نصف قرن على عضوية الأمم المتحدة: ألمانيا تسعى لحق "الفيتو"
١٨ سبتمبر ٢٠٢٣انضمت ألمانيا إلى الأمم المتحدة في عام 1973 ويعود سبب تأخر الانضمام لعوامل تاريخية. من المعلوم أن جمهورية ألمانيا الاتحادية تأسست في عام 1949 أي بعد أربع سنوات فقط من تأسيس الأمم المتحدة نفسها. بيد أنه في تلك الفترة كان هناك دولتان ألمانيتان: جمهورية ألمانيا الاتحادية في الغرب، وجمهورية ألمانيا الديمقراطية في الشرق. وكانت جمهورية ألمانيا الاتحادية قد قدمت منذ فترة طويلة ما يسمى بالمطالبة بالتمثيل الوحيد. هذا يعني أنها وحدها يجب أن تكون وتعامل بأنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الألماني، لأنها وحدها تتمتع بالشرعية الديمقراطية، حسب تصريحاتها الرسمية.
القوى الغربية المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى وفرنسا، التي كان لا يزال لها في ذلك الوقت تأثير داخل ألمانيا، دعمت انضمام الجمهورية الفيدرالية إلى الأمم المتحدة وحدها، بيد أن الاتحاد السوفيتي آنذاك والذي كان يرى نفسه القوة الحامية لجمهورية ألمانيا الديمقراطية رفض ذلك، وهو ما عرقل عملية دخول الأمم المتحدة.
فيلي برانديت والانفتاح على الشرق
في بداية السبعينيات، غيرت الحكومة الاتحادية بقيادة المستشار فيلي برانديت مسارها وطبعت العلاقات مع جمهورية ألمانيا الديمقراطية، وبالتالي مهد ذلك الطريق لقبول كلتا الدولتين الألمانيتين. في 18 أيلول/سبتمبر 1973، انضمت الدولتان إلى الأمم المتحدة.
انتهت العضوية المزدوجة بعد إعادة توحيد ألمانيا في 3 تشرين الأول/أكتوبر 1990. ومنذ ذلك الحين أصبحت ألمانيا الموحدة عضواً في الأمم المتحدة. ومنذ ذلك الحين وسعت ألمانيا مشاركتها في الأمم المتحدة بشكل كبير: فهي واحدة من أكبر المساهمين في تحمل مصاريف المنظمة الدولية، وشاركت في العديد من بعثات السلام، وهي موقع مهم لعدد من مؤسسات الأمم المتحدة كالمحكمة الدولية لقانون أعالي البحار في هامبورغ بالإضافة لكونها مقراً للعديد من منظمات الأمم المتحدة في بون.
واستناداً إلى هذا الالتزام القوي والنفوذ الاقتصادي والسياسي لألمانيا، تحاول برلين منذ سنوات عديدة الحصول على مقعد دائم يتمتع بحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي، وهو أعلى هيئة لصنع القرار لا يمكن تجاهلها في الأمم المتحدة.
حالياً تتمتع كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا بهذه العضوية. وتجادل ألمانيا وبعض الدول الأخرى الراغبة في توسيع دائرة اتخاذ القرار في مجلس الأمن، أن الظروف السياسية تغيرت، فتكوين المجلس يعكس الوضع الجيوسياسي بعد فترة وجيزة من الحرب العالمية الثانية وليس الوضع الحالي. ويتفق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مع هذا الرأي.
هينينغ هوف من "الجمعية الألمانية للعلاقات الخارجية" (DGAP) والمحرر التنفيذي لمجلة "International Politik Quarterly" يصف السعي الألماني للحصول على مقعد دائم بأنه "ذروة مطامح السياسة الخارجية الألمانية"، بيد أنه يرى أن فرص تحقيق ذلك "منخفضة جداً". ويعزو ذلك لعدم رغبة الأعضاء الحاليين مشاركة موقعهم المتميز مع القادمين الجدد.
في وقت سابق طالبت برلين بمقعد دائم للاتحاد الأوروبي بدلاً من ذلك. ولكن بما أن هذا كان سيعني أن بريطانيا (التي كانت لا تزال عضواً في الاتحاد الأوروبي في ذلك الوقت) وفرنسا التخلي عن مقعديهما، وهو ما عارضته باريس ولندن بشدة، ما وأد هذا الطلب في مهده.
إصلاح مجلس الأمن؟
أفرد اتفاق تشكيل الائتلاف للحكومي في ألمانيا فصلاً خاصاً جاء فيه: "نحن ملتزمون بتعزيز دور الأمم المتحدة من النواحي السياسية والمالية والطواقم البشرية، وذلك باعتبارها أهم مؤسسة في النظام الدولي. ويبقى إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هدفنا، وذلك في إطار السعي نحو تمثيل أكثر عدلاً لجميع مناطق العالم".
وعلى وجه التحديد، تعمل ألمانيا حالياً مع ناميبيا للتحضير لما يسمى بقمة الأمم المتحدة المستقبلية حول قضايا الإصلاح، والتي ستعقد في العام المقبل، حيث سيتم تسمية موضوعات الميثاق المخطط لها للمستقبل.
وعلى ذلك يعلق هينينغ هوف: "يتعلق الأمر بالمحاولة مرة أخرى لتوحيد جهود القوى التي تريد الإصلاح، وهناك عدد غير قليل منها. ومن أجل القيام بذلك قامت كل من ألمانيا وناميبيا، وهي مستعمرة ألمانية سابقة، كممثل للجنوب العالمي، اجتمعوا وحاولوا تحديد أجندة الإصلاح ودفعها قدماً إلى الأمام". ومع ذلك، فإن هوف "متشكك بعض الشيء فيما إذا كان هذا سينجح".
مؤسسات "موازية" للأمم المتحدة
ولكن في حين فشلت جميع جهود الإصلاح الأساسية للأمم المتحدة، فإن تطورات عدة طرأت على الساحة الدولية.
يعتقد هينينغ هوف من "الجمعية الألمانية للعلاقات الخارجية" (DGAP) أن "الصين، على وجه الخصوص، بدأت في إنشاء هياكل موازية لتعمل لاحقاً على تقديم هياكلها الخاصة كبدائل للأمم المتحدة، إذا جاز التعبير"، سواء كانت دول البريكس أو مجموعة العشرين.
ويتهم رئيس الوزراء البريطاني السابق جوردون براون إدارة بايدن بسلوك مماثل في مجلة "فورين بوليسي" فيقول: "تركيز الولايات المتحدة على الاتفاقيات الثنائية والإقليمية على حساب التنسيق الدولي يحد من إمكانيات مؤسساتنا الدولية ويقوض في الوقت نفسه أي إمكانية لعولمة مستقرة".
ولكن حتى السياسة الخارجية الألمانية، التي تركز بقوة على دور الأمم المتحدة، تغير الآن مسارها إلى حد ما، كما يقول الخبير هينينغ هوف من "الجمعية الألمانية للعلاقات الخارجية" (DGAP) والمحرر التنفيذي لمجلة "International Politik Quarterly": "قمة مجموعة العشرين الأخيرة هي مثال جيد على الاعتماد بشكل أكبر على مثل هذه الهياكل لخلق مؤسسات حوكمة عالمية أقل تعقيداً من الأمم المتحدة".
كريستوف هازلباخ