء اللجنة الرباعية الدولية للشرق الأوسط بمشاركة كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، بالإضافة إلى إسرائيل، لمناقشة التطورات الأخيرة على الساحة الفلسطينية. ويأتي هذا الاجتماع ضمن الجهود المكثفة التي تبذلها اللجنة الرباعية بغية التوصل إلى وسائل مناسبة لتقديم المساعدات المالية للفلسطينيين بعد تشكيل حركة حماس للحكومة الفلسطينية. غير أن هذا الاجتماع ينعقد في وقت بدأ فيه الموقف الأوروبي يعرف نوعا من الانقسام الداخلي فيما يخص بجدوى وعقلانية المقاطعة الاقتصادية وتجميد المساعدات للسلطة الفلسطينية. إلى ذلك يعاني موقف اللجنة الرباعية من غياب استراتيجية أوروبية واضحة المعالم في كيفية التعامل مع حركة حماس التي لم تتجاوب من جانبها مع الأطراف الدولية. هذا الوضع قد يتسبب في إلحاق الضرر بمصداقية وعقلانية التعامل الأوروبي مع الوضع الجديد داخل الأراضي الفلسطينية مما قد يهدد بهدم الجهود الدولية التي بُذلت حتى الآن من أجل بناء مؤسسات السلطة الفلسطينية وتأهيل كوادرها.
إنقاذ المشروع السياسي الفلسطيني مسؤولية المجتمع الدولي
عدم رضوخ حركة حماس للمطالب الدولية، بل وحتى لبعض الأصوات الفلسطينية في الداخل زاد الوضع داخل أراضي الحكم الذاتي الفلسطينية تعقيدا وبدأ يدفع بها نحو كارثة إنسانية وفوضي سياسية وأمنية قد تعصف بمكتسبات السنوات الماضية. كما بدأت تطفو أمام هذه التطورات المتسارعة التي يعرفها المشهد السياسي الفلسطيني بعض الخلافات داخل مواقف بعض الدول الأوروبية على الواجهة، خاصة منها ما يخص تعليق المساعدات المالية للحكومة الفلسطينية.
ولعل تصريحات الرئيس الفرنسي، جاك شيراك، الأخيرة كانت أكثر دلالة على ذلك التباين وعكست رغبة بعض الدول الأوروبية في إيجاد مخرج للمأزق السياسي الذي تعيشه المناطق الفلسطينية، حيث دعا الزعيم الفرنسي إلى إنهاء تجميد المساعدات الإنسانية للفلسطينيين وتقديم المساعدات المالية اللازمة لدفع رواتب الموظفين في السلطة الفلسطينية. كما دعا الرئيس الفرنسي إلى إنشاء صندوق ودائع يديره البنك الدولي ويهتم بتقديم تلك المساعدات كحل وسط لتفادي انهيار المؤسسات الفلسطينية، معتبرا في نفس الوقت هذا التحرك بالضروري والعاجل ومسؤولية تقع على عاتق المجتمع الدولي. وأمام هذا الوضع المعقد ستكون الدول الأعضاء في اللجنة الرباعية، خلال لقاء الغد، مضطرة إلى إيجاد مخرج عاجل لتفادي زعزعة الاستقرار الأمني وانقاد الهياكل المؤسساتية داخل الأراضي الفلسطينية من انهيار وشيك.
حكومة وحدة وطنية كمخرج
زادت المقاطعة السياسية والاقتصادية الدولية على حكومة حماس من تفاقم الوضع السياسي الداخلي المتشنج وأدت إلى ارتفاع في نسبة البطالة بسبب الأزمة المالية الخانقة بعدما عجزت الحكومة عن تامين رواتب حوالي 165 ألف موظف بعد أكثر من شهر من توليها شؤون الحكم داخل السلطة الفلسطينية. مع هذه التطورات بدأ يزداد عدد الفلسطينيين المؤيدين لتشكيل حكومة وحدة وطنية للخروج من الأزمة الراهنة. فغالبية الفلسطينيين بدأت ترى أن الحل يكمن في تشكيل حكومة وحدة وطنية تكون قادرة على التوفيق بين مطالب المؤيدين والمعارضين إذ وصل عدد هؤلاء المؤيدين لتشكيل حكومة موحدة تضم كل الفصائل السياسية الفلسطينية إلى نسبة 63 في المائة، وذلك حسب استطلاع للرأي أجراه برنامج التنمية لجامعة بيرزيت. وفي هذا السياق قال مدير هذا البرنامج، نادر سعيد: "القليل من الفلسطينيين يطلبون حكومة من طرف واحد." وأضاف "وبذلك فإن فكرة حكومة وطنية هي المثالية على أن يكون لها برنامج وليس بالشكل فقط، بل بالاتفاق على أجندة سياسية واضحة بين الفصائل المتعددة." ومن جهة أخرى تزداد مخاوف الشارع الفلسطيني من تفاقم الوضع الأمني والاقتصادي الداخلي، خصوصا وأن مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني تعاني منذ وصول حركة حماس إلى سدة السلطة من شلل اقتصادي شبه كلي طال جميع المرافق والقطاعات. وعقب هذه الأزمة السياسية وتزايد الانفلات الأمني بدأت بعض استطلاعات الرأي تشير إلى تراجع طفيف في نسبة مؤيدي القادة السياسيين الجدد من 50 في المائة إلى 44 في المائة.
الخريطة السياسية الفلسطينية معقدة
وأمام الوضع المعقد الذي يمر به الشعب الفلسطيني في ظل الخلافات القائمة بين حكومة حماس والمجتمع الدولي بدأت تظهر عدد من التكهنات حول مستقبل العملية السياسية ومخطط السلام في الشرق الأوسط. ويرى بعض المحللين السياسيين أن الحصار الدولي المفروض على حركة حماس منذ فوزها في الانتخابات التشريعية قد يقود إلى خيارات صعبة. فلا يُستبعد ان يؤدي تزايد الضغوط الدولية إلى تخلي حماس عن تشكيل حكومة السلطة الفلسطينية وتنظيم انتخابات جديدة. لكن قد يصبح الوضع السياسي أكثر تعقيدا إذا استطاعت حركة حماس تحقيق فوز كاسح من جديد يجعلها تنفرد بتشكيل الحكومة مجددا، مما سيدخل العملية السياسية والسلمية في المنطقة إلى حلقة مفرغة قد يصعب الخروج منها. لذا يشكل خيار تشكيل حكومة وطنية ربما الحل الأنسب لانقاد المشروع الفلسطيني السياسي وفرصة لكل الجهات السياسية الفلسطينية لإبداء روح المسؤولية والنضج السياسي.
المقاطعة الاقتصادية غير مجدية
تُعتبر استقالة، فولفنزون، المدير الأسبق للبنك الدولي والمبعوث الخاص الأسبق للشرق الأوسط الأسبوع الماضي ضربة موجعة للجنة الرباعية ولمؤيدي المقاطعة الاقتصادية والسياسية. فقد انتقد فولنزون المقاطعة الاقتصادية المفروضة على حماس وسياسة الغرب تجاه الحركة. كما اعتبر المسئول الدولي وقف المساعدات المالية قرارا خطاءً، لان تجويع الفلسطينيين غير مجد. ناهيك عن أن المقاطعة الاقتصادية لا تخدم مصالح المجتمع الدولي، الذي أنفق حتى الآن مليارات اليورو من أجل بناء مؤسسات السلطة الفلسطينية. فانهيار هياكل الحكم الذاتي لن يزيد المنطقة إلا توترا. إلى جانب ذلك حذر فولنزون من المبالغة في قدرة المنظمات الدولية على تدبير المساعدات الإنسانية. فتلك المنظمات الإنسانية وحتي ممثليات الأمم المتحدة تبقى غير قادرة لوحدها على تقديم وتنظيم المساعدات الإنسانية داخل مناطق الحكم الذاتي الفلسطينية، حيث أعرب ناشطون في تلك المنظمات أنهم لن يستطيعوا أن يحلوا محل الوزارات الفلسطينية.