هل أضحت لوبان على بعد خطوة من الإليزيه؟
١٩ يونيو ٢٠٢١تبدو الأمور جيدة بالنسبة للتجمع الوطني الفرنسي اليميني المتطرف، حزب مارين لوبان، حسب استطلاعات للرأي أظهرها معهد إيفوب/ Ifop الفرنسي. فقد بين الاستطلاع الذي أجري قبل أيام من الانتخابات المحلية في منطقة باكا التي يقطنها 5 ملايين فرنسي، والواقعة في إقليم "الألب كوت دازور" جنوب فرنسا. إذ يبدو أن اليمنيين الشعبويين سيصبح بإمكانهم الفوز وتحديد رئيس المقاطعة بغض النظر عن طبيعة الائتلاف القادم.
ففي انتخابات جرت قبل 6 أعوام في جنوب فرنسا فشلت ابنة شقيق مارين لوبان، ماريون مارشيال بفارق ضئيل. خلال الجولة الثانية حينها انسحبت قائمة يسار الوسط من السباق، ما مكن المحافظين من الفوز على حزبها "الجبهة الوطنية" اليمينية التي تحولت إلى التجمع الوطني لاحقا، إلا أن "الجبهة الجمهورية" المكونة من تحالف جميع الأحزاب لن تتمكن اليوم كما يبدو من إعاقة فوز لوبان.
من الإقليم إلى باريس
فوز التجمع الوطني على المستوى الأقليمي يعني بالنسبة لفرنسا تحولا سياسيا جديدا. إذ تمكن الحزب من الحصول حتى اللحظة على عدد قليل من المقاعد في مجالس البلديات على المستوى الإقليمي، وهكذا لم يتمكن من تشكيل أي حكومة في أي من الأقاليم الـ 13. ومنذ أعوام لم يقم التجمع الوطني قاعدة ناخبين مستقرة في الجنوب فقط، بل يفعل ما باستطاعته من أجل حضور مميز في شمال فرنسا، في منطقة "غراند إيست" ، التي تضم إقليم الألزاس، وكذلك في مناطق أخرى.
ليس غريبا إذن إعلان زعيمة الحزب مارين لوبان أن الانتخابات الإقليمية نقطة انطلاق للوصول إلى رئاسة فرنسا. ففي أيار/ مايو 2017 تلقت مارين لوبان هزيمة أمام الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون في انتخابات الجولة الثانية. وتريد لوبان البالغة من العمر 52 عاما الانتصار بمنصب الرئيس في محاولة ثانية. وتعمل الجبهة الوطنية بتكتيك يعتمد على استقطاب مجموعات جديدة من الناخبين. فبعد نجاح الحزب لفترة طويلة في استقطاب الطبقة العاملة، تتجه مارين لوبان في الوقت الحالي لاستهداف المعسكر المحافظ. لهذا لهذا السبب لم تغير لوبان فقط اسم الحزب الذي أسسه والدها جان ماري في عام 1972 فحسب، بل غيرت البرنامج أيضا. إذ اختفت مطالب الخروج من العملة الموحدة اليورو ومن الاتحاد الأوروبي.
الأمن الداخلي في الحملة الانتخابية
لقد غيرت لوبان نهجها السياسي فيما يتعلق بالقضايا الأوروبية، لكنها ظلت محافظة على قضية محورية بالنسبة للحزب، ألا وهي الأمن الداخلي حتى على مستوى الأقاليم. فبالرغم من أن الأقاليم في فرنسا هي صاحبة الصلاحيات بشأن التخطيط العمراني والنقل الإقليمي وسياسة المدارس، إلا أن هذا لا يمنع الجبهة الوطنية والأطراف السياسية الأخرى من وضع هذه القضايا في صلب الحملات الانتخابية. فمثلا يحاول لوران فاوكيز، الزعيم السابق للحزب الجمهوري وهو حزب الرئيس السابق ساركوزي (LR) ، اللعب بأوراق الأمن من أجل إعادة انتخابه رئيسا إقليميا لمنطقة "أوفيرني رون ألب"، ويطالب بتوفير "درع مراقبة بالفيديو" وكذلك إلغاء مخصصات الدولة عن آباء الجناة من القصر. كما يرغب بتوفير موظفي أمن للمدارس.
ورغم التوقعات بنسبة مشاركة منخفضة في نهاية الأسبوع المقبل، إلا أن المراقبين يرون في الانتخابات بمثابة اختبار جدي للانتخابات الرئاسية مع بداية العام القادم. فمنذ أسابيع أشارت جميع الاستطلاعات إلى احتمال ظهور نسخة جديدة من مبارزة عل كرسي الرئاسة بين ماكرون ولوبان، والمراقبون لا يستبعدون أي مفاجآت في الأشهر العشرة القادمة، وبالخصوص لأن المحافظين والاشتراكيين الذين هيمنوا في الماضي على الساحة السياسية لم يعلنوا بعد عن أسماء مرشحيهم.
تغير الخريطة الانتخابية
والخريطة الحزبية القديمة في فرنسا أصبحت من الماضي، فالأحزاب القائمة تفتقد إلى قوتها السابقة. وبعد أربع سنوات من فوز ماكرون في الانتخابات، يُظهر إقليم كوت دازور الصعوبات التي يتعين على هذه الأحزاب مواجهتها. ففي الإقليم الذي يُعد موطنا أصليا لحزب التجمع الوطني رشح الشعبويون اليمينيون مرشحا معروفا هو تييري مارياني، الذي كان حتى عام 2019 عضوا في المعسكر المدني. مارياني كان جالسا حول طاولة مجلس الوزراء في عهد الرئيس المحافظ نيكولا ساركوزي ورشحه في عام 2010 كأفضل مرشح لمنطقة باكا. لكن مارياني انتقل قبل عامين إلى معسكر لوبان، وشغل مقعدا في البرلمان الأوروبي عن التجمع الوطني أي الجبهة الوطنية سابقا. والغريب أن مارياني يتلقى حتى اليوم دعما من حزب ساركوزي، حتى لو أن الجمهوريين يخوضون المنافسة مع الرئيس الإقليمي الحالي رينو موسيلير.
وفيما يتعلق بالسياسة على المستوى الوطني يواصل الحزب الجمهوري الذي وصل منه خلال عشرين عاما سياسيان إلى كرسي الرئاسة، هما جاك شيراك ونيكولاس ساركوزي، لعب دور ثانوي. فالحزب بدأ بتمزيق نفسه بنفسه منذ وصول ماكرون إلى السلطة قبل أربعة أعوام.
اندرياس نول/ ع.خ