وجهة نظر: أوكرانيا كانت سيئة الحظ جغرافيا!
١٥ يونيو ٢٠٢٢
في يدي أحمل مفاتيح شقتي في بوتشا ، التي تم الحفاظ عليها من الدمار، هناك في شقتي عاش الجنود الروس بداخلها أيضا لفترة. بيد أنهم تركوا كل الأطباق المتسخة في حوض المطبخ. "لا بد أننا كنا محظوظين"، أقول لنفسي، بسخرية إلى حد ما.
على كل حال، قد يكون من الأفضل لو أننا لم نصادف هذا الحظ من البداية، فما كان للجنود الروس أن يهاجمونا بالصواريخ في 24 شباط/ فبراير، ولم تكن هذه الحرب في دونباس وضم شبه جزيرة القرم، وكنا سنواصل العيش في منازلنا وقضاء العطلة على شاطئ البحر.
ربما كنت سأكتب مقال رأي من يالطا (من المدن الساحلية السياحية الهامة في شبه جزيرة القرم) عن الكتاب الأوكرانيين الذين قضوا عطلتهم الصيفية هناك أو ذهبوا إليها للترفيه. على سبيل المثال الشاعرة الأوكرانية الشهيرة ليسيا أوكراينكا، التي كتبت قصيدتها "Iphigenie auf Tauris" في يالطا، أو الشاعر والطبيب ستيبان رودانسكي ، الذي ساعد في بناء نظام تمديد المياه في هذه المدينة.
مفاتيح شقتي التي بقيت بحوزتي، مربوطة بميدالية هي هدية من متحف القوزاق المحلي في خورتيتسيا، أكبر جزيرة في دنيبروبتروفسك. وتقع بالقرب من مدينة زابوروجيا. ما بين القرنين السادس عشر والثامن كانت هذه المنطقة واحدة من مراكز تشكيل الدولة الأوكرانية المستقلة للقوزاق الأوكرانيين (مجموعة أثنية للسلافيين الشرقيين سكنت هناك). أذكر هذا لأنه بموازاة ما يحدث يبدو لي أنه لم يتغير شيء على مر القرون وأن "القوزاق" الأوكرانيين عليهم الآن أن يقاتلوا مرة أخرى ضد الغزاة الذين يأتون من موسكووعبر الحقول البرية.
"لا عودة إلى بر الأمان"
لا شك أن خطب الكفاح من أجل الدفاع عن القيم الأوروبية هو أمر عظيم، بيد أنه بموازاة ذلك، فإن الرجال والنساء هناك يدافعون عن بلدهم في الخطوط الأمامية، كما فعلوا ذلك من قبل. والتوصل إلى اتفاق سلمي، أخشى أنه لن يحدث، إذ أنه وبالرغم من كل شيء فإن الروس هم من قدموا إليهم بصواريخهم ومعداتهم، ولا أظن أنهم قدموا بهذه الأسلحة للوصول إلى اتفاق.
يمكنني فتح باب شقتي بمفاتيحي مرة أخرى، لكن ذلك لن يمثل لي عودة إلى بر الأمان. أعطتني الإقامة لمدة شهر في النمسا بصفتي كاتبة، شعورا جميلا بالأمان والحياة الطبيعية، حيث يمكن للمرء على ما يبدو وضع خطط لمواصلة حياته، وبوجودي بينهم شعرت بما يعتقده الناس هناك: "لا، هذا لن يحدث لنا"، "كل هذه الحروب موجودة في مكان ما في الشرق، سواء في الشرق الأوسط أو الشرق الأقصى أو في أوروبا الشرقية، لن تأتي لنا".
من الصعب تصديق ذلك، ولكن حتى أنا، كامرأة قادمة من "الشرق"، اعتقدت أيضا سابقا أن الحرب مستحيلة. أما بالنسبة لأوجه التشابه بين الصراعات في البلقان والحرب الحالية في أوكرانيا، أود أن أقتبس من مقال الكاتب الأوكراني أندريه ليوبكا "الاستشراق" والذي قال "... وبناء على ذلك، فإن الحرب ممكنة فقط في أوروبا الشرقية بين الأرثوذكس السلاف. لا يوجد اتحاد أوروبي هناك. في أوروبا القديمة، من ناحية أخرى، لن تكون هناك حرب مرة أخرى، بعد كل شيء، أوروبا في حلف شمال الأطلسي وأوروبا تعلمت من دروس الحرب العالمية الثانية وتتذكر المدن المدمرة وملايين القتلى".
الشيء السيئ هو أن صفارة الإنذار التي أيقظتني في أول يوم لي في بلدة نمساوية كانت حقيقية للغاية، ولم تكن وهمية، حتى لو كانت مجرد اختبار. بدا أنها تخبرني أن ترف السلام والأمن هو أمر غير مرئي مثل الهواء. يتم التعامل مع صفارة الإنذار هناك كما لو كانت ذبابة مزعجة، وباء لن ينتشر أبدا إلى هذه البلاد، وهذا رد فعل متوقع وصحي من أشخاص كانت بلادهم أكثر حظا جغرافيا.
الصراعات لم تعد محلية
بيد أنه حتى قومي، المنحدرين من الشرق، لم يهتموا أيضا بالصراع في سوريا، على سبيل المثال، وحافظوا على مسافة بين حياتهم واهتماماتهم وبين الحرب هناك، ولا شك أنهم قالوا أيضا، "إن هذه الحرب تحدث في مكان ما في الشرق الأوسط، لقد كانت المنطقة هناك مضطربة باستمرار وأي شيء يمكن أن يحدث". هناك بعض اللاجئين الذين في يفرون نحو الاتحاد الأوروبي ويتم استغلالهم بمكر لخلق توترات على الحدود، كما رأينا في تصرفات بيلاروسيا على الحدود البولندية. كنا ناسف عليهم، ولكن ماذا يمكننا أن نفعل؟ لقد كانوا غير محظوظين، لكننا نفهم الآن: نفس القنابل والصواريخ التي سقطت على حلب تسقط الآن على المدن الأوكرانية.
أتذكر كيف في سوبر ماركت في بوتشا ، اشتكت بائعة انتقلت من دونباس من أنه في عام 2014 لم يكن أي شخص هنا في كييف قد لاحظ الغزو الروسي لشرق أوكرانيا. كانت على حق جزئيا. لأنه كان فقط دونباس "حيث يمكن أن يحدث أي شيء".
كل هذه الصراعات لا تزال محلية بشكل مشروط، لكنها لم تعد صراعات محلية، لم تعد في مكان ما في "شرق أسطوري" بعد الآن. هذا "الشرق" يتحول أكثر فأكثر إلى الغرب.
جوليا ستاشفيسكا شاعرة ورسامة وصحافية أوكرانية. ولها العديد من الكتب، ولدت عام 1985 في زيتومير. وهناك تخرجت من مدرسة الفنون الحكومية. كما درست في كيف جامعة أوستروخ وأكاديمية كييف موهيلا.
جوليا ستاشفيسكا (ع.أ.ج)