وسط ذعر المودعين.. ما تداعيات انهيار مصرف "سيليكون فالي"؟
١٤ مارس ٢٠٢٣أصدرت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت إل يلين ورئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول ورئيس مجلس إدارة المؤسسة الأمريكية للتأمين على الودائع الفيدرالية مارتن غروينبيرغ بيانا مشتركا مطلع الأسبوع حيث تعهدوا باستكمال القرار الخاص ببنك "وادي السيليكون" المعروف اختصار بـ "اس. في. بي." مع اتخاذ خطوات لحماية أموال المودعين.
وجاء في البيان المشترك "سيتمكن المودعون من الوصول إلى جميع أموالهم ابتداء من مطلع الأسبوع، ولن يتحمل دافعو الضرائب أي خسائر مرتبطة بالقرار المتعلق ببنك وادي السيليكون".
ويرجع السبب وراء اعتقاد السلطات الأمريكية أن دافعي الضرائب لن يتحملوا أي خسائر جراء انهيار البنك، إلى أن إدارة البنك ستكون قادرة على استخدام الأصول المتبقية لتغطية تكاليف سداد أموال المودعين.
وينطبق الشيء نفسه على مصرف "سيغنتشر بنك" عقب قيام السلطات بولاية نيويورك بإغلاقه ووضعه تحت الحراسة القضائية بعد ان فقدت أسهمه ثلث قيمتها في النصف الثاني من الأسبوع الماضي.
بايدن يطمئن مواطنيه
من جانبه، طمأن الرئيس جو بايدن الأمريكيين بأن نظامهم المصرفي آمن حيث أكد انه سيطلب من الكونغرس والهيئات الناظمة المصرفية تعزيز القواعد الناظمة للبنوك لتقليل احتمال تكرر هذا النوع من الفشل".
وشدد الرئيس الأمريكي على أن دافعي الضرائب لن يتحملوا مسؤولية تعويض خسائر مودعي بنك "سيليكون فالي"، مؤكدا أن الأزمة تحت السيطرة وأن الحكومة تضمن أن يستعيد المودعون أموالهم لكن "لن يتحمل دافعو الضرائب أي خسائر...ستأتي الأموال من الرسوم التي تدفعها البنوك لتأمين الودائع".
وقال بايدن في تصريحات متلفزة من البيت الأبيض "يمكن للأمريكيين أن يثقوا في أن النظام المصرفي آمن. ودائعكم ستكون موجودة عندما تحتاجون إليها".
وأعلن بايدن أنه سيسعى إلى فرض قواعد أكثر صرامة في أعقاب انهيار بنك "سيليكون فالي"، معلنا أنه سيتم طرد مديري البنك. وقال "سأطلب من الكونغرس والمنظمين المصرفيين تعزيز القواعد الناظمة للبنوك لتقليل احتمال تكرر هذا النوع من الفشل".
وبدأت الأزمة عقب إعلان السلطات الأمريكية يوم الجمعة ( 10 مارس/ آذار 2023) إغلاق مصرف "سيليكون فالي" المقرب من أوساط التكنولوجيا بعد أن وجد البنك نفسه فجأة في حالة عسر فيما عهدت إدارة الودائع إلى المؤسسة الفدرالية لتأمين الودائع في الولايات المتحدة.
وفي بريطانيا، تعهدت الحكومة بالعمل على وضع خطة تسمح لشركات التكنولوجيا البريطانية بالحفاظ على سيولتها بعد إفلاس بنك "سيليكون فالي" فيما كشفت تقارير عن تأخر وصول تقارير خطابات المودعين في فرع البنك في بريطانيا الأحد قبل وقت قصير من إعادة فتح الأسواق الاثنين.
وفي ألمانيا، رأت الهيئة الفدرالية للمصارف أن تداعيات إفلاس بنك "سيليكون" فالي على المؤسسات المالية الألمانية "محدودة للغاية" حتى الآن. وشددت الهيئة على أن "البنوك الألمانية قوية ومستقرة ولديها مرونة" وأن أن انهيار البنك الأمريكي "لم يكن له أي تأثير على النظام المصرفي الألماني".
وكانت الهيئة قد أعلنت تجميد أصول وحدة بنك "سيليكون فالي" في البلاد، مؤكدة في بيان صدر الإثنين أنه لن يسمح لـ "سيليكون فالي بنك جيرماني" ببيع الأصول أو إجراء مدفوعات لأنها معرضة لـ"خطر عدم القدرة على الوفاء بالتزاماته للدائنين".
طرد مديري البنك
وفي البيان المشترك، قالت وزيرة الخزانة الأمريكية إنه سيتم طرد مديري البنك فضلا عن أن تدابير الحماية لن تشمل المساهمين وبعض أصحاب الديون غير المضمونة. وقال مجلس الاحتياطي الفيدرالي إنه سيوفر "تمويلا إضافيا لمؤسسات الإيداع المؤهلة للمساعدة من أجل ضمان قدرة البنوك على تلبية احتياجات جميع المودعين".
وقالت المؤسسة الأمريكية للتأمين على الودائع الفيدرالية إنها سوف تؤمن الودائع التي تصل قيمتها إلى 250 ألف دولار أي ما يعادل 235 ألف يورو، لكن العديد من الشركات والأثرياء كانت مدخراتهم في البنك تفوق هذا المبلغ.
وفي مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز"، قال رئيس مجلس النواب الأمريكي كيفين مكارثي إنه يأمل في إتمام عملية شراء البنك في نهاية المطاف، مضيفا "أعتقد أن ذلك سيكون أفضل طريقة من أجل تهدئة الأسواق والسماح للناس بفهم أنه يمكننا تجاوز الأمر على نحو سليم".
"مرونة" النظام المصرفي الأمريكي
وعلى وقع التقارير عن تدخل السلطات الأمريكية للحد من تداعيات انهيار البنك، ارتفعت أسعار الأسهم في الصين وهونغ كونغ الإثنين (13 مارس / آذار) فيما انخفض مؤشر نيكي الياباني بنسبة 1.6٪.
وسعت وزيرة الخزانة الأمريكية إلى طمأنة الكثيرين ممن يخشون من أنه سيكون لانهيار البنك تأثير الدومينو على البنوك الأخرى بالولايات المتحدة، مؤكدة أن النظام المصرفي الأمريكي بات أكثر أمانا مما كان عليه خلال الأزمة المالية عام 2008. وقالت "يعد النظام المصرفي الأمريكي آمنا بالفعل ويتمتع برأس مال جيد فضلا أنه يتحلى بقدر كبير من المرونة".
يشار إلى أنه عقب انهيار بنك الاستثمار الأمريكي "ليمان براذرز" قبل عشر سنوات، طلبت الهيئات التنظيمية في الولايات المتحدة من من البنوك الكبرى الاحتفاظ برأس مال إضافي لاستخدامه في حالة وقوع أزمة.
لكن بعض المحللين حذروا من أن بعض البنوك الأمريكية قد تكون في مأزق وهو الأمر الذي ظهر جليا في حالة إغلاق مصرف "سيغنتشر بنك" الأحد.
وأعلنت منصة "Bitstamp" الخاصة بتبادل العملات الرقمية المشفرة أنها سوف تستمر في العمل بشكل طبيعي على الرغم من إغلاق مصرف "سيغنتشر بنك" فيما قالت منصة "كوين بيس" في تغريدة على موقع تويتر إنها تتوقع استرداد 240 مليون دولار (223 مليون يورو) من رصيدها بالكامل في المصرف.
ما هو بنك "سيليكون فالي"؟
قبل انهياره، لم يكن بنك "سيليكون فالي" ذا شهرة كبيرة بين الجمهور العادي، لكنه كان أحد المصارف الرئيسية التي تقدم قروضا للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا في الولايات المتحدة وخارجها وكان له روابط قوية مع شركات رأس المال الاستثماري.
وفي نهاية العام الماضي، احتل البنك المرتبة السادسة عشر في الولايات المتحدة من حيث قيمة الأصول التي بلغت 209 مليار دولار أمريكي وقيمة ودائع تتجاوز الـ 175.4 مليار دولار.
لكن البنك تعرض لضربة كبيرة عقب ارتفاع أسعار الفائدة بمعدلات كبيرة من قبل الفيدرالي الأمريكي خلال العام الماضي مما أدى إلى عرقلة الأحوال المالية في قطاع الشركات الناشئة خاصة وأن القيمة السوقية للعديد من أصول البنك المرتبطة بالرهن العقاري قد فقدت قيمتها مع ارتفاع أسعار الفائدة.
وعلى وقع ذلك، بدأ عملاء البنك ومعظمهم من شركات التكنولوجيا في سحب ودائعهم في ضوء احتياجها إلى السيولة للحصول على التمويل ما دفع البنك إلى بيع السندات رغم عدم تحقيق أي مكسب وبالخسارة من أجل تغطية عمليات السحب من قبل الزبائن.
الاستحواذ على وحدة بنك "سيليكون فالي" في بريطانيا
وفي بريطانيا، قال وزير الخزانة البريطاني، جيريمي هنت، إن الحكومة و "بنك إنجلترا" سهلا بيع وحدة بنك "سيليكون فالي" في بريطانيا إلى بنك "إتش.إس.بي. سي" في خطوة من شأنها حماية الودائع دون دعم من دافعي الضرائب.
وأضاف "إتش.إس.بي.سي هو أكبر بنك في أوروبا، ومن المفترض أن يشعر عملاء بنك "سيليكون فالي" في المملكة المتحدة بالاطمئنان إزاء القوة والأمان" الذي يعنيها هذا الاستحواذ.
وفي الولايات المتحدة، ذكرت وسائل إعلام أنه من غير المرجح أن تتضمن مصارف كبرى مثل "جي بي مورغان تشيس" أو "بنك أوف أمريكا" إلى سباق الاستحواذ على مصرف "سيليكون فالي" حيث رجحت التقارير أن المصارف الأصغر حجما مثل "كابيتال وان" و "تراست" سوف تتطلع إلى المشاركة في عمليات الاستحواذ.
أصداء انهيار "سيليكون فالي" في دول أخرى
وعلى وقع انهيار بنك "سيليكون فالي"، قالت العديد من الحكومات إلى القول أنها تحاول إيجاد حلول للحد من تداعيات ذلك خاصة وأن البنك يمتلك وحدات في كندا وأوروبا فضلا عن وجود مشروع مشترك في الصين.
ففي الهند، قال وزير الدولة للتكنولوجيا إنه يعتزم الاجتماع مع رؤساء الشركات الناشئة هذا الأسبوع لتقييم تداعيات انهيار مصرف "سيليكون فالي" على الشركات الهندية.
يشار إلى أن الهند تعد واحدة من أكبر أسواق الشركات الناشئة في العالم بحجم يبلغ قيمته مليارات الدولارات خاصة مع قدرتها على جذب المستثمرين الأجانب.
وفي تغريدة، قال آشيش ديف، الرئيس التنفيذي لشركة "Mirae Asset Venture Investments" الهندية، "لقد تحدثت إلى بعض أصحاب الشركات ويعد الأمر سيئا للغاية".
وفي سياق متصل، قالت صحيفة "هاندلسبلات" الاقتصادية الألمانية إن عدد عملاء بنك "سيليكون فالي" في أوروبا يبلغ 3600 وأن عشرة بالمائة منهم في ألمانيا.
وفي إسرائيل، قال منظم البنوك الإسرائيلية، يائير أفيدان، إنه يراقب عن كثب "التطورات المتلاحقة" عقب انهيار البنك وأيضا الخطوات التي سوف تُتخذ في المستقبل.
الجدير بالذكر أن قطاع التكنولوجيا في إسرائيل يعد المحرك الرئيسي للنمو في البلاد فيما يتمتع بعلاقات قوية بالكيانات الاقتصادية في "وادي السيليكون" فضلا عن أن العديد من الشركات الناشئة التي تتخذ من إسرائيل مقرا لها تمتلك حسابات في بنك "سيليكون فالي".
مارتين نيك/ م.ع