وفاة الملكة يحيي الجدل حول ماضي بريطانيا الاستعماري بأفريقيا
١٢ سبتمبر ٢٠٢٢
من كينيا الى نيجيريا وصولا الى جنوب أفريقيا وأوغندا، توالت التعازي وفعاليات الحداد على موت ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، وكان الرئيس النيجيري محمد بخاري والرئيس الكيني أوهورو كينياتا من بين الذين قدموا تعازيهم بخسارة "أيقونة". وفي جنوب إفريقيا وصف الرئيس سيريل رامابوزا الملكة بانها شخصية "استثنائية" .
لكن التعبير عن ردود فعل جاء متفاوتا، إذ توقف العديد من الأفارقة أكثر عند مآسي الحقبة الاستعمارية بما يشمل أحداث وقعت في العقد الأول من حكم إليزابيث الثانية.
وجاءت وفاة إليزابيث الثانية في وقت تتعرض فيه الدول الأوروبية لضغوط لتقويم تاريخها الاستعماري والتكفير عن جرائم الماضي وإعادة القطع الأثرية الأفريقية المسروقة التي يحتفظ بها منذ سنوات في متاحف من لندن الى باريس.
"قمع وحشي وعلاقات مفيدة"
نالت كينيا استقلالها عن بريطانيا في 1963 بعد تمرد استمر ثماني سنوات خلف عشرة آلاف قتيل على الأقل. وافقت بريطانيا عام 2013 على التعويض على خمسة آلاف كيني عانوا من تجاوزات خلال انتفاضة ماو ماو، في صفقة قيمتها حوالي 20 مليون جنيه إسترليني (23 مليون دولار).
وكتبت "ذي ديلي نايشن"، أكبر صحيفة في كينيا، في افتتاحية في نهاية الأسبوع أن "الملكة تترك إرثا متفاوتا من قمع وحشي لكينيين في بلادهم وعلاقات مفيدة للطرفين".
وأضافت الصحيفة "ما تبع ذلك كان فصلا دمويا في تاريخ كينيا مع فظاعات ارتكبت ضد شعب كانت خطيئته الوحيدة المطالبة بالاستقلال". وقالت "في حين أن العلاقات مع بريطانيا كانت مفيدة، من الصعب نسيان هذه الفظاعات".
يذكر أن إليزابيث الثانية كانت تزور كينيا في 1952 حين توفي والدها وأصبحت ملكة.
وكجزء من أعمال التحسين الأخيرة لعلاقات الماضي، شهدت نيجيريا وبنين المجاورة، قيام فرنسا وبريطانيا بإعادة أول دفعة من آلاف القطع الأثرية التي نهبت خلال الحقبة الاستعمارية.
تم نهب ما تسميه نيجيريا "برونزيات بنين" ـ وهي لوحات معدنية ومنحوتات تعود الى القرنين السادس عشر والثامن عشر- من قصر مملكة بنين القديمة وانتهت في متاحف في مختلف أنحاء الولايات المتحدة وأوروبا. وقال الرئيس النيجيري محمد بخاري إن تاريخ البلاد "لن يكتمل بدون فصل عن الملكة إليزابيث الثانية".
وفات الملكة "تذكر بفترة مأساوية"
في جنوب أفريقيا كانت حركة مقاتلي الحرية الاقتصادية المعارضة أكثر رفضا وتذكرت عقودا من التمييز العنصري الذي كانت فيه بريطانيا، المستعمرة سابقا، في معظم الأحيان سلبية. وقالت الحركة في بيان "نحن لا نحزن على وفاة إليزابيث (الثانية) لأنه بالنسبة لنا وفاتها تذكر بفترة مأساوية جدا في هذا البلد وتاريخ أفريقيا".
في أوغندا، ذهب البعض إلى أبعد من ذلك مستذكرين حاكم مملكة بونيورو أوموكاما كاباليغا الذي قاوم الحكم البريطاني في أواخر سنوات 1890. تم خلعه ونفيه إلى جزر سيشل ثم جرى دمج المملكة في الإمبراطورية البريطانية.
وقال تشارلز روموشانا مدير الاستخبارات السابق وهو الآن محلل سياسي "بقدر ما كانت الملكة قادرة على الحفاظ على تماسك المستعمرات البريطانية السابقة، إلا أنها لم تعالج بشكل كاف مواطن الظلم في بعض الدول مثل أوغندا".
الشهر الماضي، دعت جمعية السياحة الأوغندية إلى تشكيل لجنة لقيادة إعادة القطع الأثرية الأوغندية من متاحف بريطانية وأجنبية أخرى، بما يشمل 300 قطعة من بونيورو بحسب البرلمان.
وقال تشارلز أونيانغو-أوبو الكاتب ومنتقد الحكومة الأوغندية على تويتر إن العديد من القادة الأفارقة الذين حكموا لفترة طويلة استغلوا فترة حكم الملكة إليزابيث الثانية التي استمرت 70 عاما لتبرير بقائهم في السلطة لعقود. وأضاف "الآن بعد أن توفيت، هم يسعون جاهدين لتعلم كيفية جعل قضيتهم مقنعة في صيغة الماضي".
"لو كانت اعتذرت عن العبودية والاستعمار.."
طرح موكوما وا نغوغي نجل الكاتب الكيني الشهير نغوغي وا ثيونغ او، وهو كاتب روائي أيضا وأستاذ محاضر باللغة الإنكليزية في جامعة كورنيل، تساؤلات أيضا حول إرث الملكة في لإفريقيا.
وكتب على تويتر "لو كانت الملكة اعتذرت عن العبودية والاستعمار والاستعمار الجديد وحضت العرش على تقديم تعويضات عن ملايين الأرواح التي سقطت باسمهم، فربما كنت سأفعل الشيء الإنساني وأشعر بالحزن". وأضاف "بصفتي كينيا، لا أشعر بأي شيء. هذه المسرحية سخيفة".
وقال أوجو آنيا الاستاذ النيجيري الأصل المقيم في الولايات المتحدة، في إشارة على تويتر إنه "إذا كان أي شخص يتوقع مني التعبير عن أي شيء غير الازدراء للعاهل الذي أشرف على إبادة جماعية برعاية حكومة... فهو يحلم"، ما أثار جدلا واسعا على وسائل التواصل الاجتماعي.
ع.ج.م/أ.ح (أ ف ب)