هل أوفى الفلسطينيون محمود درويش حقه؟
٣ فبراير ٢٠١٤يحرص الزائر محمد أبو معيده من الأردن على زيارة ضريح ومتحف الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، الموجود في مدينة رام الله على ربوة تطل على مدينة القدس. وأصر أبو معيدة على أن يعرف أفراد عائلته أيضاً، خلال زيارتهم الأولى للأراضي الفلسطينية، على هذه الشخصية الأدبية وإرثها الثقافي.
ويعتبر أبو معيدة "الشاعر محمود درويش رمزاً للثقافة الفلسطينية" ويقول في حديثه مع DW عربية إن "قصائده الخالدة ساهمت في نقل أحزان وأفراح وهموم المواطن الفلسطيني، كما أنها استعرضت بصدق أبرز وأدق المحطات النضالية للقضية الفلسطينية في الداخل والخارج". ويصف أبو معيدة كلمات محمود درويش بـ "المؤثرة" ويعتبرها "أشد وقعا من تأثير الرصاص". ويقول أبو معيدة أن قصيدتي "سجل أنا عربي" و"مديح الظل العالي" من بين قصائد محمود درويش التي أثرت فيه بشكل خاص.
أما لينا عاطف، طالبة اللغات الانجليزية والفرنسية، من جامعة بيرزيت، فتقول: "إن درويش شاعر إنساني". وتابعت عاطف "إنه أيقونة فلسطينية مميزة خدم القضية الفلسطينية بطريقة سلمية. لقد كان إنسانا مرهف الحس، كتب شعراً في المرأة وللمرأة".
ويعرف ضريح الشاعر محمود درويش توافد كثير من الزوار بشكل يومي لزيارة قبره، منهم من يضع إكليلا من الورد، ومنهم من يتغنى بأشعاره أثناء صعود درج حديقة "البروة" التي سميت على اسم القرية التي ولد فيها. كما يتميز ضريح محمود درويش بوجود مسرح يتسع لمئات الزوار، إضافة إلى متحف يضم الكثير من مقتنيات الشاعر الخاصة كمكتبه الخاص الذي رافقه في إقامته في عمان وباريس.
"يقربنا من طريق الخلاص"
تسهر مؤسسة محمود درويش على حفظ إرثه الثقافي. وقد عملت المؤسسة على تهيئة المسرح والحديقة والمتحف بالتعاون مع السلطة الفلسطينية. وذلك تخليداً واعترافاً بما أسداه للقضية الفلسطينية. وقد عملت المؤسسة بالتعاون مع وزارة الثقافة على جعل 13 من مارس/ آذار الذي يصادف يوم ولادة محمود درويش، يوما وطنياً للثقافة الفلسطينية.
ويقول سمير هلال، المدير العام لمؤسسة محمود درويش في حديث مع DW عربية "نحن الفلسطينيين بحاجة إلى محمود درويش لأنه يقربنا من طريق الخلاص من المشاكل والهموم الوطنية والسياسية والثقافية التي نعاني منها في الفترة الحالية. ويتابع هلال "لذلك نسعى لتنوير الشعب من أجل الحفاظ على قيم العدالة الاجتماعية وحق تقرير المصير و الديمقراطية التي عاش ومات الراحل وهو يدافع عنها".
وتقوم مؤسسة محمود درويش منذ تأسيسها عام 2008 بجمع التراث الثقافي للراحل محمود درويش في مجالي الشعر والنثر المتكون من 34 ديوانا شعريا ونثريا، وتقديمه لكافة المهتمين. فقد أصدرت المؤسسة منذ تأسيسها 12 ديواناً حتى الآن. ومن المرتقب أن يتم الانتهاء هذا العام من حفظ الإرث الشعري لمحمود درويش.
جائزة محمود درويش للإبداع
وتسعى المؤسسة للحفاظ على الإرث الثقافي والأدبي لمحمود درويش من خلال احتضان وتنظيم أعمال إبداعية عديدة تساهم في النهوض بالوضع الثقافي الفلسطيني مثل المهرجانات الأدبية والثقافية، والأمسيات الشعرية والأعمال المسرحية. كما خصصت المؤسسة جائزة سنوية تحمل اسم "جائزة محمود درويش للإبداع" يتم تسليمها للفائز في ذكرى مولده في مارس/ آذار من كل عام.
ولتحفيز الإبداع والتواصل بين الأدباء والمهتمين، تنظم المؤسسة شهريا أمسية شهرية بعنوان "مبدع في حضرة درويش"، وهي عبارة عن لقاء إبداعي تستضيف فيه المؤسسة مبدعين محليين و أجانب لتقديم أحدث إبداعاتهم الفنية والأدبية والفكرية.
ومن بين الشخصيات التي حضرت مؤخراً ضمن فعاليات هذه الأمسية الشهرية: الروائي الجزائري واسيني الأعرج والروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله والشاعر العراقي عدنان الصايغ. وقد حظيت هذه الأمسيات الشعرية بتفاعل وإقبال واسعين من الجمهور المهتم بالشعر والثقافة في مدن نابلس ورام الله والخليل.
وعلاوة على ذلك، تمنح المؤسسة جائزة تحت اسم الشاعر لكتاب ومبدعين والمفكرين وأيضا لأي عمل إبداعي يدعم الحركة الأدبية والثقافية. وذلك من خلال حفل يقام سنوياً على مسرح محمود درويش. ومُنحت جائزة العام الماضي للشاعر الفلسطيني حنا أبو حنا. ومنحت جائزة مماثلة لمؤسسة نشر فرنسية، بالإضافة إلى منح جائزة شرف خاصة للمفكر العربي السوري صادق جلال العظم.
تحفيز الشباب على الإبداع
وتركز مؤسسة محمود درويش أيضاً على تحفيز الشباب على الإبداع برعايتها لمهرجان للشعر يشارك في فعالياته نحو 30 شاعرا شاباً. ولا تقتصر أنشطة مؤسسة محمود درويش على المهتمين بالشعر والنخب المثقفة فحسب، بل كما يشير سمير هلال في حديثه إلىDW عربية تمتد أنشطتها "لتشمل تنظيم فعاليات وأمسيات تتلاءم واهتمامات مختلف شرائح المجتمع". ويؤكد هلال على أن "إقبال الجمهور على هذه الأنشطة في تزايد مستمر".
الوفاء لإبداع محمود درويش
أما الكاتب التربوي تحسين يقين فيعتقد "أن المؤسسات الثقافية التي تُغلب الجوانب الإدارية على الجوانب الإبداعية، لن تكون قادرة على حمل هذا الإرث، فالشاعر المبدع محمود درويش يحتاج إلى مؤسسة إبداعية، تغلّب الجانب الإبداعي في حياته كما في رحيله".
ويقول تحسين يقين في حوار مع DW عربية إن "الثقافة والمثقفين في فلسطين يركضون وراء الشاعر العظيم لملامسة إبداعه الإنساني، خصوصاً في شعره المتحدث عن الصراع والحرب والسلام ومستقبل العيش في فلسطين". لكنه انتقد هذه الهيئات الثقافية لأنها "تقع في أسر الاهتمام بنفسها، وكأنها تحتفل بنفسها لا بمحمود درويش".
ويتابع يقين :"إذا أردنا فعلاً النهوض بما تركه درويش للعالم ولنا، علينا اختبار ما قدمه الشاعر إنسانيا وفكريا، والشاعر كان يدرك ذلك قبل رحيله، ولعل مقطعه الشعري "أنا لست لي" هو تنبؤ فلسفي عميق، حيث أدرك الشاعر في حياته أن التقرب منه كان للشهرة في كثير من الأحيان، ولم يلمس هؤلاء عمق الشاعر العظيم، وقلة قليلة فقط من فعل ذلك حقاً".
واعتبر يقين أن "مؤسسة محمود درويش تحاول كمؤسسة ثقافية أن تتجاوز ما هو سائد"، إلا أنه آخذ عليها أنها "تكرر لحد الآن عمل المؤسسات الثقافية الأخرى". ورغم كل ذلك، يرى في مجهودات المؤسسة المتمثلة في تشييد ضريح لمحمود درويش، ومتحفاً خاصا به، بالإضافة إلى المركز الثقافي، محاولة للنهوض بالثقافة الفلسطينية، مما يشكل وفاء لروح محمود درويش".