هل ستنتقل الثورة الشعبية إلى السعودية قريباً؟
٣ مارس ٢٠١١في ظل اشتعال فتيل الثورات الشعبية في عدة دول عربية وانتقاله من تونس إلى مصر وليبيا ودول أخرى في العالم العربي، تكثر التكهنات والتساؤلات حول ما إذا كانت شرارة الاحتجاجات الشعبية ضد الأنظمة والمطالبة برحيل حكامها سوف تنتقل إلى دول الخليج العربي. وبالفعل فان المطالبات الشعبية بالتغيير والاحتجاجات وصلت مؤخراً إلى البحرين وسلطنة عمان، حيث خرج الآلاف إلى الشوارع والساحات مطالبين بإصلاحات اقتصادية وسياسية.
ويبدو أن حكومات هذه الدول قد أدركت الخطر الكامن في غياب الحريات والعدالة الاجتماعية، وشرعت بالتالي في الإعلان عن إصلاحات سياسية واقتصادية. ومن بين هذه الدول المملكة العربية السعودية، حيث أعلن العاهل السعودي مؤخراً عن إنفاق 100 مليار ريال سعودي، أي ما يقارب 35 مليار دولار، كمِنَح اجتماعية وعلاوات وتوزيعها على الشعب. كما أعلن عن دعم مشاريع الإسكان ورفع رأسمال البنك السعودي للتسليف والادخار والقيام بتحسين خدمات اجتماعية عديدة. ويبدو أيضاً أن السعودية، كغيرها من معظم الدول العربية التي لم تصلها موجة الاحتجاجات بعد، تريد استباق هذه الأحداث والقضاء على الأسباب التي يمكن أن تشعل ثورة ضد النظام القائم، راجية ربما بذلك أن يدرأ "دواء" المليارات "داء" الثورات قبل استفحاله في دعائم هذه الأنظمة. وجاء ذلك في خضم بعض المبادرات على صفحة "فيسبوك"، مثل مبادرة اسمها "ثورة حنين 11 مارس"، بالدعوة إلى إجراء إصلاحات ديمقراطية جذرية في المملكة.
دعم مالي أم إصلاحات؟
غير أن هذه الإصلاحات السريعة وتوزيع الأموال على الشعب من أجل إخماد فتيل الثورة قبل اشتعاله، لا يُعتبر مفيداً أو مقنعاً في نظر الكثير من المثقفين السعوديين، الذين وقعوا مؤخراً على ما أسموه ب "إعلان وطني للإصلاح". هذا الإعلان الذي وصفه الموقعون بأنه نداء إلى القيادة السياسية، يذهب إلى أبعد من هذه الإصلاحات وإنفاق الأموال التي قد تكون ذات فاعلية قصيرة الأمد. بل ويطالب الإعلان بإصلاحات سياسية جذرية تحول النظام السياسي في المملكة إلى نظام ملكي دستوري يستمد شرعيته من الشعب، ويحقق العدالة الاجتماعية والمساواة. وانطلاقاً من الأزمات السياسية والتحركات التي تشهدها العديد من الدول العربية في هذه الأثناء، يرى هذا الإعلان أن هناك ظروفا "تفرض علينا جميعا مراجعة أوضاعنا، وبذل أقصى الجهد في إصلاحها قبل أن تزداد تفاقما، ونجد أنفسنا أمام تطورات لا يمكن درؤها ولا التنبؤ بعواقبها."
"وضع السعودية مختلف"
ويبقى السؤال عما إذا كان الوضع في السعودية قد يؤدي في وقت قريب إلى هذا التفاقم المذكور في الإعلان أو إلى انفجار الوضع الأمني، أو إلى احتجاجات واسعة النطاق قد تكون نهايتها الإطاحة بالنظام الحاكم في البلاد، كما حدث في تونس ومصر مؤخراً. والظروف التي قد تسمح بنشوب اضطرابات ما بين الحكومة وبين فئات عريضة من الشعب هي متوفرة أيضاً في السعودية. فبالرغم من أن السعودية هي من أضخم الاقتصادات العربية، وبالرغم من أنها تمتلك أكبر احتياطات النفط في العالم، إلا أن نسبة البطالة فيها تقدر بحوالي 10 بالمائة، ونسبة البطالة غير الرسمية قد تكون أعلى بكثير من هذا التقدير.
وتشير الإحصائيات إلى أن نصف سكان المملكة هم تحت سن الثامنة عشرة، وأن نسبة البطالة لدى الشباب ما بين سن العشرين والأربعة وعشرين عاماً تقدر بحوالي 40 بالمائة. كما أن مستوى الفساد في السعودية لا يزال عالياً. فطبقا لمؤشر منظمة الشفافية الدولية (Transparency International) احتلت السعودية المرتبة الخمسين، وهو ما يدل على نسبة عالية من الفساد، مقارنةً مع الدول الغربية الصناعية. ورداً على السؤال عما إذا كان من الممكن أن تنتقل شرارة الثورة إلى السعودية، يجيب الخبير السياسي الألماني غيدو شتاينبيرغ أن الوضع في المملكة العربية السعودية يختلف عنه في الدول الأخرى مثل مصر. ففي مصر وتونس و ليبيا هناك معارضة قوية، كما يرى شتاينبيرغ. ورغم أن المطالبة بالإصلاحات في السعودية كانت موجودة منذ زمن، إلا أن المعارضة في السعودية ليست قوية. ولهذا يرى شتاينبرغ أن الوضع هناك الآن أهدأ من الوضع في الدول الأخرى.
"الحكومة لا ترفض الإصلاحات"
أما الكاتبة السعودية الدكتورة ثريا العريّض فترى أن الوضع في السعودية يجب أن يُنظر إليه كجزء من صورة شاملة. فهناك حسب رأيها تغيرات سريعة تحصل الآن في العالم العربي، وهناك أيضاً في كل موقع من الدول العربية أوضاع تحتاج إلى التصحيح، ولكن منطقة الخليج العربي والسعودية بالذات لها وضعها الخاص. وتقول ثريا العريّض: "الحكومة السعودية بحد ذاتها ليست رافضة للإصلاح، بل هي أيضاً طرف من الأطراف التي تنادي بإصلاحات في بعض النقاط، ومنها مثلاً القضاء على الإرهاب."
وإذا كان إصلاح النظام السعودي وتحويله إلى ملكية دستورية هو وفقأً للدكتورة ثريا العريض واردا، إلا أن تطبيقه على أرض الواقع مسألة أخرى. ولكن هل القضاء على الإرهاب هو فعلاً جزء من الإصلاحات المنشودة؟ "الإعلان الوطني للإصلاح" لا يذكر الإرهاب كمشكلة اجتماعية أو سياسية ينبغي محاربتها من قِبل الدولة، بل يطالب بإجراء إصلاحات تضمن للفرد حقوقه المدنية والفردية. ويشير الإعلان إلى ضرورة "التأكيد على مسؤولية الدولة في ضمان حقوق الإنسان ، وكفالة حق التعبير السلمي عن الرأي ، وتعزيز الحريات العامة ، بما فيها الحق في تكوين الجمعيات السياسية والمهنية."
الحكومة السعودية والشيعة
وفي الوقت الذي تبدي فيه ثريا العريّض الحذر في الحكم على مدى نجاح تحويل النظام السعودي إلى نظام برلماني ينتخب الشعب فيه ممثليه، يرى غيدو شتاينبيرغ أن هناك مشاكل كبيرة بين الحكومة السعودية والأقلية الشيعية في البلاد. فالكثير من الشيعة الذين يسكنون في الجزء الشرقي من المملكة يعارضون نظام الحكم السعودي الوهابي. وهذا ما يجعل الحكومة السعودية تنظر بقلق إلى أحداث البحرين، على حد تعبيره. وقد تكون المساعدات والمعونات التي قدمها الملك عبدالله بن عبد العزيز لشعبه هي تعبير عن خشية العاهل السعودي من اندلاع الاحتجاجات في بلاده. وهذا ما يؤكد عليه شتاينبيرغ. إذ أنه يرى أن أنظمة الحكم في الخليج العربي كلها قلقة من تطور الأوضاع وتفاقم الأزمات السياسية التي قد تؤدي في النهاية إلى الإطاحة بهذه الأنظمة. ولكنه يقول أن "هناك فارقا بين السعودية من جهة، وبين مصر وتونس من جهة أخرى. إذ أن النظام السعودي يمتلك القدرات المادية لشراء المعارضة. ولكن باستثناء واحد، ألا وهو الأقلية الشيعية في شرق البلاد." ويوضح شتاينبيرغ بأن ما وصفه بالنظام الطائفي في السعودية يشكل خطرا على الحكومة السعودية التي تخشى من احتجاجات الشيعة في المناطق الشرقية.
ولكن الخبير الألماني يعتقد أن المطالبة بالإصلاحات من قبل المثقفين لها إلى حد ما أرضية شعبية في السعودية، ولا تقتصر فقط على دعم المثقفين. وهو يعتقد أيضاً أن الكثير من المواطنين السعوديين مثل سكان منطقة نجد والحجاز وعسير لا يرفضون حكم آل سعود من حيث المبدأ، وأن حكم هذه العائلة غير مهدد حالياً. ويُرجع شتاينبيرغ هذا القبول بالحكومة الحالية إلى استفادة هذه المناطق المذكورة من عائدات النفط والغاز في المملكة. ولذلك فإن الأساس لثورة شعبية تشمل شرائح عريضة من المجتمع كما هو الحال عليه في مصر هو أساس غير متوفر في السعودية، لأن الفئة التي قد تمثل عاملاً يزعزع استقرار النظام هم فقط الشيعة في الشرق، وليس في نجد أو الحجاز، على حد قول شتاينبيرغ.
نادر الصراص
مراجعة: سيد منعم