وجهة نظر: اللعبة انتهت
٢٤ يونيو ٢٠١٦في رواية "كبرياء وهوى" استخدمت الروائية جاين أوستن خطاً رائعاً للتعبير عن ردود فعل عاشق متعب: "الناس الغاضبون لا يتصرفون دائماً بحكمة". وبتطبيق هذا على القرار الهائل في بريطانيا، فإنه يعني أن عددا كبيراً من الناس الغاضبين أجبروا بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي. وسيكون هناك غضب ويأس في لندن وباقي عواصم القارة الأوروبية.
وهذا مبرر تماماً، لأنه هناك الكثير مما يثير الغضب. غضب من ديفيد كاميرون الذي خضع للمشككين بأوروبا في حزبه ودعا للاستفتاء – ونحن نعرف الآن كم كان هذا القرار مقامرة ضخمة وسوء تقدير للبلاد – وله شخصياً. وغضب من الخطاب الشعبوي والقومي – الذعر الصارخ – الذي وجد أرضاً خصبة لتحل محل العقلانية وحجج الحس السليم لمعسكر المنادين بالبقاء في الاتحاد الأوروبي.
وغضب من بروكسل بسب عدم الرضا والجمود الذي تفشى في مؤسساتها كالمرض على مدى عقود، وعجزها عن الأخذ بعين الاعتبار الاهتمامات الحقيقية لدول مثل بريطانيا. ولو أخذ واضعو معاهدة ماستريخت، ومعاهدة برشلونة التي تبعتها، بالحسبان اتحاداً سياسياً كامل الأهلية - بدلاً من التركيز حصراً على كتلة اقتصادية – فلربما قد لا نكون واجهنا الفوضى التي نواجهها اليوم، والمتمثلة في الثلاثية غير المقدسة من الأزمة المالية اليونانية والفشل الذريع بقضية اللاجئين، والآن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.
لا مفاجأة
دعونا نرجع خطوة إلى الخلف، هل نحن حقاً متفاجئون؟ ألم تكن بريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي أكثر منها داخله؟ لقد تمتع البريطانيون – واستغلوا – وضع جزيرتهم الخاص كغرباء على هامش الاتحاد الأوروبي بنظرة انعزالية ولعب دور المستضعف. نحن البريطانيون سعداء جداً بوسائل الراحة التي يقدمها الاتحاد الأوروبي، ولكن خلاف ذلك يمكننا التأقلم تماما بدونكم.
كان يمكن لهذا الاستفتاء أن يكون فرصة لبريطانيا للتصويت لاتحاد أوروبي، لصالح اقتصاد سوق اجتماعي ساهمت في خلقه، وأن يواصل ديفيد كاميرون – رغم جميع أخطائه – ما تمكن من تحقيقه من خطوات تدريجية في بروكسل من حيث الإصلاحات في الأشهر القليلة الماضية التي سبقت الاستفتاء.
خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟ لكن من المتوقع بشكل واسع أن تحاول اسكتلندا الاستقلال وتدخل الاتحاد الأوروبي وقد تتبعها إيرلندا الشمالية. وفكرة أخرى: هل تنسحب لندن من المملكة المتحدة؟ رئيس بلديتها خان يمكنه أن يحاجج بأن لندن صوتت ضد الخروج وعمل الحكومة أصبح الآن مختلاً وظيفياً (لكن متى كان فعلاً وظيفياً؟).
بالنسبة لألمانيا هذا سيناريو كابوس. وكان من شأن محور ميركل – كاميرون أن يكون قوة دفع هائلة لتحقيق الإصلاحات التي تشتد الحاجة إليها في بروكسيل. بالطبع، هناك أولئك الذين يحاججون بأنه لن يكون بعد اليوم دور للألمان المزعجين الذين يفرضون شروطهم، لكن سيكون مثيرا معرفة مدى ما سيحققه الاقتصاد البريطاني من توفق تقني بدون التفوق المدخلات والخبرات الألمانية.
سنوات في البرية
سيكون على المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل العيش والعمل مع الفرنسيين، لكن فيما إذا كان فرانسوا هولاند سيبقى بعد الانتخابات الرئاسية في السنة القادمة؟ والأكثر إزعاجا لميركل وألمانيا – وهو شيء تحاول تحاشيه كالطاعون – وهو أنّ عليها أن ترتدي معطف زعيمة لا ترغب بالقيادة في أوروبا ومحاولة رأب الصدع بعد القذيفة الصادمة في اتحاد أوروبي اشتعلت فيه النيران.
لا أحد يمكنه التكهن بعدد السنوات التي ستقضيها بريطانيا في البرية قبل أن يعود اقتصادها ومجتمعها إلى ما قبل البريكسيت وخروجها من الاتحاد الأوروبي. هل سينهار الاتحاد الأوروبي وتحذو دول أخرى حذو بريطانيا؟
"سيناريو يوم القيامة" و "خطأ تاريخي" – هذه أمثلة قليلة من الأقاويل التي انتشرت بسخاء قبل الاستفتاء. الأول سينطبق على الاتحاد الأوروبي إذا لم يستيقظ من سبات جماعي ويصلح أوضاعه. والزمن وحده هو الكفيل بتعريفنا إن كان القول الثاني ينطبق على بريطانيا.
وشيء آخر أعزائي البريطانيين: إذا كان واضحاً أن وجودكم في الاتحاد الأوروبي كان بائساً لهذه الدرجة، فما الذي دعاكم للانتظار كل هذه السنوات قبل الخروج؟