ميونيخ.. الماضي النازي والحياة اليهودية الجديدة
٩ سبتمبر ٢٠٢٤هذا قلب مدينة ميونيخ التي كانت في الحقبة النازية يغلب عليها اللون البني رمز النازيين. وهنا في العاصمة البافارية ميونيخ يقع مركز توثيق جرائم النازية الذي يذكِّر بالسنين والعقود المظلمة وقد شهد الخميس 6 أيلول/ سبتمبر2024 في المنطقة المجاورة له إطلاق النار. من المعروف أنَّ مدينة ميونيخ ارتبطت بصعود الاشتراكية القومية (النازية) ارتباطًا منقطع النظير في غيرها من المدن الألمانية. حيث يقع على مقربة من أحد مداخلها أوَّل معسكر اعتقال نازي هو مركز اعتقال داخاو.
وفي ميونيخ صعد نجم أدولف هتلر مع الحركة الاشتراكية القومية (النازية) حتى وصوله إلى السلطة في برلين عام 1933. وهذه المدينة الواقعة في ولاية بافاريا احتفظت حتى نهاية ألمانيا النازية بأهمية كبيرة بالنسبة لحزب هتلر. يقع مركز توثيق جرائم النازية - الذي افتتح في عام 2015 - في المكان نفسه الذي كان يوجد فيه سابقًا مقر النازيين المسمى بـ "البيت البني". هكذا كان الناس يسمون هذا القصر الموجود في شارع برينِن شتراسه رقم 34، والذي جعله حزب هتلر (حزب العمال الاشتراكي القومي الألماني NSDAP) مقره الرئيسي داخل ميونيخ في الفترة من عام 1930 وحتى عام 1945.
لقد مثَّل شارع برينِن شتراسه وساحة كونيغسبلاتس القريبة منه ساحات للعروض النازية في هذه المدينة. وفي ساحة كونيغسبلاتس كثيرًا ما كان هتلر يقيم احتفالاته. وحتى يومنا هذا يمكننا ملاحظة آثار تاريخ العاصمة البافارية المظلم من خلال الهندسة المعمارية.
ميونخ في عهد هتلر: "عاصمة الحركة النازية"
ومركز التوثيق الواقع بالقرب من ساحة كونيغسبلاتس يهدف وبشكل خاص من خلال عرضه صور وأفلام ووثائق ونصوص إلى توثيق الدور الخاص لمدينة ميونيخ بالنسبة للحركة الاشتراكية القومية (النازية)، كونها كانت تسمى من قِبَل هتلر "عاصمة الحركة"، أي توثيق تاريخ المعاناة التي لا توصف والإبادة الجماعية والهمجية.
دعا السياسيون الاتحاديون والمحليون في ولاية بافاريا عند وضع حجر أساس المركز في عام 2012 وافتتاحه في عام 2015 - بالضبط بعد سبعين عامًا على تحرير المدينة من النازيين على يد الجيش الأمريكي - إلى الحفاظ على ثقافة الذكرى. وكذلك قال رئيس وزراء ولاية بافاريا آنذاك هورست زيهوفر: "الحرية والديمقراطية بحاجة إلى التذكير". وقد شدَّد على ذلك في خطابات السياسيين حول موضوع العبارة الشائعة "هذا لن يحدث مرة أخرى".
في هذا المبنى المُكعَّب ذي اللون الأبيض الذي يمكن رؤيته من بعيد يقودنا معرض عبر ماضي مدينة ميونخ البنية (النازية) وتاريخها - وذلك من الأعلى إلى الأسفل. وتبدأ القصة في الطابق العلوي الرابع بالحرب العالمية الأولى وأسباب ظهور الحزب النازي وصعوده بعد فترة وجيزة من انتهاء الحرب العالمية الأولى. ويحصل الزوَّار في الطوابق السفلية على معلومات عن المجتمع في حقبة ميونيخ النازية وعن جرائم ارتكبها أشخاص من ميونخ خلال الحرب العالمية الثانية وعواقب حرب الإبادة التي تجاوزت المدينة. وهذا المركز يستقبل سونيًا مئات الآلاف من الزوَّار.
القنصلية العامة الإسرائيلية والحاخامات الأوروبيون
والمنطقة المحيطة بشارع برينِن شتراسه ترمز أيضًا إلى الوجود الإسرائيلي في ميونخ - وباتت ترمز مؤخرًا إلى الحياة اليهودية القوية في هذه المدينة. فعلى بعد خطوات قليلة توجد منذ عام 2011 القنصلية العامة لدولة إسرائيل في ميونيخ حيث تخضع لإجراءات أمنية شديدة.
وهذه القنصلية تعتبر بحسب المعلومات الإسرائيلية القنصلية العامة الوحيدة لدولة إسرائيل داخل الاتحاد الأوروبي. وهذا يُبرز مدى العلاقات المتنوعة وكذلك العلاقات الاقتصادية القائمة بين ولاية بافاريا الألمانية وإسرائيل. فمنذ عام 1948 ـ بعد فترة قصيرة من تأسيس دولة إسرائيل ـ وحتى عام 1953، كان يوجد في ميونيخ أوَّل مقر دبلوماسي إسرائيلي في ألمانيا. وفي ذلك الوقت لم تكن توجد علاقات دبلوماسية رسمية. ولكن إسرائيل أرادت رعاية الناجين من المحرقة الذين كانوا يريدون السفر إلى إسرائيل.
وفي هذه المنطقة يقع منذ عام 2023 المقر الرئيسي لـ"مؤتمر الحاخامات الأوروبيين" (CER). تأسَّس هذا المؤتمر عام 1956 في لندن وكان هدفه إعادة بناء الحياة اليهودية في أوروبا. ويعود سبب اتخاذ الحاخامات قرار الانتقال إلى ميونيخ إلى مساهمة حكومة ولاية بافاريا وكذلك إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والحياة اليهودية المتنامية في ألمانيا. وميونخ تملك في موقع مركزي بمنطقة وسط المدينة كنيسًا يهوديًا يعتبر من أكثر الكنس اليهودية إثارة للإعجاب في ألمانيا ومجتمعًا يهوديًا حيويًا.
"ميونيخ كانت متطرِّفة حقًا من الناحية التاريخية"، كما قال رئيس الجمعية الأرثوذكسية الحاخام بنحاس غولدشميت في حوار مع DW عام 2023: "هنا بدأ تدمير اليهودية في أوروبا. وهنا تم التخطيط لليلة الكريستال، لليلة استباحة اليهود وممتلكاتهم في جميع أنحاء الرايخ الألماني". وهنا بحسب تعبيره تلتئم دائرة تاريخية: "فمؤتمر الحاخامات الأوروبيين، الذي أراد منذ عام 1956 دعم إعادة بناء المجتمعات اليهودية بعد المحرقة، جاء إلى هذا البلد. ونحن نرى في ميونيخ وفي ولاية بافاريا وفي ألمانيا المجتمعات اليهودية قد أعيد بناؤها وباتت تزدهر".
وحتى الآن كان مقر مؤتمر الحاخامات الأوروبيين في ميونخ يخضع لتدابير وقائية مختلفة وعادية نوعًا ما. ولكن يوجد مقابل مقر المؤتمر بشكل مائل على الجانب الآخر من الشارع مركز شرطة كبير. وهو مسؤول عن الحماية المستمرة للأماكن اليهودية في المنطقة.
أعده للعربية: رائد الباش