هل تعم الاحتجاجات القارة العجوز؟
١٩ ديسمبر ٢٠١٨إذا تأملنا في الصور يمكن الاعتقاد بأن بحر الأنوار في بودابست هو عرض لأضواء أعياد الميلاد، غير أن الناس الذين تجمعوا مساء الأحد في عاصمة هنغاريا/ المجر لا يمسكون بإيديهم الشموع، بل أجهزة الهاتف الذكي، ورسالتهم ليست دينية، بل سياسية. فهم يطالبون من رئيس الوزراء فيكتور أوربان سحب قانون يسمح لرجال الأعمال بتشغيل موظفيهم حتى 400 ساعة إضافية في العام الواحد. ومنذ التصويت البرلماني الأربعاء الماضي يتحرك الناس ضد "قانون العبودية" هذا وحصلت مواجهات عنيفة. وفي يوم الأحد ظلت الاحتجاجات سلمية إلا أن الشرطة استخدمت لاحقا الغاز المسيل للدموع. وبمشاركة 10.000 إلى 15.000 شخص كانت تلك هي الذروة لموجة احتجاج لم تحصل إلى حد الآن في فترة حكم أوربان التي المستمرة منذ ثمان سنوات. فهل تشهد الشوارع الأوروبية الآن تسخينا للمناخ السياسي؟
المجر: "أوربان ارحل"
الكثير من المحتجين عبروا بهتافاتهم أن الأمر يتجاوز قانون الساعات الإضافية أو السياسة الاجتماعية لرئيس الوزراء. فتحت حكم فيكتور أوربان خسر العمال مزيدا من الحقوق في الوقت الذي تعزز فيه مركز أصحاب الشركات. وهناك أيضا استياء بسبب تحرك أوربان ضد المشردين والمهاجرين وبسبب حملة إنقاذ رئيس الوزراء المقدوني السابق نيكولا غروفسكي المحكوم عليه بالسجن في وطنه.
صربيا ضد سلطة الدولة
وفي عاصمة صربيا بلغراد خرج في نهاية هذا الأسبوع الآلاف مجددا إلى الشوارع، واستخدموا الصفارات والمكبرات الصوتية لتفريغ غضبهم ضد الحكومة على غرار ما حصل أثناء الاحتجاجات الشعبية ضد نظام ميلوسوفيتش في التسعينات. وسبب الاحتجاجات الراهنة يعود لهجوم عنيف على رئيس اليسار الصربي، بوركو ستيفانوفيتش، إذ قام رجال يلبسون أقمصة سوداء بضرب السياسي في نهاية نوفمبر بهراوة حديدية وأصابوه بجروح بليغة. وشجب الرئيس الاعتداء، وتم اعتقال الجناة. وتحمّل المعارضة الأسلوب الخطابي المشحون للرئيس مسؤولية أجواء العنف في البلاد.
ألبانيا: أكثر من رسوم دراسية عالية
وفي ألبانيا يحتج منذ بداية الشهر طلبة لتخفيض رسوم الدراسة. ففي الجامعات الحكومية يتراوح مستوى الرسوم بين نحو 160 و 2560 يورو، فيما يصل متوسط الدخل في البلاد الفقيرة في البلقان إلى نحو 350 يورو. إلا أن الطلبة في العاصمة تيرانا ومدن أخرى في البلاد لا يستهدفون فقط الرسوم الدراسية، بل يتعلق الأمر بانتقاد عام لحكومة رئيس الوزراء إيدي راما، إذ أثاروا الاهتمام من خلال إقامة متاريس في الشوارع إلى الفقر الواسع في البلاد وأسعار الوقود المرتفعة.
فرنسا: ما هو مستقبل السترات الصفراء؟
متاريس في الشوارع بسبب أسعار الوقود المرتفعة بدأت بها الاحتجاجات في فرنسا قبل أسابيع بقيادة السترات الصفراء. وهذا الاحتجاج القوي والواسع في البلاد فقد من زخمه بعد تنازلات الرئيس إيمانويل ماكرون والاعتداء في ستراسبورغ. وظل مستوى الاحتجاجات في باريس نهاية الأسبوع أقل قوة من الأسابيع الماضية. غير أن برنامج الطوارئ بمليارات اليورو الذي يشمل زيادة 100 يورو على الدخول الدنيا يسبب لفرنسا متاعب في الميزانية: ففي 2019 ستتحمل باريس ديونا أكثر مما يسمح به ميثاق الاستقرار الأوروبي. والهدف الرئيسي القاضي بالتخلي عن زيادة الضريبة البيئية على المحروقات الحفرية حققته السترات الصفراء.
أوروبا موحدة في الاحتجاج؟
" في الحقيقة يمكن افتراض أن هذه الرمزية للسترات الصفراء ـ لأن كل واحد يملك واحدة في السيارة ـ قادرة على الانتقال بسرعة"، كما قالت خبيرة الاحتجاجات الاجتماعية، سبرينا زياك قبل أسبوعين في حديث مع دويتشه فيله. وتضيف الخبيرة: " إلى ذلك يوجد بالطبع امتعاض في كثير من البلدان الأوروبية الأخرى". إلا أنها تبقى محقة بتقييمها الذي يفيد بأن الاحتجاجات لم تنتشر بشكل واسع. وبعد بعض التجمعات للسترات الصفراء في بلجيكا وهولندا دعت حركة السياسية اليسارية سارة فاغنكنيشت "انهضوا" في نهاية الأسبوع إلى مهرجان خطابي للسترات الصفراء في ميونيخ. وأفادت الشرطة أن 100 شخص فقط شاركوا في التجمع في ثالث أكبر مدينة ألمانية. وتأكد تقييم زياك بأن "الاحتجاج في فرنسا له علاقة بالأوضاع الخاصة في البلاد".
وحتى الاحتجاجات في شرق أوروبا تستهدف الحكومات المحلية، وتُلاحظ زيادة في مستوى الامتعاض الشعبي على الصعيد الأوروبي.
وفي الوقت الذي تبقى فيه سياسات العمل والسياسات الاجتماعية من الموضوعات الوطنية، فإن ارتفاع سخونة الأرض لا تعرف حدودا، وبالتالي يوجد على الأقل حركة احتجاج صغيرة تلتزم على مستوى أوروبا، إذ خرج في الأيام الماضية آلاف التلاميذ في مدن ألمانية للمطالبة بتحسين مستوى البيئة.
ديفيد إيل/ م.أ.م