النظام الإيراني وتداعيات التستر على كورونا
٢٧ فبراير ٢٠٢٠إذا منحنا الثقة للإعلام الرسمي الإيراني، فإن البلاد كانت خالية من وباء فيروس كورونا حتى يوم الثلاثاء الماضي، حيث حاولت الحكومة في طهران وبإصرار غير مسبوق نفي وفاة امرأة مصابة بفيروس كورونا. فإيران، وحسب تصريحات المتحدث باسم وزارة الصحة، بقيت خالية من الوباء القاتل حتى يوم الثاني عشر من شباط/فبراير الجاري.
ولكن وبحلول يوم الأربعاء تم الإعلان عن وفاة شخصين مرة واحدة في مدينة قم الدينية. وكان المثير للانتباه أن قم وهي مدينة الحوزات العلمية الشيعية شهدت وفاة رجلين مسنين متأثرين بالمرض رغم انهما لم يغادرا قم إطلاقا ولم يكونا على علاقة بوافدين من الصين، حسب بيانات السلطات المعنية.
ومنذ إعلان الأربعاء تسارعت وتيرة التطورات بشأن انتشار المرض: فقد ظهرت حالات وفاة نتيجة للوباء في طهران وقم وفي محافظة جيلان على بحر قزوين شمال البلاد، إلى جانب الإعلان عن إصابات جديدة بالمرض في اصفهان ورشت وهمدان وفي مناطق كثيرة على طول وعرض البلاد، ولكن دون معرفة سبل انتشار المرض.
ويوم الثلاثاء تم الإعلان رسميا عن وفاة 16 شخصا وإصابة 95 آخرين. واليوم الخميس(27 شباط/فبراير 2020) قدمت السلطات المعنية حصيلة جديدة تتضمن 22 حالة وفاة و141 حالة إصابة، حسب بيانات وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية (إرنا).
تعامل إيران مع الوباء خطأ فادح
وبهذه الإحصائية تكون إيران قد أصبحت الدولة التالية بعد الصين التي شهدت هذا العدد المرتفع من حالات الوفاة بفيروس كورونا. ولكن وبعيدا عن بيانات السلطات الإيرانية، فإن المشهد الوبائي في إيران يبدو أكثر خطورة مما يتصوره البعض. فحالات الإصابة ومواقعها في عموم البلاد إلى جانب تصريحات غير رسمية لمسؤولين في الدولة تكشف عن وضع سيء للغاية اكثر مما تعترف به السلطات. ولنأخذ مثالا على ذلك، حيث اتهم النائب عن مدينة قم في البرلمان الإيراني أحمد أميرابادي فاراحاني الحكومة "بالكذب" فيما يخص حجم انتشار الوباء في البلاد واضاف في حديث داخل أروقة البرلمان مع صحافيين محليين أجراه يوم الاثنين المنصرم أن 50 شخصا قد لقوا حتفهم جراء الإصابة بالفيروس كورونا. وتابع النائب أن حالة الوفاة الأولى بالمرض الوبائي قد وقعت قبل أسبوعين من الإعلان الرسمي لأول ظهور لمرض فيروس كورونا في إيران.
من جانبه، يقول الناشط الحقوقي حكيم الكعبي في حديث مع DW عربية، وهو من سكان منطقة الأهواز غرب إيران، إن حالات الوفاة باتت معروفة تقريبا في الكثير من المدن والبلدات الإيرانية، لكن الحكومة مازالت تسعى للتقليل من شأن انتشار المرض، حسب تعبيره. واللافت أن الحكومة نفت مجددا ارتفاع حالات الوفاة، حسب قول وكيل وزارة الصحة إرادش هاريرشي والذي اضاف " سأستقيل من منصبي لو كانت المعطيات الواقعية تشكل نصف هذه الأرقام أو حتى ربعها. لكن شريط فيديو المؤتمر الصحفي للمسؤول من وزارة الصحة أظهر أن هاريرشي في وضع يثير الشفقة، حيث كانت حبات العرق تنهمر من جبينه مع سعال واضح. وتبين فيما بعد أن وكيل وزارة الصحة مصابا هو الآخر بمرض فيروس كورونا.
وفي الوقت الذي تبذل السلطات الإيرانية جهدا كبيرا على طريق نفي الحقائق والتستر على الوقائع على الأرض، يأخذ الوباء طريقه في الانتشار. فالسلطات الإيرانية قضت وقتا طويلا في التمويه عن المرض بدلا من نشر الوعي بين السكان فيما يخص الوقاية من الوباء وتحجيم سبل انتقاله عبر الحجر الصحي وتقليص الحركة والبحث عن بؤرة المرض.
تناقضات موقف السلطات
ويقول الناشط الحقوقي حكيم الكعبي في حديثه مع DW عربية إن السلطات لم تقدم برنامجا لمواجهة الوباء وكانت متناقضة في مواقفها: فالرئيس حسن روحاني على سبيل المثال دعا المواطنين إلى البقاء في البيوت قدر الإمكان، لكنه دعا في نفس الوقت إلى حضور تشييع جثامين المتوفين بالمرض. كما لم تدعو السلطات إلى وقف حركة التنقل بين المدن المصابة بالمرض. ويضيف الكعبي أن السلطات لم توقف حتى الآن زيارة العتبات الدينية مثل قبر فاطمة في قم أو قبر الإمام رضا في مشهد، حيث مازال آلاف الزوار يحجون إلى تلك المواقع دون رادع صحي أو دون رقابة صحية ملحوظة.
كما يشير الناشط الكعبي إلى أن سياسة السلطات في التعامل مع فيروس كورونا قد أدى إلى تعميق أزمة الثقة بين المواطنين والحكومة. فالسلطات، وحسب رأي الكعبي، لم تتعامل مع ظهور المرض بشكل صريح خوفا من أن يؤثر ذلك على سير الانتخابات البرلمانية التي جرت الأسبوع الماضي والتي شهدت أدنى نسبة مشاركة في تاريخ البلاد. وكانت السلطات تخشى أن يساهم الإعلان عن المرض قبل الانتخابات إلى تدني نسبة المشاركة دون 40 بالمائة مما كان يساهم في فشلها سياسيا ومعنويا، حسب رأي الناشط الكعبي.
دول الجوار توقف حركة التنقل من وإلى إيران
كارثة المرض لم تتوقف عند حدود إيران، بل تجاوزتها لتصل إلى العراق والكويت والبحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة والتي باتت ترفض استقبال زوار من إيران وتمنع مواطنيها من زيارة إيران حاليا. كما قامت تركيا بنصب خيم صحية للوافدين من إيران على طول حدودها جنوب شرق البلاد. في هذا السياق يقول الناشط الحقوقي حكيم الكعبي إن إيران التي تحاول عبر ميليشياتها الهيمنة على دول المنطقة باتت تشهد تراجعا في تأثيرها السياسي والفكري على المدى المتوسط بسبب توقف الحركة وتراجع النشاط السياحي والاقتصادي وبذلك تراجع التأثير الروحي على الاتباع في تلك الدول. يشار إلى أن العراق اعلن عن حالات بالإصابة بمرض فيروس كرونا عبر زائرين إيرانيين أو سياح عراقيين رجعوا من غيران حاملين المرض. كما اعلنت البحرين والكويت والإمارات عن حالات مماثلة وعبر طريق إيران.
من جانب آخر، يحذر خبراء بالأوبئة من إيران وفي حال انتشار فيروس كورونا بشكل وبائي واسع لا تستطيع مواجهة المرض دون مساعدات دولية، كما تحتاج إيران إلى أدوية ومضادات حيوية وهي مواد شحيحة في البلاد حاليا بسبب العقوبات الأمريكية عليها. ولكن بعض الخبراء يؤكد أن الدواء غير خاضع للعقوبات الأمريكية أو الدولية.
حسن ع حسين