"نساء الأنقاض" الألمانيات...أسطورة أم حقيقة؟
٢ ديسمبر ٢٠١٤يتوفر في العديد من المدن الكبرى في ألمانيا نصب تذكاري يرمز إلى شخصية أُطلق عليها اسم "امرأة الأنقاض". ويقال إن أعدادا كبيرة من هؤلاء النساء أقدمن بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بكل حماس على إزالة الأنقاض في المدن المدمرة. وبمناسبة تدشين هذه النصب التذكارية لجأ السياسيون مرة بعد الأخرى إلى كلمات إشادة تشبه تلك التي استخدمها أيضا المستشار الألماني السابق هلموت كول عام 2005 في مدينة ميونيخ، فقد وصف كول نساء الأنقاض بأنهن "رمز لتصميم الألمان على البناء والبقاء على قيد الحياة". وأضاف: "يذكر النصب التذكاري بالعدد الكبير من النساء اللواتي تطوعن لإزالة أنقاض الحرب".
إلا أن هذا غير صحيح، كما تقول المؤرخة ليوني تريبر، مشيرة إلى أن عدد نساء الأنقاض لم يكن كبيرا. وعلاوة على ذلك لم تقدم تلك النساء على إزالة الأنقاض طواعية. "امرأة الأنقاض هي شخصية وهمية"، كما تؤكد المؤرخة التي قامت منذ عام 2005 بأبحاث علمية في الموضوع والتي نشرت الآن نتائج أبحاثها في كتاب لها.
صفقات جيدة لصالح شركات البناء
وتوضح ليوني تريبر في كتابها أن إزالة الأنقاض بعد الحرب كانت مهمة تولتها بالدرجة الأولى شركات بناء عقدت صفقات مفيدة لصالحها مع المدن. إلا أن هذه الشركات احتاجت بطبيعة الحال إلى دعم السكان، فعلى صعيد ألمانيا أجمع كان لا بد من إزالة 400 مليون متر مكعب من الأنقاض.
"لم تلعب النساء إلا دورا ثانويا في إزالة الأنقاض في المدن الألمانية"، كما تقول المؤرخة، فرغم أن 60 ألف مرأة تقريبا شاركت في برلين مثلا في إزالة الأنقاض، إلا أن هذه نسبة لا تزيد على خمسة بالمائة من سكان المدينة من نسبة النساء آنذاك. وفي منطقة الاحتلال البريطانية لم تبلغ هذه النسبة إلا 0.3 بالمائة.
"تسويق" امرأة الأنقاض في وسائل الإعلام
تم في برلين دفع النساء إلى المشاركة في إزالة الأنقاض عن طريق تخصيص نصيب أعلى من المواد الغذائية لهن. وبهدف "تجنيد" المزيد من المتطوعات نشرت وسائل الإعلام صورة امرأة الأنقاض السعيدة، كما تقول ليوني تريبر، مشيرة إلى أن هذه الصورة بالذات بقيت حتى يومنا هذا في أذهان الكثير من الألمان.
إلا أن حملة وسائل الإعلام هذه لم تجد أرضية لها إلا في جمهورية ألمانيا الديمقراطية، حيث أصبحت امرأة الأنقاض قدوة لجميع النساء اللواتي أردن التدرب على مهنة رجالية، بينما لم تنسجم المرأة العاملة والمتحررة مع الصورة المحافظة للمرأة في جمهورية ألمانيا الاتحادية.
جزء من ثقافة التذكر في ألمانيا بأسرها
لم تصبح نساء الأنقاض موضوعا ملحوظا في المناقشات الجارية في ألمانيا الغربية إلا في سياق بدايات علم تاريخ المرأة في الثمانينات من القرن الماضي، ففي هذا السياق تم إعتبار تلك النساء "بطلات" في مجال إعادة البناء بعد الحرب العالمية الثانية.
"منذ توحيد الألمانيتين لم يضر أي أحد بصورة امرأة الأنقاض التي تنكر ذاتها"، كما تقول ليوني تريبر، "ففي كل من شرق ألمانيا وغربها تشكل امرأة الأنقاض جزءا من ثقافة التذكر الألمانية المشتركة". "بطبيعة الحال كانت هناك في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية نساء مجتهدات وقويات أقدمن حتى على إزالة الأنقاض. إلا أنهن شكلن أقلية صغيرة"، كما تقول المؤرخة.