هل حقا مونديال قطر أول بطولة "محايدة الكربون"؟
٢٤ نوفمبر ٢٠٢٢قال منظمو كأس العالم لكرة القدم في قطر إن المونديال سيكون أول بطولة محايدة كربونية في التاريخ، بيد أنه في المقابل، قالت منظمات إن مثل هذه المزاعم تعد "مضللة" للعامة وسط تحذيرات من أن البطولة تثير مخاوف بيئية تتعلق بالانبعاثات الكربونية والنفايات واستخدام المياه. فقد ألقى تحقيق أجرته منظمة "كاربون ماركت ووتش" غير الحكومية بظلال من الشكوك حيال هذا الزعم إذ ذكر أن منظمي البطولة عمدوا إلى تقليل الانبعاثات الكربونية بشكل كبير على الأرجح.
وفقا للأرقام الرسمية، فإن مونديال قطر سوف يتسبب في انبعاثات كربونية تصل إلى حوالي 3.6 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون وهو نفس معدل الانبعاثات السنوية في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وقال منظمو البطولة إن معظم الغازات المسببة للاحتباس الحراري خلال البطولة سيكون مصدرها الرحلات الجوية واستضافة أكثر من مليون زائر فضلاً عن تشييد بنى تحتية من بينها سبعة ملاعب جديدة.
وفي ذلك، قالت قطر إنها سوف تعمل على تخفيض الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري عن طريق تركيب أنظمة إضاءة وتبريد تعمل بالطاقة الشمسية وتشييد ملاعب كروية مزودة بأنظمة إضاءة موفرّة للطاقة فضلا عن تعويض الانبعاثات التي لا يمكن تجنبها، بإنشاء مشاريع خضراء.
وقال جيل دوفراسن، مسؤول السياسة في منظمة "كاربون ماركت ووتش" والمشرف على التحقيق، إن مجال بناء الملاعب الرياضية كان أحد المجالات التي اتسمت بالابتكار فيما يتعلق بالحسابات الكربونية، مضيفا أن المنظمين قللوا من نسبة الانبعاثات بما لا يقل عن 1.6 مليون طن.
التقليل من خطورة الانبعاثات الكربونية في الملاعب
وجرى إدراج نسبة قليلة من الانبعاثات الناجمة عن أعمال التشييد والبناء في التقديرات الرسمية، فيما قال المنظمون إن الملاعب وغيرها من البنى التحتية سوف تستخدم لأحداث رياضية أخرى. وفي تعليقه على ذلك، قال دوفراسن إن هذه التقديرات الرسمية تتجاهل حقيقة مفادها أن هذه الملاعب لم يكن سيجرى تشييدها لولا استضافة قطر لكأس العالم.
وتقول قطر البلد ذات تعداد سكاني يبلغ 2.9 مليون نسمة، إن الملاعب الجديدة سوف يتم إعادة استخدامها بعد انتهاء المونديال لأغراض أخرى مثل تحويلها إلى "فنادق البوتيك" فيما رد المنتقدون بأن مثل هذه الخطط تفتقر إلى التفاصيل فضلا عن أن ملاعب رياضية في دول مثل البرازيل واليونان باتت مهجورة عقب انتهاء البطولات الرياضية.
وفي هذا السياق، قال ووكر روس، الباحث في جامعة إدنبرة ومجموعة "سبورت إيكولوجي"، إن مشاريع رياضية ضخمة باتت الآن مهجورة نظرا لعدم وجود أي رؤية حيال كيف يمكن استغلالها بعد انتهاء البطولات.
وأضاف روس أن "بناء ملاعب قليلة الاستخدام يعد من المجالات التي تنتج انبعاثات كربونية أكبر بسبب الحاجة إلى نقل المواد المستخدمة في البناء من مناطق بعيدة".
شكوك في تعويض الانبعاثات الكربونية
وبحسب التقديرات الرسمية، فإن قرابة 51٪ من الانبعاثات خلال المونديال سيكون مصدرها وسائل النقل، بيد أن دوفراسن قال إن هذه التقديرات لا تتضمن الرحلات اليومية من دول الخليج إذ من المقرر أن تقلع 160 رحلة يوميا من الكويت وعمان والسعودية والإمارات لنقل عشاق الساحرة المستديرة إلى قطر.
في المقابل، انتقد تحقيق منظمة "كاربون ماركت ووتش" الخطط التي أعلنها منظمو المونديال بشأن مسألة تعويض الانبعاثات الناجمة في وسائل النقل وغيرها والتي لا يمكن تجنبها.
وقال التحقيق إنه جرى إصدار حوالي مائتي من أصل 1.8 مليون طن من الاعتمادات المخطط لها فيما جاء جميعها من مشاريع للطاقة المتجددة في صربيا وتركيا والهند عبر منظمة أنشأتها قطر.
وقد ألقت منظمة " غرينبيس" البيئية بظلال من الشكوك حيال الخطط القطرية.
وفي ذلك، قال جوليان جريصاتي، مدير البرامج في "غرينبيس" بالشرق الأوسط وشمال افريقيا، إن مثل هذه الخطة لن تنجح، مضيفا أن الطرح القائل بأنه يمكن تعويض الانبعاثات "ليس سوى إلهاء عن العمل المناخي الحقيقي والذي يتضمن تقليل الانبعاثات الناجمة عن الوقود الأحفوري الذي يعد مصدر الانبعاثات الرئيسي وذلك بأسرع وقت يمكن."
المياه والنفايات خلال المونديال
يشار إلى أن الانبعاثات ليست مصدر القلق البيئي الوحيد الذي يشكله تنظيم حدث رياضي كبير مثل مونديال كأس العالم في قطر إذ ذكر جريصاتي أن استخدام المياه يعد أيضا مبعثا للقلق خاصة في ظل شح موارد المياه في قطر.
وأضاف أن كل معلب كروي يحتاج إلى قرابة عشر آلاف لتر من المياه المحلاة يوميا خلال فصل الشتاء فقط.
الجدير بالذكر أن تحلية المياه تعد المصدر الرئيسي لإمدادات المياه المنزلية في قطر فيما تعتبر تحلية المياه عملية كثيفة الاستهلاك للطاقة خاصة الوقود الأحفوري فضلا عن أنها تضر بالكائنات المائية.
وقال جريصاتي إن النفايات تثير قلقا بيئيا رغم تأكيد منظمي المونديال على أنه سيُجرى إعادة تدوير 60٪ من النفايات خلال البطولة فيما سيتم تحويل 40 من المخلفات إلى طاقة.
وفي ذلك، أكد جريصاتي أن حرق النفايات لتوليد الطاقة يتسبب في انبعاثات كربونية، مضيفا "لقد ضاعت فرصة كبيرة لتنظيم أول بطولة تحقق صفر نفايات أو مسابقة رياضية خالية من النفايات. كان هناك طموحات لتحقيق هذا".
وقال نشطاء البيئة إن أحد أوجه التغيير الذي كان من الممكن أن يحدثه المونديال يتمثل في فرضية تشييد شبكة سكك حديدية بين دول الخليج واستضافة المباريات في كافة أنحاء المنطقة أو حتى إقامة الحدث الرياضي من دون جماهير مثل أولمبياد طوكيو.
استدامة البطولات الرياضية الكبرى؟
الجدير بالذكر أن كافة الأحداث الرياضية الضخمة السابقة ألقت أضرارا على البيئة إذ تسبب "مونديال روسيا" عام 2018 من انبعاثات بلغت أكثر من مليوني طن من ثاني أكسيد الكربون فيما تسببت دورة الألعاب الأولمبية التي استضافتها مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية عام 2016 في إصدار انبعاثات بلغت 4.5 مليون طن.
ورغم صعوبة المقارنة بين الأحداث الرياضية الكبرى، إلا أن دوفراسن شدد على ضرورة التدقيق في هذه المسالة خلال مونديال قطر نظرا لأن المنظمين يتباهون بمسالة أن المسابقة تعد أول بطولة محايدة الكربون.
وقال دوفراسن "اتخذت الفيفا واللجنة المنظمة القطرية هذا القرار رغم أنهم ليسوا في حاجة إلى ذلك، لكنهم أقدموا على ذلك لتدشين حملة خضراء والقول بإن البطولة محايدة الكربون. وهذا ما يعد إشكالية لنا".
وقال نشطاء البيئة إن منظمي مونديال قطر أضاعوا فرصة لإحداث تغيير جوهري في سياق الحفاظ على البيئة في البطولات الكبرى. وفي ذلك، قال جريصاتي إن كأس العالم وغيره من الأحداث الرياضية الكبرى يمكن أن تساهم في تحقيق "تحول منهجي حقيقي، نظرا لأنها تجذب اهتماما كبيرا فضلا أن جذب الكثير من الاستثمار وتخلق زخما".
ويرى نشطاء البيئة أن مثل هذه البطولات قد تسهم في زيادة التوعية حيال قضايا الاستدامة حول العالم، وفقا لما ذكره لويس بلاوستين، مؤسس منظمة EcoAthletes، التي تشجع الرياضيين على القيام بحملات مناخية.
وقال إن الرياضيين هم "الأشخاص الأكثر تأثيرا على هذا الكوكب" حيث قادوا حملات اجتماعية عديدة، مستشهدا في ذلك بحفل افتتاح أولمبياد ريو عام 2016 حيث تضمن سبع دقائق لتسليط الضوء على خطورة ظاهرة تغير المناخ.
وأضاف بلاوستين أنه يتعين "دفعهم للاهتمام بظاهرة تغير المناخ وبعد ذلك اكتشاف طريقة لدفعهم أيضا إلى اتخاذ إجراءات".
أليستير والش / م ع