وجهة نظر: أوروبا تتقوقع على نفسها
١٩ يونيو ٢٠١٥يتزايد البؤس والحرب في جميع أنحاء العالم، وصور موجات اللاجئين باتت جزءاً مما تعرضه وسائل الإعلام يومياً. بشر من إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا وشرق أوروبا وجنوبها يغادرون أوطانهم بعشرات الآلاف. هؤلاء لا يبحثون عن حماية من الدمار والموت فقط، وإنما من الاضطهاد السياسي والفقر أيضا. وماذا تفعل أوروبا الآمنة والغنية؟ إنها تنفض يديها ولا تجد نفسها قادرة على حل هذه المشاكل سياسياً. والحق يقال، أن حلها ليس سهلاً.
الجدران ليست حلاً
لكن لا يمكن أن يكون الحل في تشييد الجدران. هذا ما أثبته التاريخ مراراً وتكراراً. الاتحاد الأوروبي يعرف ذلك، وتعرفه دوله الأعضاء فرادى أيضا. ورغم ذلك تواصل أوروبا تشييد الجدران، التي تجعلها حرفياً تتقوقع على نفسها. في البداية حاولت إسبانيا وقف تيار المهاجرين من شمال إفريقيا بجدار مزود بأطراف حادة. وهناك جدران مماثلة على الحدود اليونانية التركية وعلى الحدود البلغارية التركية، والآن سيجري تشييد جدار جديد على حدود المجر وصربيا.
السخط من هذا الجدار كبير، ولكن علينا الحذر من النفاق، لأن عملية توسيع الاتحاد الأوروبي جنوباً وشرقا استلزمت مجموعة من الإجراءات ومن بينها تأمين الحدود الخارجية. وتم قبول الأعضاء الجدد بعد تأمينهم لحدودهم. وتولت شركات أوروبية عملاقة مثل شركة EADSتأمين الحدود الشرقية إلكترونياً بصفقات بلغت قيمتها المليارات. وقامت الوكالة الأوروبية لحماية الحدود الخارجية "فرونتيكس" بتأمين حدود أوروبا الجنوبية بجدار غير مرئي، فأوروبا لم تتحول إلى قلعة بعد تشييد جدران من الإسمنت والأسلاك الشائكة فقط، وإنما قبل ذلك أيضا.
ورغم ذلك لم تنجح لا الجدران المرئية ولا الجدران غير المرئية في منع اللاجئين من البحث عن ثغرة للوصول إلى السلامة والمستقبل المنشودين. وإنما على العكس: فالإحصائيات تظهر للأسف، أن هذه الجدران رفعت عدد الموتى والجرحى بالدرجة الأولى. وعدد أولئك الذين يتغلبون على هذه الحواجز يزداد تماماً كما يزداد العدد الإجمالي للاجئين.
لكن ورغم معرفتنا ذلك، نبقى مصرين على حماية قلعتنا الأوروبية من اللاجئين والمهاجرين. نحن نراقب ونطلب من آخرين أن يراقبوا لنا وتتم مراقبتنا، كل هذا من أجل رفاهيتنا! نحن نعتبر دولاً مناطق آمنة رغم أنها بعيدة كل البعد عن أن تكون دولاً ديمقراطية ودول قانون. ونحن نشيد الجدران!
الهجرة ليست بعبعاً
لقد فشلت هذه التدابير في تحقيق الهدف المرجو منها. وقد حان الوقت لأن لا يكتفي السياسيون الواعون في الاتحاد الأوروبي بتحديد المشاكل فحسب، وإنما بالبحث الهادف عن حلول فعّالة وإنسانية. ويجب عدم تقويض حقوق أساسية مثل الحق في اللجوء والحق في حياة كريمة بحرية وأمان. ويجب أخيراً محاربة أسباب الهجرة بشكل متزايد. وأيضاً: يجب إزالة الجدران بما فيها تلك التي في عقولنا! ولا يجب أن تبقى مسألة الهجرة إلى أوروبا شبحاً تستغله الجهات الشعبوية.
هناك بارقة أمل بالفعل: ففي أعقاب كوارث القوارب في البحر المتوسط مع آلاف الموتى، يبدو أن المفوضية الأوروبية تريد إعادة ترتيب سياسة اللاجئين الأوروبية. وكانت المحاولات السابقة قد فشلت بسبب أنانية بعض الدول الأعضاء. والآن يمكن للاتحاد الأوروبي إثبات أنه جاد في مسألة قيم المجتمع الأوروبي.