هل تحول استقالة الجنرال عمار دون تكرار السيناريو المصري في تونس؟
٢٤ يوليو ٢٠١٣لا تزال معرفة الأسباب الحقيقية وراء إعلان استقالته قائد الجيوش الثلاثة الجنرال رشيد عمار، الذي كان حتى وقت قريب "بطل" المرحلة الانتقالية بعد الثورة في نظر الكثيرين، الشغل الشاغل للمحللين والصحافيين في تونس. ولكن بعد قرار القوات المسلحة المصرية عزل محمد مرسي، الذي ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، من منصب الرئاسة، بدأ التونسيون يتساءلون ما إذا كان من الممكن أن يتكرر السيناريو المصري في تونس. ونقاط التشابه كثيرة بين مصر وتونس فيما يتعلق خاصة بالسخط الشعبي وتأخر تطبيق استحقاقات الثورة والشكاوى من عنف المتشددين والتضييق على الحريات.
وهو الأمر الذي لا يستبعده الهاشمي الحامدي، رئيس "تيار المحبة" المعارض ومدير قناة المستقلة التي تبث من لندن، في حديثه مع DW عربية. ويقول "الدعوات التي أطلقتها بعض الأحزاب (المعارضة) للإطاحة بالحكومة والمجلس التأسيسي لا يمكن تفسيرها إلا بأنها دعوة للانقلاب، والأرجح أن مثل هذا الطرح لا يمكن أن يتحقق إلا برضا أو بدعم من جهات إقليمية ودولية." ويحذر الحامدي من أن أي انقلاب عسكري في تونس على المنوال المصري قد تكون له عواقب وخيمة. "المأساة أن مثل هذا السيناريو سيعني بالضرورة أن تخسر البلاد أهم مكسب حققته ثورة 17 ديسمبر وهو حق الشعب التونسي في اختيار حكامه عبر صناديق الاقتراع وليس من خلال القوة الغاشمة أو الوصاية المفروضة بالقوة من أي طرف كان"، على حد تعبيره.
"هل يتكرر السيناريو المصري في تونس؟"
من جهته، لا يتوقع الإعلامي والمحلل السياسي نور الدين المباركي في حديثه مع DW عربية أن يكون للمؤسسة العسكرية في تونس دورا مشابها للدور الذي تلعبه المؤسسة العسكرية في مصر وأن تتدخل مباشرة في الشأن السياسي رغم دورها في حماية الثورة. ويضيف أن "المؤسسة العسكرية في مصر لها تقاليدها في العمل السياسي تعود إلى ثورة 23 يوليو/تموز عام 1952، أما في تونس فإنها كانت دائما بعيدة عن هذا الشأن بحكم تحجيم دورها خلال عهدي (الرئيسين السابقين) بن علي وبورقيبة، وحتى عندما أتيحت لها الفرصة مباشرة بعد 14 جانفي (يناير) 2011 اختارت أن تحافظ على دورها المحايد".
وفي الواقع، فقد لعب الجيش التونسي دورا كبيرا منذ أحداث الثورة، حيث لم يطلق النار على المتظاهرين، وكذلك في حفظ الأمن في البلاد وتأمين حدودها خاصة في الجنوب إبان الثورة الليبية. لكن مع ذلك، يخشى السياسيون من أن يكون للاستقالة التي أعلن عنها رشيد عمار، الذي تصدر المشهد السياسي في تونس بعد الثورة، علنا وخلال برنامج تلفزيوني بحجة تجاوزه الحد العمري، تأثيرا على دور المؤسسة العسكرية خلال مرحلة الانتقال الديمقراطي وعلى علاقتها بالائتلاف الحاكم.
لكن المباركي يستبعد أن تكون لاستقالة الجنرال رشيد عمار تداعيات كبيرة على أداء المؤسسة العسكرية في تونس "لسبب رئيس هو أن هذه المؤسسة لها قوانينها ومؤسساتها التي تجعلها تواصل عملها على النسق ذاته". ويوضح المباركي أن "شخصية الجنرال عمار وبروز اسمه خلال الثورة وبعدها هو ما أعطى لحدث استقالته هذه الأهمية ليصبح حدثا سياسيا أكثر منه عسكريا وأمنيا."
يذكر أن رشيد عمار كان أدلى في مقابلة تلفزيونية مع قناة "التونسية" الخاصة بتصريحات تحدث فيها عن الانتقادات التي تعرض لها على خلفية أحداث جبل الشعانبي في غرب البلاد، حيث طالبه بعض السياسيين المعارضين بالاستقالة نظرا لما اعتبروه "فشلا" في احتواء أحداث الشعانبي. يأتي ذلك بعد مقتل وجرح عدد من العسكريين والأمنيين خلال عمليات تمشيط وتطويق بجبل الشعانبي، الواقع على الحدود الجزائرية والممتد على مساحة 100 كيلومتر مربع، بعد أن سيطرت جماعات إرهابية على جزء منه وزرعت فيه ألغاما. وقد زادت الانتقادات عندما استغرقت عملية السيطرة على المنطقة أكثر من شهرين ليلقي ذلك بتساؤلات حول قدرة الجيش والأمن في تونس على الحفاظ على أمن البلاد واستقرارها.
"هل الجيش التونسي مضمون؟"
ولم يعلق الائتلاف الحاكم في البداية على إعلان الاستقالة المفاجئ، بينما أعلن الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي في فترة لاحقة عن تنصيبه قائدا جديدا لجيش البر الجنرال محمد الصالح الحامدي. ويؤكد المحامي والخبير في القانون الدولي زياد العذاري، وهو نائب في المجلس التأسيسي عن حركة النهضة الإسلامية، لـDW عربية "لم يكن الخيار المطروح أن يغادر الجنرال رشيد عمار في هذه المرحلة، ولكنه اختار ذلك ويجب احترام حرية اختياره. أما المؤسسة العسكرية فقد كانت أحد أعمدة الاستقرار السياسي خلال المرحلة الانتقالية بتونس وهي ستبقى محايدة وبعيدة عن التجاذبات".
لكن تشير التحليلات في تونس إلى نوع من التململ في صفوف بعض قيادات الجيش بشأن وضع المؤسسة في الدستور الجديد. ويذهب البعض إلى اعتبار أن المشرعين داخل المجلس الوطني التأسيسي لم يمنحوا الجيش المكانة "التي يستحقها".
ويعتقد العذاري أن ما طُرح في الدستور يعتبر "مقبولا" ويراعي المعايير الدولية وأن الاتجاه الآن هو منح ضمانات أكثر للجيش مع الرفع في ميزانية الدفاع حتى يكون عمله أكثر فاعلية، خاصة وأنه "عرف تهميشا بدوره في ظل الأنظمة السابقة التي كانت تخشى تدخل الجيش في الحكم"، حسب تعبيره.
ولا يخفي العذاري ثقته في المؤسسة العسكرية إزاء أي انقلاب محتمل على السلطة قائلا "نحن على العكس مطمئنين وقد برهنت المؤسسة العسكرية في كثير من المناسبات أنها لا تتدخل في التجاذبات السياسية والصراعات الحزبية. ولا يوجد أي مؤشر على إنها ستغير موقفها في ذلك".