مبادرة لمتطوعين ألمان بالترحيب باللاجئين في ألمانيا
٢٧ يوليو ٢٠١٥ابتسامة عريضة ارتسمت على وجه غابي (69 سنة) وهي تفتح باب منزلها في حي جنوب برلين لصفوان (32 سنة)، تبدو منشرحة وسعيدة برؤيته. ضمته إلى صدرها وقبلته. يلتقي صفوان وغابي بشكل منتظم لقضاء أشغاله في برلين. وعندما لا تكون لديه مواعيد، كما هو الحال اليوم، يزور صفوان غابي لشرب القهوة أو الخروج سويا.
وصل الشاب السوري المنحدر من دمشق إلى ألمانيا قبل 11 شهرا بعد رحلة طويلة وشاقة عبر خلالها أكثر من بلد أوروبي، تعرض فيها للنصب والاستغلال من المهربين، كما يقول. لكن ذلك لم يثنه عن الكفاح من أجل الوصول إلى ألمانيا. لم يجد صفوان مفرا من الهرب من ويلات الحرب في سوريا بعد تعقد الوضع أكثر: "قررت الهرب لوحدي دون أسرتي خوفا عليهم". صفوان متزوج وأب لطفلين أكبرهما يبلغ من العمر أربع سنوات. واستطاع الشاب السوري الحصول على لجوء في ألمانيا وعلى هذا الأساس تمكن من جلب أسرته الصغيرة.
خلال حديثه لي عن تجربته كانت هي تسمعه باهتمام، مع أنها لا تفهم ما يقول، تتفحص وجهه وتبحث بين كلماته عن ما قد تفهمه "أتمنى لو أفهم كل ما يقوله كي نتحدث في شتى المواضيع وتحديدا في السياسة"، تقول غابي إنغلمان، وهي أرملة في أواخر الستينات، تقاعدت عن العمل منذ سنوات طويلة بسبب مرضها بعد عملها كموظفة في بنك. بعد تقاعدها ووفاة زوجها ثم وفاة كلبها، الذي كانت متعلقة به كثيرا، عاشت حالة حزن وفراغ كبير "لطالما أحببت مساعدة المحتاجين بكل حب وسرور، لأنني افتقدت هذا الحب خلال طفولتي، والديّ كانا أنانيين ومنشغلين عني وهذا أثر بي وولّد لدي ردة فعل معاكسة وصرت أميل لمساعدة الناس لأن ذلك يسعدني فصرت أنشط في منظمات خيرية" تقول غابي.
"حب من النظرة الأولى"
قبل شهور تعرفت غابي على صفوان خلال لقاء نظمته "رابطة الترحيب باللاجئين في منطقة شتيغليتس تسيلندورف" جنوبي برلين. تقول غابي إن "حبا من النظرة الأولى بين أم وابنها" هو أول ما شعرت به لما رأت صفوان وهو يجلس مع لاجئين آخرين، فقررت أن "تتبناه". ومنذ ذلك الوقت تساعده في كل ما يحتاجه بدءا من تجهيز بيته الجديد إلى مرافقته لمكتب الهجرة مرورا بالاتصال بالسلطات الألمانية والبحث عن منزل يأويه وأسرته، وهي تبحث الآن عن عمل له "حتى تذاكر سفر زوجتي وأطفالي الذين تعتبرهم أحفادها، أصرت على دفعها. لقد وجدت أماً ثانية وصديقة لي هنا"، يقول صفوان بتأثر. تتنقل غابي الأنيقة بنشاط في بيتها وتردد في كل مرة بأنها وجدت ابنها الذي لن تتخلى عنه: "رغم أن لي ابنا إلا أنه مشغول عني بعمله واهتماماته ونادرا ما يزورني. وجود صفوان وعائلته ملأ حياتي. أريد رؤية أطفاله يكبرون أمامي. تغمرني السعادة وأشعر بدفء كبير وأنا أسمع كلمة جدتي غابي منهما".
مبادرة الترحيب باللاجئين جاءت كردة فعل على الأصوات اليمينية المتطرفة التي ترفض استقبال ألمانيا للاجئين، بالإضافة إلى وجود رغبة قوية لدى العديد من الألمان وحتى المهاجرين هنا في مساعدة اللاجئين، حسب ما قاله غونتر شولتسه، وهو أحد مؤسسي مبادرة الترحيب باللاجئين، لـ DW عربية.
بلغ عدد المساهمين في المبادرة 1200 شخص. ويقول شولتسه، إن بينهم محامين ومعلمين سابقين وأطباء نفسانيين تطوعوا من تلقاء أنفسهم لمساعدة اللاجئين "لم نتوقع كل هذا الإقبال. نتلقى اتصالات تشيد بالمبادرة وتعرض المساعدة بأي شيء". أما عدد المستفيدين من هذه المبادرة فيبلغ 300 لاجئ معظمهم سوريون، كما يقول شولتسه.
ووصل عدد طلبات اللجوء إلى ألمانيا حدا غير مسبوق سنة 2015، فقد بلغ عدد طلبات لجوء السوريين في يونيو الماضي لوحده أزيد من 32 ألفاً من مجموع حوالي 160 ألف طلب. ويشغل النقاش حول اللاجئين حيزا هاما في الرأي العام والإعلام داخل ألمانيا، ووصل التعبير عن رفض استقبال اللاجئين في بعض المناطق إلى حرق مراكز إيواء خاصة بهم والخروج ضمن حركة بيغيدا للتظاهر ضدهم.
صورية مقيت الخبيرة في قضايا الهجرة والاندماج في ألمانيا، ترى أن مثل هذه المبادرات تساعد اللاجئين كثيرا ليس فقط على الاندماج بل حتى على الصعيد النفسي "معظمهم جاؤوا هربا من الحروب والعنف، ويصلون إلى هنا بعد ظروف شاقة ويكونون تحت الصدمة، ثم يدخلون في الوحدة ويواجهون عائق اللغة، لذا فهذه المبادرات مهمة وإيجابية لأنها تخلق لديهم أولا شعورا بالأمان والاطمئنان وبأن الألمان شعب مضياف، وهذا يساعدهم كثيرا على الاندماج".
التقيت بها في حي نويكولن في العاصمة برلين، فاطمة اللاجئة السورية، التي تبلغ من العمر 48 سنة. كانت تعمل مهندسة ميكانيك في دمشق. أم لثلاثة أبناء، تعيش بجسدها هنا لكن عقلها وقلبها مع أولادها وزوجها الذين تركتهم في سوريا "اضطررت للهرب لوحدي على أمل أن آتي بهم يوما". حصلت فاطمة على تأشيرة للجمهورية التشيكية وقبل نفاذ صلاحيتها بوقت قصير سافرت إلى التشيك ومن هناك إلى ألمانيا وطلبت اللجوء وفيها تعيش منذ 8 أشهر:"أول ما قررته السلطات هو رفض اللجوء وتسفيري، لأنه طبقا لاتفاقية دبلن 3 للبصمات ينبغي أن يتم ترحيلي لأول بلد بصمت فيه وهو التشيك".
اعترضت محامية فاطمة على القرار وحتى الآن لم يتم البت في مصيرها. بين شوقها وخوفها على أسرتها من الحرب في سوريا وهاجس الترحيل الذي يسيطر عليها تعيش فاطمة ممزقة في برلين. تقول إنها لم تجد أمامها حلا سوى الهرب بعد تدهور الوضع الأمني في المنطقة، التي كانت تعيش فيها خصوصا بعد إصابة ابنتها برصاصة من قناص تابع لقوات النظام السوري، كما تقول. وللآن تعاني ابنة فاطمة من مشاكل صحية معقدة بسبب هذه الإصابة.
تبدو مرتبكة، نظراتها تائهة وصوتها مرتجف، تدخن بشراهة وتؤكد في كل مرة أنها لا تحب أن تسمى لاجئة: "أنا لم آت لأكون عبئا على ألمانيا، لم أتصور أني سأفقد عملي وبيتي وسأهجر بلدي. جئت للبحث عن أمان ومستقبل أبنائي، لدي كفاءة وأريد العمل في ألمانيا". تعرفت فاطمة على أعضاء المنظمة خلال إحدى دروس اللغة الألمانية في مأوى اللاجئين الذي تعيش فيه جنوب برلين.
وممن تعرفت عليهم فاطمة بيآته زيبراسه، وهي أرملة ألمانية تبلغ من العمر 63 عاما ومدرسة سابقة. تحاول بيآته أن تُخرج فاطمة من وحدتها وحزنها "فاطمة امرأة قوية ومستقلة والجميل أنها تحب تقديم المساعدة أيضا حتى وهي في وضعها الحالي، المساعدة الرئيسية التي أقدمها لفاطمة هي الصلة الإنسانية. أزورها ونخرج سويا، أحاول أن أشعرها أنها ليست وحيدة هنا"، تقول بيآته.
فاطمة تقول، إنها لم تواجه صعوبات كبيرة في التنقل في برلين وقضاء أغراضها رغم مشكلة اللغة، ولكن المنظمة وفرت لها أجواء اجتماعية كانت تحتاج لها "كنت أشعر بوحدة كبيرة قبل أن أتعرف على أعضاء المنظمة، الآن لدي معارف كثر أصدقاء ألمان وأجانب أزورهم ويزورونني، كونت صداقات أعتز بها".