مع تفاقم الفيضانات..حكومات تدرس "خيار الموائمة"
١٠ يوليو ٢٠٢٢
على مدار قرون، عمد البشر إلى اكتشاف سبل جديدة لاستغلال البحار سواء عن طريق إنشاء جزر اصطناعية في هونج كونج ودبي أو تشييد مشاريع مائية وحواجز كما في هولندا.
لكن مع ارتفاع مستوى سطح البحر وحدوث فيضانات كارثية بشكل متكرر بمرور الوقت، بدأت بعض الحكومات في التفكير في تبني نهج معاكس لمواجهة آثار ظاهرة التغير المناخي يتمثل في خيار الموائمة والتكيف أو ما يُعرف بالتراجع المنظم.
وقد ينطوي على ذلك الانتقال من المدن الكبرى كما هو الحال في سيدني بأستراليا، فمع وقوع الأمطار الغزيرة وفيضان أنهار على ضفافها جرى إجلاء أكثر من 30 ألف من السكان.
وقد غمرت الأمطار المناطق الشمالية والجنوبية من سيدني حيث وصل ارتفاع مستوى المياه قرابة 1.5 متر خلال أربع وعشرين ساعة وهو معدل يقترب من معدل متوسط هطول الأمطار لمدة عام في المناطق الساحلية لولاية نيو ساوث ويلز.
وعقب وقوع كارثة الفيضانات في أبريل / نيسان الماضي، خرج رئيس وزراء ولاية نيو ساوث ويلز ليؤكد أن ظواهر الطقس المتطرفة باتت "أكثر شيوعًا" ما يعني ضرورة "الاستجابة ﻟﻠتغيرات اﻟﺒيئية".
"التراجع المنظم"؟
ويعني التراجع المنظم في مواجهة تفاقم ظاهرة التغير المناخي نقل مجتمعات أو مباني بشكل دائم بعيدا عن المناطق المعرضة لخطر الفيضانات العارمة والكارثية سواء بشكل وقائي قبل الكارثة أو بعد وقوع الكارثة مثلما حدث بعد كارثة الفيضانات في ولاية نيو أورلينز الأسترالية و إعصار كاترينا في ولاية ميسيسيبي الأمريكية التي تسبب في فيضانات مدمرة عام 2005
.
وفي ذلك، كتب أيه أر. سايدرز - الباحث في الكوارث بجامعة ديلاوير في دراسة نشرت في يونيو/ حزيران – إن التغير المناخي "يؤثر على جميع سكان العالم فيما يسعى كل شخص إلى معرفة كيف يمكن مواجهة ذلك". وأضاف "الابتعاد عن الخطر قد يكون إحدى الإستراتيجيات وتعد فعالة، لكن غالبا ما يجرى غض الطرف عنها".
ففي ولاية نيو أورلينز الأسترالية، أقيمت مشاريع لإعادة توطين الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط في منازل جديدة مقامة على أراضي مرتفعة.
وفي أمريكا، قامت الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ بشراء أكثر من 43 ألف منزل في المناطق المعرضة للفيضانات في جميع أنحاء الولايات المتحدة منذ 2017.
بيد أن الأمر ليس بهذه السهولة إذ تواجه مشاريع إعادة توطين المجتمعات بعيدا عن المناطق المعرضة لخطر الفيضانات عراقيل حكومية أو قد تزيد من وتيرة عدم المساواة بمرور الوقت.
وفي مقابلة مع موقع Carbon Brief عام 2017، قال ميوكي هينو- الباحث في جامعة ستانفورد ـ إن هناك صعوبات "اجتماعية ونفسية في عملية نقل السكان من منازلهم خاصة إذا كان سينطوي على ذلك فقدانهم الثرات الثقافي".
إعادة توطين في دول أخرى
يعد أرخبيل كيريباتي النائي في المحيط الهادئ والمؤلف من 33 جزيرة من بين مناطق العالم التي تعرضت لتهديد ارتفاع مستوى المياه حيث باتت بعض الجزر غير صالحة للسكن.
لكن خيارات السلطات في هذا الأرخبيل باتت تنفذ مع توقعات "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" بارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار يتراوح بين 13 إلى 69 سم بحلول عام 2050 على مستوى العالم.
وعلى وقع ذلك، قامت حكومة كيريباتي بشراء أراضي في دولة فيجي لتمهيد الطريق أمام نقل السكان من المناطق المعرضة للخطر، رغم أنها أعلنت مؤخرا عزمها استخدام هذه الأراضي للزراعة بالتعاون مع الصين.
العودة إلى حضن الطبيعة
من بين خيارات "التراجع المنظم" لمواجهة ظاهرة التغير المناخي إزالة المباني والسدود من أجل المنفعة العامة إذ قامت السلطات في ولاية نيوجيرسي الأمريكية بشراء مساكن في مناطق معرضة لخطر العواصف والفيضانات.
وقالت سلطات الولاية إن الغرض من شراء هذه المساكن يتمثل في تحويلها الأراضي المقامة عليها إلى محميات لتكون "بمثابة حواجز طبيعية ضد العواصف والفيضانات في المستقبل". وفي مقابلة صحافية، قال شون إم لاتوريت، مفوض شؤون حماية البيئة في الولاية، إن نيوجيرسي ستكون أكثر رطوبة "وسوف تغمرها الفيضانات".
لكنه طرح سؤالا غاية في الأهمية مفاده: "ما هو عدد العقارات التي يمكن للدولة شراؤها؟ والتكلفة؟ وهل الجميع يرغب في البيع؟"
ولم يتوقف الأمر على ولاية نيوجيرسي، إذ جرى هدم أكثر من 700 منزل في السهول الفيضية قرب أنهار ديلاوير وباسيك وراريتان فيما لا يبدو أن الكثير من السكان في المناطق القريبة من البحار على أتم الاستعداد للمغادرة.
وفي مقابلة مع DW عام 2019 ، قال انز أولريش روسنر، المسؤول في "الصندوق العالمي للطبيعة" في منطقة "بحر وادن" في هولندا – إن السماح "للمياه بالاقتراب يعد مفهوما مخيفا للإنسان. يمكن القيام بذلك عندما يجرى إقناع الناس".
إفساح الطريق أمام الفيضانات
في المملكة المتحدة، قامت وكالة البيئة بتحويل حوالي 440 هكتارا من الأراضي الزراعية عام 2006 الي منطقة لتخزين مياه الفيضانات بإزالة جزء من سد فيما اعتبرت السهول الفيضية الناتجة عن ذلك المشروع واحدة من أكبر السهول التي تم إنشاؤها في أوروبا في ذلك الوقت.
وقد ساعدت هذا الأمر في تقليل خطر الفيضانات بسبب المد والجزر كما جذبت هذه السهول الفيضية مجموعات متنوعة من الطيور والحشرات والأسماك والنباتات.
وفي ضوء هذه النتائج، جرى تطبيق هذا السيناريو في بنجاح في هولندا والهند وتايلاند.
نقل جاكرتا
من بين خيارات "التراجع المنظم" لمواجهة الفيضانات ما تخطط الحكومة الأندونيسية في تنفيذه من نقل عاصمتها جاكرتا إلى مكان جديد يبعد حوالي ألفي كيلومتر نظرا لان جاكرتا المكتظة بالسكان تواجه خطر الغرق حيث يرى عدد من العلماء أن جاكرتا تعد "أسرع مدن العالم غرقا".
وقد تعرضت أجزاء من جاكرتا التي يقطنها أكثر من 10 ملايين نسمة، للانحسار بمعدل يصل إلى 20 سم في العالم حيث يرجع ذلك بشكل جزئي إلى الاستخراج المفرط للمياه الجوفية.
وإزاء ذلك، قد تغمر المياه معظم مناطق جاكرتا الشمالية بحلول عام 2050 بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر وتكرار ظاهرة الفيضانات.
بيد أن علماء طرحوا تساؤلات حيال مدى قدرة الحكومة الإندونيسية في نقل جميع السكان من المخاطر المعرضة لخطر الغرق في جاكرتا.