وجهة نظر: حكم مثير للجدل في مصر
هل كان قرار المحكمة المصرية بحق الرئيس المصري المعزول محمد مرسي مشدداً أم مخففاً؟ وبُعيد النطق بحكم المحكمة بدأ المصريون بالنقاش الحاد حول ذلك في مواقع التواصل الاجتماعي: مناصرو النظام الذي يقوده الجنرال السابق والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي تمنوا لو كانت المحكمة قد قررت إعدام مرسي. أما مناصرو تنظيم الإخوان المسلمين، والذي وضع على لائحة المنظمات الإرهابية المحظورة، فقد وصفوا الحكم بأنه "حكم بالسجن المؤبد للديمقراطية في مصر عبر الانقلابيين"- على الرغم من أن مرسي وبالتأكيد ليس مثالاً للديمقراطية، يُحتذى به. وحكام مصر اليوم القادمون من أوساط الجيش هم على أي حال ليسوا كذلك أيضاً. عزل جنرالات الجيش الرئيس الإسلامي مرسي سنة 2013 عن طريق ثورة شعبية، ساهموا جزئياً في الإعداد والإخراج لها.
لكن الكلمة الأخيرة لم تُنطق بعد في هذه القضية، والمفاجئات تبقى محتملة: مرسي المحكوم بالسجن مدى الحياة والبالغ من العمر 63 عاماً ما زالت أمامه أربع قضايا أخرى في المحاكم. وصدر عليه الحكم الآن بسبب تهم تعذيب متظاهرين واعتقالهم. أما تهم القتل، أو المسؤولية في قتل العديد من الأشخاص فتمت تبرئته منها، وبشكل مفاجئ.
من الصعب بمكان فهم الأدلة المقدمة، لكن من الواضح أن قرار المحكمة هذا ضد مرسي يختلف كثيراً عن قرارات المحاكم السابقة: فمن جانب يعد القرار مشدداً جداً بحق مرسي، إذا ما قارناه بحكم تبرئة الرئيس الأسبق- والحاكم الدائم حسني مبارك، الذي اُرتكبت خلال فترة حكمه الكثير من انتهاكات حقوق الإنسان. فيما حكم القانون المصري من جانب آخر وبصورة مدهشة على الكثير من الناشطين في صفوف تنظيم الإخوان المسلمين، وبعضهم حتى ليسوا من الأعضاء البارزين، بالإعدام، فيما نجا مرسي بحكم "السجن مدى الحياة" فقط.
إعادة التقارب مع الغرب
والتفسير الممكن لهذا القرار يكمن في تغير الجو السياسي الخارجي العام، فبعد أن انتقدت الحكومات الغربية المهمة عملية إسقاط مرسي، بدأت هذه الدول من جديد وفي سياق الحرب ضد الإرهاب باتخاذ سياسة أكثر واقعية، وأصبحت مهتمة بتعاون ضخم مع الدولة الأكبر في العالم العربي. فالولايات المتحدة قدمت المساعدات العسكرية من جديد، وباريس ستوقع مع القاهرة صفقة تسليح بالمليارات، والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل دعت السيسي إلى زيارة برلين.
لذلك فإن حكماً مشدداً جداً بحق مرسي قد يعكر النغمة، التي تجري على وقعها إعادة التقارب الخارجية هذه، والتي تنشد إليها أيضاً القيادة المصرية بسبب الوضع الاقتصادي الصعب في البلد.
لكن، وعلى الرغم من أن قرار الحكم ضد مرسي يبدو مخففاً للغاية مقارنة بالظروف في مصر، أوضحت منظمة العفو الدولية وعن حق بأن محاكمة مرسي لم تكن عادلة ولم تجر بصورة قانونية. وهذا ما قد يشمل أيضاً بصورة عملية جميع القضايا السياسية المهمة في مصر التي جرت في الأعوام الماضية ضد الإسلاميين أو ضد الليبراليين اليساريين على حد سواء، والذين نالوا أحكاماً وسُجنوا. والآن يبدو من الواضح أن القضاء المصري ليس مُذعناً فحسب، وإنما منقاد أيضاً ويتكيف على ما يبدو وفق المناخ السياسي العام.
أما العدالة فتبقى جانباً: التغييرات الدراماتيكية في مصر في الأعوام الماضية أودت بحياة الكثير من الناس- وقُتل 600 شخص على الأقل في أحداث قمع مظاهرات الإخوان المسلمين ضد إسقاط مرسي. أما المسؤولون عن هذه الأحداث فلا خوف عليهم من عقوبات إعدام أو سجن مؤبد، ولا يجب عليهم حتى الظهور أمام المحاكم، وبأي حال من الأحوال ليس في فترة حكم السيسي، لأنهم من مؤيدي النظام الحاكم.