نظرية تجفيف منابع الارهاب
٢٦ سبتمبر ٢٠١٣نظريات تجفيف منابع ألإرهاب
تنص أحدى نظريات تجفيف منابع الإرهاب عن طريق إيجاد قنوات تتنفِّس من خلالها التيارات المتشددة عن غضبها، ومحاولة تفهم احتياجاتواهدافهذه الجماعات ، على أن تفعيل هذه النظرية لا يقع على عاتق الامن والدفاع بل يتعدى ذلك الى مقومات الامن القومي والتنمية ضمن باب رسم الاستراتيجيات وتنفيذ الخطط من قبل المؤسسات التنفيذية .
وهنا ، سيكون من الضروري تعريف الأمن القومي National Security وهو قدرة الدولة على حماية أراضيها ومواردها ومصالحها من التهديدات الخارجية العسكرية والتهديدات ألداخلية . وبفعل العولمة، حدثت تحولات في مفهوم الأمن، وأبرزها القوة، التي لم تعد ترتبط بالعامل العسكري،بل تعدته إلى التكنولوجيا والتعليم، والنمو الاقتصادي واعتماد المعلومات.
وضمن تجارب الشعوب في مواجهة الارهاب كانت اليمن والمملكة السعودية من الدول الرائدة في مكافحة الارهاب فكريا وتنظيميا . وفي هذه الخطط يبرز دور المشايخ ورجال الدين ومراكز الدراسات والابحاث . دور المشايخ ياتي من خلال تفسير المعاني الحقيقية للاسلام وللاديان السماوية وغير السماوية من الناحية الفقهية والشرعية التي تدعو جميعها الى المحبة والتعايش السلمي ، فجميع الرسل والاديان تدعو للسلام . وتأخذ الحكومة على عاتقها ايضا تشكيل لجان من ابرز المفكريين الاسلاميين وضمن فرق عمل تقوم بعقد ندوات شعبوبة مفتوحة ومباشرة مع عامة الناس والرد على حجج المتطرفيين من الفكر التكفيري والتنظيمات الاخرى التي تتخذ من الدين غطاء لتنفيذ مصالحها وكانت تجربة الشيخ الهتار في اليمن واحدة من التجارب التي جاءت بنتائج ايجابية ونتجت عنها تحييد اعداد كثيرة من مقاتلي القاعدة والتنظيمات الجهادية. فتجفيف منابع الارهاب لا تكمن بالعمل العسكري لكن يجب ان يبدأ في منظومة عمل مشتركة ويكون العمل العسكري والاستخباري احد عناصرها .
وظهرت استراتجيات مختلفة لمكافحة الإرهاب والتطرف خاصة الأمريكية ، فقد ذكرت الكاتبة الاميركية Jessica Stren في محاضرةلها في القانون في كلية الحقوق بجامعة هارفاردنشرتها دورية Foreign affairs في اوكست 2012 ، تضمنت أن الولايات المتحدة لاتعمل فقط على محاربة الارهاب بل الحيلولة للجماعات المتطرفة من النمو مع برامج إعادة تأهيل المعتقلين بهدف حماية الأمن القومي.
ما تشهده الان المنطقة العربية ومنطقة الشرق الاوسط يعتبر منخفض ارهابيا ، بدأ يستقطب " ألجهاديين " ليكونوا مثل كرة الثلج تكبر مع توسع مساحات النزاع والخلافات .
العراق
كانت ألمنطقة الغربية في اعقاب الغزو الاميركي للعراق 2003 حاضنة وملاذا لتنظيم القاعدة ثم " الدولة الاسلامية في العراق والشام " والى تنظيمات "جهادية اخرى كثيرة حتى عام 2006 لتقاتل عشائر الانبار تنظيم القاعدة وتخرجه من مناطقها بعد ان عجزت الحكومة والقوات الاميركية ، لكن بقيت المنطقة الغربية تمثل ملاذا جغرافيا أحاديا ـ ليس اجتماعيا ـ لما يسمى بالدولة الاسلامية في العراق والشام " . تقابلها ميليشيات ومجموعات مسلحة تنتشر في المدن العراقية دون استثناء ولها أهداف سياسية ومنافع فئوية تدفع بالطائفية ألمجتمعية الى الواجهة .
كشفت نتائج التحقيقات مع مقاتلي القاعدة في ألعراق ، بأن هنالك معسكرات تدريب تقام للمقاتليين ، خاصة عند الحدود السورية من جهة محافظة الانبار ومن الشمال الغربي عند منطقة البو كمال . التنظيمات الجهادية تستغل دائما ضعف أو غياب السلطة في تلك المناطق لتنشط وتتحرك بمرونة اكثر . وتقوم هذه التنظيمات وفقا لإصداراتها على مفهوم القوة والأمن والمفاجأة في ضرب الخصوم وفرض سيطرتها من احل توسيع خلق حواضن جديدة ، فهي تؤمن في عنصر القوة لفرض السيطرة . والامن هو هو احدى دعائم الحصول على القوة التنظيمية ،أن عدم أختراق الجماعات يعطيها تماسك بالعمل وقوة أكثر ويمنحها فرصة لكسب مقاتليين جدد ضمن نظرية الحوكمة ، فهي تبعث رسائل مباشرة الى المجتمعات خلال ضعف الحكومة تفيد بان الحكومة غير قادرة على حمايتها وهذه الجماعات هي صاحبة الذراع الاطول التي تمتد ليس الى افراد المجتمع بل الى الحكومات . ألسيطرة والحوكمة هي احدى ركائز "الجهادية " وذلك من خلال فرض تعاليمها على المجتمعات التي تسيطر عليها وهذا ما يشهده العراق تحت "الدولة الاسلامية " وطالبان في افغانستان واليمن تحت انصار الشريعة في بدأ المرحلة الانتقالية 2012 . فالعمليات العسكرية الواسعة للجيش العراقي في المنطقة الغربية وفي ديالى لم توقف عمليات التنظيم ولا تحد من ألعمليات الارهابية ،وهذا يبرهن بان معالجة الارهاب يتطلب أستراتيجية وتنفيذ خطط بينها العمليات العسكرية . أن مايملكه العراق الان وبالتحديد أجهزة الامن والاستخبارات ومكافحة الارهاب حول شبكة القاعدة والتنظيمات الجهادية ، هي معلومات وقاعدة بيانات هامة وثمينة ، وينبغي ان تستفيد وزارة الداخلية العراقية من هذه البيانات بتخريج كفاءات أكاديمية وأستخبارية معنية في مكافحة الارهاب ليكون لها مساهمات ومشاركات ايجابية باعانة دول اخرى والتعاون مع وكالات استخبارية من خلال اتفاقيات ثنائية تخدم متابعة وتعقيب المطلوبين،. هذه الضرورة اصبحت غائبة للاسف وسط التسييس والفساد .
السجون والمعتقلات في العراق والتي كانت تحت الادارة الاميركية ساعدت على تفريخ مقاتليين اكثر تمرسا بعد خروجهم او هروبهم من المعتقلات . ووفقا لدراسة الكاتية Jessica Stren فان السجون يجب ان تكون على شكل برامج الاحتواء تتضمن ثلاثة عناصر هامة واجبة التوافر: الأول؛ إنشاء سجون من نوعية خاصة هدفها الرئيس إيجاد برامج إعادة التأهيل، الثاني؛ تقديم خدمات انتقالية تهدف لإطلاق سراح المعتقلين، الثالث؛ تقديم خدمات للمعتقلين فيما بعد مرحلة الإفراج أو إطلاق السراحواعادة تأهليهم اجتماعيا وفكريا .
سيناء
مايحصل من عمليات ارهابية في القاهرة ومحافظات مصر من عمليات ارهابية يمتد الى سيناء ، وكشفت حادثة محاولة اغتيال وزير الداخلية المصري وزير الداخلية ألمصري محمد أبراهيم يوم 4 سبتمبر2013وسط القاهرة عن هذا التمدد التي اعترفت به جماعة انصار بيت المقدس .
تعتبر سيناء التحدي الاكبر ألى مصر وللمنطقة بسبب الطبيعة الجغرافية والانفاق مع حماس غزة وحدودها مع ليبيا والسودان . نتائج التحقيقات في مصر كشفت عن تدفق اسلحة وصواريخ قادمة من ليبيا والسودان وحماس عبر الانفاق ، والاعترافات كشفت تورط حماس وجماعة جيش الاسلام بزعامة نغمش بعدد من العمليات المسلحة في سيناء وحتى في اخراج السجناء المطلوبين من تنظيمات الاخوان في سجن طرة وسجون مصر الاخرى . المعلومات تفيد عن تمدد جيش الاسلام وأنصار بيت المقدس وأكناف بيت المقدس تمددها جغرافيا عبر سيناء وغزة . ألجيش الثالث المصري قام يحملة واسعة الى بؤر هذه التنظيمات والعصابات التي تتخفى داخل سكان البدو خاصة عند الشيخ زويد ورفح .
الجيش كشف عن وجود اسلحة ثقيلة منها صواريخ سام وصواريخ مضادة للطيران وغيرها من الاسلحة ومعدات القتال والاشتباك الليلي ليؤكد بان هذه التنظيمات تحصل على دعم خارجي وان مكافحة الارهاب يبدا من هناك ، لذا من ألضروري ألبدأ من سيناء بتجفيف الارهاب ومنابعه . من الناحية الاستخبارية والامنية ماتقوم به الحكومة المصرية في هذا الظرف الصعب يعكس خبرات مصر بانها دولة مؤسسات وتزيد من ثقة المواطن في هذه المؤسسة لتكون النموذج الافضل في المنطقة . تمتلك مصر قاعدة معلومات واسعة لم تتضرر بفوضى الاخوان ، وتمتلك خبرات قادرة على تشخيص مايحدث في سيناء . ما أتخذته مصر كان مطلوبا وصائبا وهو خطوة سريعة وفعالة ويجدر في دول اخرى على سبيل العراق واليمن اتخاذ مصر نموذجا في تجاربها والتعاون الامني معها لمواجهة الارهاب بالطريقة الصحيحة . أن تجفيف منابع الارهاب ، يعني اتخاذ الخطوات الاستباقية ، وان لاتكون الحكومة متلقية للضربات ، او ان تقوم بردود أفعال تكاد تكون في الغالب ، ردود سريعة غير مدروسة .
سوريا
ألتجربة في سوريا تعكس النموذح الاكثر لسيطرة "الجهاديين " على مجتمعاتها وتفرض الفتوة والزعامة عليها وتمارس سطوتها ضمن باب "الجهاد وجهاد ألنكاح والمحرم " ليحل " للمجاهد مايريده من نساء وممتلكات فقط باطلاقة تكبيرات الله اكبر ثلاث مرات!! هذه الحوكمة جعلت من الجهاديين يجدون المتعة والسياحة في محميات جهادية مخالفة للشرائع السماوية والى القوانيين والانسانية وكرامة الانسان . النموذج السوري يختلف عن نموذج سيناء مصر وعن المنطقة الغربية في العراق ،بسبب بوابة أنطاكية التركية واطراف دولية واقليمية .
ولعل ابرز المتطوعيين العرب والاجانب القادميين من اوربا ومن بعض الدول العربية الى سوريا وغيرها من السوح القاعدية هم الشباب العربي المتواجد في أوروبا الذين يعانون من التهميش والبطالة وسياسات التقشف ، هذا أما أكدت عليه استطلاعات الرأي مركز المراقبة الأوروبي لمكافحة العنصرية وكراهية الأجانب EuropeanMonitoring Center on Racism and Xenophobia .
لجنة مكافحة الارهاب في الامم المتحدة
تسعى لجنة مكافحة الإرهابفي الامم المتحدة ، أشارة الى قراري مجلس الأمن 1373 (2001) و1624 (2005)، إلى تعزيز قدرة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على منع وقوعأعمال إرهابية داخل حدودها وفي المناطق التي تقع فيها على حد سواء. وقدأنشئت اللجنة عقب الهجمات الإرهابية التي حدثت في الولايات المتحدة في 11أيلول/ سبتمبر 2001.وتحصل لجنة مكافحة الإرهاب على مساعدة من المديرية التنفيذية للجنةمكافحة الإرهاب، التي تتولى تنفيذ قرارات اللجنة المتعلقة بالسياسات، وتجريتقييمات فنية لكل دولة عضو بواسطة خبراء، وتيسر تقديم المساعدة التقنيةإلى البلدان في مجال مكافحة الإرهاب.
ألجامعة العربية والتعاون العربي مع الانتربول
أما الجامعة العربية فاكتفى المندوبون الدائمون فى اجتماع وزراء خارجية الدول العربيةفي الاول من سبتمبر 2013 الدورة العادية لمجلس الجامعة الـ40 بادانة الإرهاب بجميع أشكاله ومصدره باعتباره عملاًإجرامياً، مؤكدين العمل على مكافحة الإرهاب مع التفريق بينهوبين المقاومة المشروعة ضد الاحتلال ورفض الخلط بينه وبين الدين الإسلامى. أما التعاون عبر الانتربول فيبدو انه ضعيف داخل الدول العربية و قد كشف عنه الخبير العراقي للشؤون الامنية ألعميد رياض بهار في أعقاب حادثة هروب سجناء القاعدة من سجن ابو غريب في يوم 22 يوليو 2013 ، حيث ذكر هنالك نقص في الجهد بتعقيب الهاربين من خلال قاعدة البيانات المتوفرة عن السجناء من صور وبصمات وغيرها من الادلة الجنائية . وهنا يستدعي ربط الدول في حلقات تعاون وتبادل المعلومات اكثر ، وربما الاتفاقيات الثنائية تاخذ فعلا اكثر من الاتفاقيات العامة .
وخلال أختتام مؤتمر ألامانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب في تونسيوم 22 ايلول 2013 أعمال المؤتمر العربي للمسؤولين عن مكافحة الإرهاب في دورتهالسادسة عشرة بمشاركة ممثلين عن الدول العربية الأعضاء ، دعا الدول الأعضاء إلى تشكيل لجنة وطنية عليا لمكافحة الإرهابتتولى رسم السياسية الوطنية في مجال مكافحة الإرهاب مع مراعاة الاحترامالكامل لحقوق الإنسان.
إن مسالة مكافحة الإرهاب والتطرف تعد من أكثر الموضوعات تعقيدًا وصعوبةبسبب تداخل اسبابه مع جوانب الحياة الاخرى الاقتصادية والاجتماعية والتنمية . كذلك الخلط مابين المقاومة والتنظيمات الارهابية من جانب ومابين أصول الاديان والفكر والايدلوجيات الاسلاموية واليمينية ألمتطرفة التي تقوم على فرضية اسلمة وأدينة الشارع لتنفيذ أجندة جماعات محدودة بعيدا عن الدين .
*باحث في قضايا الارهاب والاستخبار