"نتنياهو يلوم عباس في مشكلة الاختطاف لإحراجه"
١٧ يونيو ٢٠١٤يعتقد الدكتور سليمان أبوديه الخبير في مؤسسة فريدريتش ناومان الألمانية في القدس، أن اختطاف ثلاثة شبان إسرائيليين في منطقة خاضعة لإسرائيل بالضفة الغربية، "عملية شائكة وما تزال غامضة والجهة الخاطفة غير معروفة لحد الآن" ويصعب التكهن بتداعياتها، وهو يرى أن حكومة بنيامين نتنياهو تسرعت في توجيه اللوم للرئيس محمود عباس بهدف"إحراجه".
في حوار مع DW يرى الخبير الفلسطيني أن صانع القرار الإسرائيلي "لديه هامش واسع من الحركة في التعامل مع أزمة الشبان الثلاثة المختطفين"، طالما أن الكنيست لم يُصادق بعدُ على قانون بينيت الذي يرفض إطلاق سراح أسرى فلسطينيين متورطين في أعمال قتل في صفقات تبادل. لكنه يخشى من "تغليب حكومة نتنياهو لمنطق الانتقام والعدو... على حساب لغة العقل والمنطق".
وفيما يلي نص الحوار:
DWعربية: برأيك ما هي الترجيحات بشأن طريقة تعامل الحكومة الاسرائيلية مع قضية الشبان المختطفين، هل ستتجه للتفاوض أم لعمليات أمنية وعسكرية؟
سليمان أبو ديه: أعتقد أن الحكومة الإسرائيلية في حيرة من أمرها، لأنها ما زالت لا تعرف من هم منفذوا العملية ولا تدري بأي إستراتيجية ستتعامل معهم. فالخاطفون لم يعلنوا بعد عن أنفسهم، والحكومة الإسرائيلية تركز جهودها الآن على الجوانب الاستخباراتية والأمنية من أجل التأكد من مكان وجودهم، سواء كان الخاطفون فلسطينيون أم ليسوا فلسطينيين.
ما هي أبرز الاحتمالات المتداولة الآن، وخصوصا في إسرائيل، حول الجهة الخاطفة؟
الاحتمالات المرجحة أكثر داخل الأوساط الإسرائيلية هي أن عملية الاختطاف تقف وراءها جهات محسوبة على حركة حماس أو بعض القوى الإسلامية الأخرى في الساحة الفلسطينية. وهنالك أصوات قليلة جدا داخل إسرائيل تقول إن وراء الاختطاف بعض العصابات التي تريد ابتزاز الحكومة الإسرائيلية، لكنني استبعد هذا الاحتمال. واعتقد الإسرائيليين يميلون إلى ترجيح فرضية وجود قوى سياسية وراء الاختطاف بهدف تبادلهم (المختطفين) بسجناء فلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية.
كيف تفسر التفاوت في تقديرات الجهات الرسمية الإسرائيلية، فبينما يسارع رئيس الوزراء نتنياهو إلى توجيه الاتهام لحركة حماس في هذه العملية كما في عمليات إطلاق صواريخ سابقا، يُلاحظ أن الجيش الإسرائيلي وكذلك شباك(الاستخبارات) يشير إلى مجموعات متطرفة وليس حماس بالضرورة؟
من الواضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يبحث عن جهة سياسية ليلقي عليها اللوم، فهو لم يحمل حماس وحدها المسؤولية بل أيضا محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، مسؤولية عملية الاختطاف، رغم أن العملية تمت في مربعات أمنية إسرائيلية بحتة(ما يُعرف بالمنطقة ج) والمسؤول عنها هو الجهات الأمنية الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي، وليس للسلطة الفلسطينية ولا أجهزتها الأمنية أية علاقة بهذه المنطقة، بل يمنع عليها دخول هذه المناطق.
فلماذا إذن يحمل نتنياهو عباس المسؤولية؟ هل يهدف لإحراجه دوليا أم هي رسالة موجهة للرأي العام الإسرائيلي في الداخل؟
اعتقد أن نتنياهو استغل عملية الاختطاف من أجل وضع محمود عباس في موقف حرج، وإظهار أن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية (مشكلة من تكنوقراط) هي السبب وراء عملية الاختطاف، وبالتالي فهو يريد أن يعزل محمود عباس سياسيا في المنطقة وفي العالم. وهو يسعى لتغطية فشله السياسي والأمني بتحميل المسؤولية لجهات أخرى. مع أن الجهات الأمنية الإسرائيلية تعتبر أن الجيش والمؤسسات الأمنية الإسرائيلية هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن هذه المنطقة. وبالتالي فقد بدأ نتنياهو يتراجع عن اتهامه الأول لمحمود عباس بشأن هذه القضية وبدأت بعض الأوساط تضغط عليه بأن يتم التنسيق مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، من أجل إيجاد مخرج أمني لعملية الاختطاف.
وماذا بوسع عباس أن يقدمه، وهو يقع بين سندان انتظارات الشارع الفلسطيني المُلحَة بشأن الأسرى، وبين مطرقة الضغوط الإسرائيلية؟
عباس ملتزم بقضية تحرير الأسرى الفلسطينيين، وهو يريد أن يحقق ذلك عبر المفاوضات والاتفاق مع الجانب الإسرائيلي. وهو يرفض، على الأقل رسميا، توظيف عمليات الاختطاف من أجل إخراج أسرى فلسطينيين من السجون الإسرائيلية. لكن من الناحية العملية، اعتقد ان الرئيس الفلسطيني لا يملك الطاقة ولا القدرة في مساعدة الإسرائيليين في الجانب الاستخباراتي، وهو في نفس الوقت يعبر بشكل دبلوماسي عن موقف سياسي وأخلاقي، عندما يؤكد ان هذه العملية مرفوضة من قبل الرئيس الفلسطيني، وبالتالي فهو يبدي استعدادا على المساعدة في العثور على هؤلاء الفتية المخطوفين. وفي حقيقة الأمر فإن إمكانياته وإمكانيات الأجهزة الفلسطينية من الناحية الاستخباراتية محدودة جدا لمساعدة الاستخبارات الإسرائيلية على الوصول للخاطفين والمختطفين.
بعد إقرار حكومة نتنياهو لقانون بينيت الذي يرفض إطلاق سراح أسرى فلسطينيين متورطين في أعمال قتل في صفقات تبادل، هل تعتقد أن هامش الحركة لدى الحكومة الإسرائيلية في قضية الاختطاف سيكون أضيق؟
القانون لم يُصادق عليه بعد، وإنما تم إقراره من قبل مجلس الحكومة الإسرائيلية وتمت إحالته على الكنيست، حيث تمت الموافقة عليه في قراءة أولى، لكنه ما يزال معروضا لقراءتين ثانية وثالثة، وبالتالي فان هذا القرار الحكومي لم يصبح قانونا نافذا. وإذا تم سن القانون فسيعقد الأمور على أصحاب القرار في إسرائيل فيما يتعلق بالتفاوض حول المختطفين.
لكن بما ان مشروع القانون لم يصبح نافذا، فان الحكومة الإسرائيلية ما زالت تملك هامشا واسعا من التصرف والآليات من أجل حل هذه المشكلة. وأعتقد أن الحكومة الإسرائيلية لا تملك بُعد النظر ولا التفكير الاستراتيجي في التعامل في مثل هذه القضايا المعقدة، وهي تفضل التصرف بعقلية الانتقام ومنطق العدو، ولا تعطي الفرصة أكثر لحل المشاكل بالمنطق والعقل.
لكن بعض المحللين الإسرائيليين، يلومون حكومتهم على نهجها أسلوب ما يطلقون عليه"الجائزة الكبرى" أي التبادل على النحو الذي تم في قضية اختطاف الجندي جلعاط شاليط عندما وقع تبادله مقابل أكثر من ألف أسير فلسطيني، فما هو تعليقك على ذلك؟
مقابل هذه الآراء في إسرائيل، نجد موقفا سائدا على الساحة الفلسطينية باختلاف الانتماءات السياسية، يقول بأن الإسرائيليين لا يفهمون إلا لغة التبادل، ولا يطلقون سراح أسرى بالسهولة التي يمكن أن نتصورها. والدليل على ذلك أن ما تم الاتفاق عليه في إطار عملية المفاوضات السياسية الأخيرة (برعاية جون كيري وزير الخارجية الأميركي) بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية بشان إطلاق سراح أسرى قدامى، لم يتم الالتزام به ولم يطلق سراح الدفعة الأخيرة منهم (الأسرى). فنتج عن ذلك ظهور توجه عام داخل الساحة الفلسطينية يرجح ضرورة خطف إسرائيليين من أجل إجبارهم على إطلاق سراح الأسرى، كما حصل في عملية شاليط.
لكن القيادة الفلسطينية، الحكومة الفلسطينية ، الرئيس محمود عباس، يفضلون دائما إطلاق سراح الأسرى عبر التفاوض والاتفاق مع الحكومة الإسرائيلية وليس من خلال عمليات من هذا النوع.
ألا تعتقد أن قضية اختطاف الشبان الإسرائيليين ستزيد من تعقيد الأمور على حكومة التوافق الفلسطيني الهش؟
من الصعب الآن التكهن بتداعيات عميلة الاختطاف على حكومة الوحدة الفلسطينية، لأن نهاية هذه العملية مازالت غير معروفة وبالتالي يصعب التكهن بنهاياتها، ناهيك عن التكهن بتداعياتها. ولذلك يتعين الانتظار لمآل العملية ثم تداعياتها.